استراتيجية الدخول والخروج

استراتيجية الدخول والخروج

24 يونيو 2017
الحصار على قطر لم ينجح (معتصم الناصر/العربي الجديد)
+ الخط -
في تاريخنا العربي والإسلامي، هنالك ألف دليل ودليل على أن "التماثلية" جزء من تراثنا. ففي تحفة الهند الخالدة، تاج محل، بني مسجد ثانٍ من المرمر الأسود حول المبنى الأساسي، حتى يتماثل الجناح الأيسر مع الجناح الأيمن، حيث يوجد مسجدٌ من الرخام الأبيض.
في فن الخط، دائماً نقسم اللوحة إلى قسمين متماثلين، وقد غزت التماثلية أسلوب حياتنا وثقافتنا.
ومن مبادئ التماثلية البسيطة أن يكون هنالك توازن في خططنا واستراتيجياتنا بين المرغوب والمرهوب، بين الممكن والصعب، وبين الدخول والخروج.
لقد ركّزنا على وضع استراتيجياتٍ لمعالجة قضايا، أو مشكلات، أو نزاعات، أو صراعات، أو حروب، ولكننا نغفل وضع استراتيجية إدخالٍ لما بدأناه، أو استراتيجية خروج.

غزت الولايات المتحدة العراق عام 1991 بهدف واضح، هو إخراج الجيش العراقي من دولة الكويت، ولمّا فعلت ذلك خرجت قواتها وحلفاؤها من الكويت والعراق.
وفي عام 2003، أقدم الرئيس جورج بوش الابن على غزو العراق بادعاءات كاذبة وتهم غير صحيحة، فدخل من دون أن يكون له سياسة خروج. ويبدو أن من الصعب الآن الخروج.
وفعل الأميركان الشيء نفسه قبل ذلك، عندما اصطفوا إلى جانب فيتنام الجنوبية ضد الشمالية في منتصف الستينيات من القرن الماضي. ولكنهم عادوا وخرجوا هاربين منها عام 1974، بسبب غياب استراتيجية الخروج.
أرسلت مصر جيوشاً إلى اليمن، حماية لنظام عبدالله السلال الذي انقلب على حكم الإمام البدر، والذي كان قد انقلب على أبيه. كان ذلك في أوائل الستينيات، وبعد سنوات، خرج الجيش من هناك مضرّجاً بدمائه، غير محقّق أي نتائج. والسبب غياب استراتيجية واضحة للدخول في هذه الحالة ولا في الخروج.

وضع الاتحاد الأوروبي استراتيجية ومنهجية دقيقتين من أجل العضوية، ومن أجل تطبيق المعايير المطلوبة، ما ساهم في توسعة الاتحاد حتى وصل إلى 28 عضواً. ولكن لمّا صوت الشعب البريطاني لصالح الخروج، تبين أن هنالك مشكلات معقدة لهذه العملية. وما كان من نصوص متاحة في ميثاق الاتحاد الأوروبي والمعاهدات والاتفاقات الناتجة عنه لم تتحدّث إلا عن مبدأ الخروج، أو الفصل، ولم تتحدّث عن سياسة الخروج واستراتيجيته.
انطلقت أزمة حادة بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين من ناحية، ودولة قطر من ناحية أخرى. وصحيح أن بوادر الخلاف كانت تطفو على السطح بين حين وآخر، لكن التحكم فيها، وعدم السماح لها بالانفلات، أدّيا إلى تفجرّها بشكل حاد لم يتوقعه أحد.
وبعد ما حصل، بدأنا نطلع على حجم التباين في المواقف، وعلى عمق الخلافات والشك والريبة، والتي تحولت، عبر التصريحات المختلفة ووسائل الإعلام، إلى معركةٍ متصاعدة الوتيرة.

نقول إن للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين ما تشتكي منه حيال دولة قطر. فلماذا لم تبذل جهودا كافية لإنهائها؟ والجواب على لسان المسؤولين في الدول الثلاث إن قطر قد نُبهت مراراً وتكراراً، ولكنها لم تتعظ، ما دفع هذه الدول إلى اتخاذ إجراءاتٍ حاسمة ضد الشقيقة قطر.
وفي المقابل، اعتبرت دولة قطر أن العقوبات الاقتصادية، أو الحصار الاقتصادي كما تسميه، سواء كان بطرد الموظفين والعاملين من قطر، وإغلاق السفارات والقنصليات، أو بإغلاق الحدود البرية والجوية والبحرية، اعتبرتها قطر كلها أعمالاً عدائية لا مبرر لها.
ولمّا لم تستجب قطر لهذه الضغوط، ووجدت وسائل للالتفاف على هذه العقوبات أو الحصار، بدأت حملات الاتهام تشتد أكثر، ومنها أن قطر دولة تتعامل مع إيران، من أجل تغيير نظام الحكم في البحرين، وأنها وراء تمويل الإرهاب، وأنها تكره الأمة العربية وتتعامل مع إسرائيل.

ومن ناحية أخرى، تخرج الصحف الإسرائيلية، وخصوصا هآرتس، كل يوم بعناوين مثيرة تتحدث فيها عن تعاون اقتصادي وسياسي وأمني مع إسرائيل. ويخرج رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بتصريحاتٍ مماثلة، وهذا هو موسم كيل التهم.
وهنالك من ينشر، عبر صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، مقالاتٍ عن زيارة رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، للمنطقة، وكيف انفجرت هذه الأزمة بعد الزيارة، مؤكدين أن ترامب هو الذي حفّز على هذا الخلاف من أجل محاصرة قطر، وإجبارها على دفع خوة مالية.
الواقع أن هنالك تهويلاً كبيراً، ومبالغة، وبتنا لا ندري أيّ الفريقين أصدق. والاتهامات المكالة ضد قطر خاصة، ولم تشفع بأدلة. ولكن المهم أن مجلس التعاون، ومستقبل بعض دوله، سيكون الثمن، إن استمرت هذه الأزمة على حالها وقتاً طويلاً.

يبدو أن الخلاف انفجر منصباً في أسلوبه وخطواته على إضعاف قطر، وإجبارها على التنازل والقبول بشروط السعودية والإمارات والبحرين. ولكن، من الواضح أن هذه الإجراءات لم تفلح، ومن الصعب التصور أنها سوف تفلح.
فما هو البديل؟
إما التصعيد وزيادة التوتير حتى تصل الأمور إلى مواجهةٍ عسكريةٍ، ستؤدي إلى كارثةٍ لكل الدول، أو أن الدول ذات العلاقة تبدأ في وضع استراتيجية للخروج من الأزمة.
معظم دول العالم والناصحين فيه يريدون إنهاءً لهذه الأزمة في أسرع وقت ممكن، قبل أن نرى جراد الغزاة يأكل الأخضر واليابس فيها.