أحزاب السلطة العراقية تستولي على علامات تجارية بارزة

استغلال النفوذ... أحزاب السلطة العراقية تستولي على علامات تجارية بارزة

14 يونيو 2017
يسيطر المجلس الأعلى على أسهم بيبسي بغداد (واثق خزاعي/Getty)
+ الخط -
كشفمسؤول عراقي بارز في وزارة التخطيط عن جملة من العلامات التجارية التي تستولي عليها أحزاب نافذة في السلطة بشكل غير قانوني وتحتكرها بما يمنع دخول أي منافس، فضلاً عن مخالفات لنافذين بالدولة عطّلوا إعادة تأهيل معامل ومصانع عراقية حكومية للحفاظ على أرباح وكالات الاستيراد التابعة لهم. 
وتُظهر المعلومات تورط أحزاب إسلامية بارزة في ما وصفه المصدر بـ "تجارة المال الحرام".
ومن المقرر، وفقاً للمسؤول ذاته، أن يحسم رئيس الوزراء حيدر العبادي ملف تجاوزات الأحزاب السياسية ووقف تدخلها في القطاع التجاري والمالي بعد تقديم ملف يحتوي على 86 صفحة تتضمن أبرز الأحزاب المتورطة في هذا الملف، وهي المجلس الإسلامي الأعلى بزعامة عمار الحكيم وحزب الدعوة بزعامة نوري المالكي والتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر إضافة إلى كتل وأحزاب صغيرة.
وعلى مدى الأيام الماضية، شرعت وزارة التخطيط مع فريق من البنك المركزي وديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة بالتحقيق في احتكار أحزاب عدة علامات تجارية دون وجه حق قانوني، والتربح من خلالها رغم منع الدستور العراقي انخراط الأحزاب والمسؤولين في قطاع المال والأعمال.
ووفقاً للمسؤول العراقي الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، فإن المجلس الإسلامي الأعلى بزعامة عمار الحكيم يسيطر على وكالات شركة المراعي السعودية، فضلا عن جبس ليز وكي دي دي، والأخيرة كانت لتاجر يدعى كبير محمد الكبيسي ينشط في سوق جميلة ببغداد إلا أنه تخلى عنها وأغلق نشاطاته التجارية وفر إلى الأردن قبل عدة سنوات ليتولى المجلس الأعلى وكالة الـ"كي دي دي".
والمجلس الأعلى الإسلامي العراقي (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق سابقا) هو أحد الأحزاب السياسية تأسس في المنفى في إيران بتاريخ 17 تشرين الثاني 1982 حيث أعلن تأسيسه محمد باقر الحكيم واشترك إلى جانب الجيش الإيراني في حربه ضد العراق من خلال جناحه العسكري المسمى بفيلق بدر.
كما يسيطر المجلس الأعلى على غالبية أسهم شركة بيبسي بغداد ومن ثم السيطرة على رئاسة مجلس إدارة الشركة وبسببها منع استيراد البيبسي من أي منشأ آخر بتأثير الحزب على وزارة التجارة العراقية، حيث وصف العملية بأنها إضرار واضح للاقتصاد العراقي الذي يُنتج هذه المادة.
كما تشير التحقيقات إلى تورط المجلس الأعلى في عملية تعطيل تأهيل معمل كاشي الكمالية ببغداد (معمل البلاط) حيث يملك المجلس الأعلى شركة استيراد بلاط إيراني يبلغ سعر المتر الواحد 7 آلاف دينار بالوقت الذي كان معمل البلاط العراقي (كاشي الكمالية) ينتج نوعية بلاط أفضل منه وبسعر 4 آلاف دينار للمتر الواحد.
بينما يسيطر حزب الدعوة الإسلامية على مصرف العالم الإسلامي وشركة حوالات مالية بين بغداد ودمشق وطهران وقم مسجلة في مزاد البنك المركزي للعملة الصعبة (الدولار) وشركة استيراد وصيانة سيارات سايبا الإيرانية، فضلا عن شركة الإعلانات الرئيسية في بغداد التي تضع نحو 10 آلاف لافتة ثابتة مخصصة للاستئجار من الشركات.
وحزب الدعوة الإسلامية العراقية أحد الأحزاب السياسية، وأحد الأحزاب الشيعية الرئيسية. تحالف الحزب مع المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق في الانتخابات العراقية التي جرت عقب الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003.

