ما بعد كسر حصار قطر.. تساؤلات المستقبل

ما بعد كسر حصار قطر... تساؤلات المستقبل

18 يونيو 2017
قطر تفك حصارها باستراتيجيات اقتصادية (Getty)
+ الخط -


ليس السؤال المطروح الآن داخل قطر هو: كيف نكسر الحصار البري والبحري والجوي المفروض من قبل محور السعودية والإمارات والبحرين، وليس السؤال المطروح عن الخطوات السريعة والأكثر فاعلية لكسر الحصار الاقتصادي الظالم وتقليص خسائره، سواء على المواطن أو الاقتصاد بشكل عام.

لكنّ السؤال الذي بات يشغل الجميع هو: ماذا بعد كسر الحصار، أو بمعنى آخر: ما هي مواطن الخلل التي احصيناها في الأيام الأولى للحصار، ماذا نحن فاعلون في الفترة المقبلة، ماذا عن مرحلة الاكتفاء الذاتي من السلع الرئيسية، ما هي خطط الحكومة لتقليص الاستيراد من الخارج، وتحديداً المواد الغذائية؟ أين خطط تنويع مصادر إيرادات الدولة، وعدم الاعتماد فقط على الغاز والنفط كمصدرين رئيسيين للموازنة العامة؟ كيف نتفادى ما جرى مستقبلا؟

يتساوى في طرح السؤال السابق كل من صانع القرار السياسي والاقتصادي بالبلاد الذي نجح في احتواء أزمة الحصار الحالية بأقل الخسائر، بل وبدون خسائر في بعض الأوقات والقطاعات، والمقيمين في قطر سواء المواطن الذي تابع ما حدث لحظة بلحظة، أو الوافد الذي يهمه استقرار هذا البلد الخليجي لأسباب عدة منها الحفاظ على لقمة عيشه.

منذ اندلاع الأزمة وعقب الاعلان عن حصار قطر براً وبحراً وجواً لاحظ الجميع بداية توافر كل أنواع السلع، وبلا استثناء، كما اعترف الجميع بعدم حدوث أية ارتفاعات للأسعار بما فيها أسعار السلع المستوردة، كما وجد كل هؤلاء استقرارا ملحوظا في القطاع المالي والمصرفي وأسواق السلع والصرف والعملات وغيرها.

إذن، نجحت قطر في كسر الحصار الاقتصادي المفروض عليها من قبل السعودية والإمارات في أقل من أسبوعين، كما نجحت في التغلب على تداعيات أكبر حصار بري وبحري وجوي شهدته المنطقة في السنوات الأخيرة، والأهم أنها حولت المحنة المفاجئة التي حلت بها وباقتصادها وبأسواقها إلى منحة يمكن أن تجني منها ثمرات كثيرة إذا ما أحسنت استغلالها، إذ سلطت أزمة الحصار الضوء على مواطن الخلل في الاقتصاد القطري والقطاعات المختلفة.

بسهولة يمكننا رصد هذا النجاح في العديد من المؤشرات التي لا تخطئها عين محايد متابع للأحداث على مدى الأسبوعين الماضيين، ومن بين هذه المؤشرات:

الأسواق:

نجحت قطر خلال الأسبوعين الماضيين في تلبية احتياجات الأسواق خاصة من السلع الغذائية، وخلال فترة وجيزة في عمر الشعوب نجحت الحكومة في جذب موردين دوليين جدد، خاصة من تركيا واليونان والهند وسلطنة عمان والكويت وإيران والعراق والمغرب والجزائر وغيرها من دول العالم التي سارعت بتوجيه سلعها للأسواق القطرية.

كما تدفقت الحاويات الضخمة على ميناء حمد الدولي محملة بكل البضائع والسلع، ونجح أسطول من الطيران القطري في تكوين جسر جوي لنقل كل السلع المطلوبة إلى السوق المحلي بما فيها الماشية والأبقار.

العملة:

رغم حالة القلق الشديد التي ثارت بين المستثمرين الأجانب في الأيام الأولى للحصار، بسبب زيادة المخاطر السياسية والهجوم الاعلامي والسياسي غير المسبوق الذي تعرضت له الدوحة، الا أن الريال القطري شهد استقرارا ملحوظا مقابل الدولار والعملات الرئيسية، ولم يشهد الريال تراجعا حتى ولو بنسب بسيطة رغم ضغط السحب النقدي في بداية الأزمة والمزاعم التي أطلقها إعلام دول المحور من حدوث انهيار في قيمة العملة القطرية وسحب عشرات المليارات من الدولارات من قبل مستثمرين أجانب.

دعم هذا الاستقرار في سوق الصرف الأجنبي توافر سيولة نقدية تجاوزت 200 مليار دولار، إضافة إلى السيولة المتوافرة لدى الصندوق السيادي والبالغة 335 مليار دولار، واحتياطي من النقد الأجنبي تجاوز 42 مليار دولار، أضافة للسيولة المتوافرة لد البنوك القطرية والتي تتجاوز أصولها 1.3 تريليون ريال وبما يعادل 357 مليار دولار.

كما دعم استقرار سعر الريال أيضاً عدم فرض البنك المركزي القطري أية قيود من أي نوع على التحويلات المالية للخارج وتوفير السيولة المطلوبة للمتعاملين.