ويسيطر حزب الدعوة أيضا، على شركة واحة الخاصة بالعقارات فضلا عن شركة إعمار التي تحتكر جميع عمليات تأهيل المباني والمؤسسات الحكومية، وكان أضخم عقد حصلت عليه بقيمة 230 مليون دولار لتأهيل فنادق بغداد قبيل انعقاد القمة العربية عام 2012.
بالإضافة إلى ذلك، يسيطر حزب الدعوة على مكتب تعهد خاص لتزويد مفوضية الانتخابات بالأوراق والمستلزمات الخاصة بعمليات الاقتراع تحت غطاء شركة ألمانية تدعى جيسون وول، تبين أنه لا وجود لها أصلا.
أما التيار الصدري فيسيطر على مقاولات تشجير وتأهيل شوارع بغداد وشركة تعهد نقل النفايات الصحية في بغداد، فضلا عن شركة خاصة تمتلك أسطول شاحنات حوضية لنقل النفط الخام الخفيف من حقول جنوب البصرة إلى الموانئ العراقية على مياه الخليج العربي.
والتيار الصدري، هو تيار سياسي وديني يتبع للزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر. وللتيار ممثلون في مجلس النواب العراقي من أبرزهم نصار الربيعي رئيسهم في البرلمان، كما يحمل ممثلون للتيار حقائب وزارية في الحكومة العراقية.
أحزاب أخرى تسيطر على قطاعات تجارية مهمة في بغداد مثل حزب الفضيلة الذي يملك شركة بغداد تك للأجهزة الإلكترونية التي تحتكر تجهيز الدوائر والمؤسسات والجامعات بأجهزة الحاسب الآلي المحمول والثابت وأدوات العرض والأثاث المكتبي وعقود طعام السجناء في 9 سجون رئيسة بالعاصمة.
ويمتلك حزب كردي شركة خاصة لرفع الألغام والمتفجرات من المناطق المحررة من تنظيم "داعش" وأكثرية أسهم شركة جوال رئيسية في العراق.
ووفقا للمستشار السابق في سوق العراق للأوراق المالية محمد مكي، فإن الأحزاب السياسية المشاركة بالسلطة حاليا تحتكر أكثر من 60% من المعاملات التجارية بالعراق.
وأضاف مكي لـ"العربي الجديد" أن أحد أسباب تأخر فتح المنفذ البري مع الأردن، هو تلك الأحزاب التي تمتلك وكالات مع دول أخرى وتجد في فتح المنفذ تهديدا لمصالحها التجارية. وقال: "أحد الأحزاب يجني يوميا نحو ثلاثة ملايين دولار من السوق العراقية جراء تعاملاته بأسماء شركات مختلفة. يستغل هذا الحزب سلطته ونفوذه لتمرير معاملاته ومصالحه التجارية".
واعتبر عضو غرفة تجارة بغداد أحمد عبد الحسن الصافي، انخراط الأحزاب في التجارة والاقتصاد العراقي السبب الأول لبقاء الوضع الاقتصادي في حالة ركود شبه دائمة.
وبيّن أن دخول تلك الأحزاب والتربح من السوق يكبد الاقتصاد العراقي يوميا ما لا يقل عن عشرة ملايين دولار بسبب غياب التنافس الشريف وتعطيل المصانع العراقية عن عمد من أجل إبقاء آلة الاستيراد مستمرة.
ويقول الخبير الاقتصادي العراقي ماجد سعيد العامري، إن استيلاء الأحزاب على الماركات التجارية واحتكارهم قطاعات مهمة في سوق المال والأعمال بات صخرة كبيرة على صدر الاقتصاد العراقي.
وأضاف العامري لـ "العربي الجديد"، أن "عامل المنافسة معدوم ولا يمكن لأي تاجر الدخول والعمل في المكان الذي يتواجدون فيه"، مبينا أن الأخطر من ذلك تعطيلهم مصانع ومعامل عراقية حكومية لا تحتاج الكثير لتأهيلها مثل معامل الإسمنت والحديد والزجاج والبلاط والأخشاب والغزل والنسيج وغيرها، وهو ما يجعل العراق في حلقة استيراد منهكة لا يستفيد منها إلا هؤلاء النافذون.
ويرى العامري أنه من الخطأ حصر الانخراط في الأعمال التجارية بالأحزاب التي ورد ذكرها في التقرير الحكومي فقط، مشيرا إلى أن ثمة مليشيات مسلحة بات دورها مفضوحا أيضا في مثل هذه المعاملات التجارية والفساد.
والعام الماضي، قالت مصادر حكومية ومحلية عراقية، إنه تم ضبط شاحنات تعود لمليشيات داعمة للقوات الحكومية، تقوم بنقل أجزاء من مصنع الأسمدة الشمالية في منطقة بيجي بمحافظة صلاح الدين شمال العراق.
وبالإضافة إلى ذلك، تعاني أسواق الجملة في العاصمة بغداد، وعدد من مدن الجنوب من ظاهرة ما تعرف بـ "القط"، وهو مصطلح شعبي عراقي يعني الإتاوة التي تفرضها المليشيات على التجار وأصحاب محال بيع الجملة، وكذلك مكاتب رجال الأعمال، وغيرهم من ميسوري الحال.
الظاهرة انعكست على أسعار المواد الغذائية أيضاً، وعلى هجرة التجار وأصحاب الشركات إلى الأردن أو أربيل حيث عاصمة إقليم كردستان ومن هناك يديرون أعمالهم في بغداد، أو يهجرون العراق نهائياً.
وسبق لوزارة الداخلية العراقية، أن أعلنت عن تشكيل لجنة تحقيق لمتابعة ظاهرة الإتاوات، إلا أنه لم يتم اتخاذ أي إجراءات، وهو ما دفع بالتجار إلى توفير حمايات خاصة بهم أو دفع الأموال للمليشيات.

المساهمون