هنا كانت الرسالة واضحة للجميع من قبل صانع السياسة النقدية: لن نتخلى عن عملتنا الوطنية، ولن نسمح لها بالتراجع، ولن نسمح للمضاربين بالانتصار علينا أو إحداث هزة في سعر الريال يمكن أن تمثل قلقاً للمستثمرين الأجانب والمحليين على حد سواء، ولن نسمح بحدوث ذعر داخل أسواق الصرف.

البورصة:

خسرت البورصة القطرية 10% من قيمتها السوقية في الأيام الأولى للتعامل، خصوصاً مع اندفاع المستثمرين نحو بيع ما في حوزتهم تحسباً لتأزم الأزمة وتعقد المشهد السياسي وبالتالي الاقتصادي، الا أن نجاح قطر في كسر الحصار، وإقناع الخارج بوجهة نظرها وأنه لا يوجد مبرر مقنع لفرض هذا الحصار أعاد المستثمرين الفارين سريعاً إلى البورصة، وهو ما دفعها لمعاودة الارتفاع مرة أخرى.

ويكفي أن نقول إن البورصة القطرية ربحت 1.3 مليار دولار في تعاملات الأسبوع الماضي، كما عوضت الخسائر التي منيت بها في الأسبوع الأول للأزمة، كما أندفع مستثمرون قطريون لشراء الأسهم التي تخلص منها العرب والأجانب عقب اندلاع الأزمة.

مشروعات البنية التحتية:

لم تتأثر هذه المشروعات، خصوصاً المتعلقة بكأس العالم 2022 رغم ما قيل في بداية الحصار من أن نقص مواد البناء القادمة من السعودية ستشل حركة هذه المشروعات، لكن عجلة الإنتاج تواصلت في هذه المشروعات البالغ كلفتها الاستثمارية مليارات الدولارات، ودعم ذلك وجود مخزون ضخم من مواد البناء لدى قطر، ومشاركة مصانعها في توفير المواد الرئيسية مثل الحديد وغيره.

الطيران:

رغم أن الخطوط الجوية القطرية فقدت ما يقرب من 6% من حصتها السوقية مع الساعات الأولى للأزمة الحالية بسبب حظر دخولها دول المحور، إلا أنها استطاعت بسرعة إيجاد وجهات جديدة، كما أبرمت اتفاقيات سريعة مع خطوط إقليمية لنقل الركاب المتعاقدين معها إلى دول العالم.

بشكل عام كانت رسالة صانع القرار القطري للجميع واضحة: لا توجد مشاكل هيكلية تواجه الاقتصاد القطري والعملة المحلية والأسواق وحتى البورصة المحلية بسبب الحصار، ولدينا من الإمكانات المالية والسيولة النقدية ما يتيح لنا مواجهة أيه مشكلة ناجمة عن الحصار.

هذا عن الداخل، فماذا عن كسر الحصار خارجياً؟

لقد تحرك كبار المسؤولين القطريين لإبرام اتفاقيات تجارية ومالية واقتصادية مع الشركاء الدوليين، كما بعث صانع القرار في قطر برسالة مفادها أن ثالث أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم ملتزم بتنفيذ تعاقداته لتوريد الغاز لكل الدول المتعاقد معها، بما فيها بعض دول المحور التي تحصل على 30% من احتياجاتها من الغاز من قطر، كما أن لدى الدولة السيولة المالية التي تمكنها من مواصلة كسر الحصار الاقتصادي لسنوات مقبلة، ومحاصرة أية خسائر محتملة.

لقد أدارت الدوحة الأزمة الحالية بهدوء شديد على المستوى الاقتصادي، نجحت خلالها في إعادة ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، على حد سواء وبشكل سريع، وبالتالي عودة ثقة أسواق المال العالمية في الاقتصاد القطري، لكن ورغم عودة هذه الثقة تدريجيا، إلا أن مخاوف المستثمرين الأجانب لم تتبدد بعد، خاصة وأن الأزمة لا تزال معقدة على المستوى السياسي ولم تشهد حلحلة بعد رغم محاولات الصلح التي تقودها عدة دول منها الكويت والمغرب وتركيا.

هذا عن الوضع الحالي، فماذا عن المستقبل، هل تتحرك الحكومة القطرية لاستغلال الأزمة وتطلق عدة مبادرات منها مثلا دعم الصناعة الوطنية، خصوصاً المتعلقة بالسلع الغذائية؟

وهل يمكن أن تسارع الدوحة في تنفيذ خطط تنويع مصادر الدخل، وتحديداً من قطاعات مثل السياحة والصادرات غير النفطية والزراعة والاستثمارات الخارجية حتى لا تظل رهينة لتطورات أسعار الغاز والنفط؟

وهل يمكن أن تعطي الدوحة أولوية لقطاع السكن الذي لا يزال يمثل تحدياً مهماً للاقتصاد المحلي، إذ أن ارتفاع أسعار السكن وكلفة الاقامة في قطر تعرقل جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية للبلاد خاصة لقطاعات واعدة مثل التعليم والصحة والمطاعم والفندقة.


المساهمون