رفع الفائدة..لا تندهش فأنت في مصر

رفع الفائدة..لا تندهش فأنت في مصر

22 مايو 2017
زيادة سعر الفائدة تصيب الاستثمار في مقتل (العربي الجديد)
+ الخط -


لم أفاجأ بقرار البنك المركزي المصري رفع سعر الفائدة بنسبة 2% مرة واحدة رغم كل التوقعات التي كانت تستبعد حدوث ذلك، لتأثير القرار الخطير على مناخ الاستثمار وزيادة كلفة الأموال داخل المجتمع وزيادة عبء الاقتراض من البنوك، إضافة لتأثير رفع الفائدة أيضا على الدين العام الحكومي، فزيادة 1% في سعر الفائدة تعني زيادة في الدين العام بنحو 15 مليار جنيه، وهو ما يعني أن قرار البنك المركزي الأخير سيكلف موازنة الدولة نحو 32 مليار جنيه سنوياً.

ولم أندهش بقرار الحكومة زيادة أسعار فواتير المياه، أمس الأحد، رغم اختيارها توقيت الرفع بعناية ودقة، حيث تصاحبه قبضة أمنية عنيفة تخيف أي شخص يفكر في الاعتراض على مثل هذه القرارات حتى وإن مست مياه الشرب.

ولن أفاجأ كذلك بحدوث زيادة مرتقبة في أسعار البنزين والسولار والغاز الطبيعي قد تتم عقب عيد الفطر مباشرة، رغم أن هذه الخطوة ستكون لها نتائج كارثية على المواطنين، حيث سترتفع الأسعار وكلفة النقل والمواصلات العامة والزراعة والشحن وغيرها، كما ستؤدي لحدوث قفزات في معدلات التضخم كما جرى في الأشهر الستة الماضية بسبب زيادة أسعار هذه القطاعات بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وضمن عدة خطوات شملت أيضا تعويم الجنيه المصري.

ولن أستغرب حدوث زيادة جديدة في فواتير الكهرباء ربما تكون بداية شهر يوليو/ تموز القادم، تمهيدا لإلغاء الدعم الحكومي المقدم للطاقة في أقل من 3 سنوات، وبالتالي بيع الكهرباء للمواطن بالأسعار العالمية.

بل ولن أفاجأ بزيادة أسعار السلع الأساسية، مثل السكر والشاي والأرز والعدس والمعكرونة والزيوت والصابون وغيرها، كما حدث في العام 2016، رغم الحديث المستمر عن زيادة الدعم الحكومي المقدم لهذه السلع، ولن أفاجأ بزيادة مرتقبة للضرائب على السجائر ومكالمات التليفون المحمول ورفع لضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات.

ولن تصيبني الدهشة في حال اتخاذ الحكومة قرارات وإجراءات تقشفية مشابهة من رفع الأسعار وخلافه خلال الأيام القليلة المقبلة وحتى مواعد انعقاد المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي والذي يبحث طلب مصر الإفراج عن الشريحة الثانية من قرضه البالغة قيمتها 1.25 مليار دولار، فكل ذلك مكتوب ومسطر في صحف وأوراق صندوق النقد الدولي القابع في العاصمة الأميركية، ومتفق على تنفيذه مع الحكومة المصرية، والقرارات التي تصدر بين الحين والآخر تتم بتنسيق مباشر مع صندوق النقد الدولي. فالصندوق أمر بزيادة أسعار الفائدة لاحتواء التضخم، وقد تمت الاستجابة لطلبه رغم خطورة القرار على الاقتصاد والاستثمار، والصندوق أعطى تعليمات بزيادة أسعار الوقود والضرائب، والحكومة ستنفذ.

ببساطة صندوق النقد الدولي هو الذي بات يشرف على تنفيذ السياسة الاقتصادية المصرية، وأحدث دليل على ذلك قرار زيادة سعر الفائدة، فقبل أيام أقرت الحكومة قانونا لتشجيع الاستثمار، ومن بين آليات تشجيع الاستثمار خفض أسعار الفائدة الممنوحة من البنوك للمستثمرين ورجال الأعمال، إضافة لآليات أخرى، منها إجراءات التراخيص وتوفير الأراضي والطاقة والعمالة المدربة.

وبدلاً من أن ينتظر المستثمرون إعلان البنوك عن خفض في سعر الفائدة وتقليص كلفة الأموال داخل المجتمع، فوجئ الجميع بزيادة الفائدة بنسبة 2%، وهو ما يعني زيادتها بنسبة 5% خلال فترة 6 أشهر.


هنا قد يحتار المرء ويسأل: هل تشجع الحكومة الاستثمار أم تعرقله بزيادة سعر الفائدة، وإذا كانت الحكومة تبرر قرار البنك المركزي بأنه يهدف لاحتواء التضخم الذي يتجاوز 32%، فهل رفع الفائدة كفيل بتحقيق ذلك، وخاصة أن الجميع متفق على أن التضخم الحالي سببه زيادة سعر الدولار وكلفة الوقود والأسعار بشكل عام، وليس سببه زيادة الطلب على السلع في الأسواق ناجمة عن تحسن مؤشرات التشغيل وفرص العمل والنمو الاقتصادي، أو أن سبب التضخم هو زيادة السيولة النقدية داخل الأسواق، وبالتالي يجب سحب هذه السيولة بزيادة سعر الفائدة.

لا تصدقوا حكاية أن برنامج الإصلاح الاقتصادي هو برنامج مستقل ومن صنع أيد مصرية وتشرف عليه كاملا، بل هو برنامج يشرف عليه ويديره القابعون في مقر صندوق النقد الدولي بواشنطن الذين لا يهمهم فقراء مصر، ولا يعنيهم من قريب أو بعيد مناخ الاستثمار، بدليل أنهم ضغطوا لرفع سعر الفائدة 5% منذ تعويم الجنيه، وهم يعرفون أن هذا يضرب الاستثمار.

ولا يهم صندوق النقد كذلك محاربة التضخم وخفض الأسعار، فكل هذا من باب ذر الرماد في العيون، كل ما يعني صندوق النقد بالدرجة الأولى هو استرداد قرضه حتى قبل أن يمنحه كاملا، يهمه كذلك ضمان مستحقات شركات النفط والغاز العالمية، وضمان منح مزايا وحوافز للمستثمرين الأجانب، والدليل أن الشريحة الثانية من قرض الصندوق قد توجه حصيلتها لهدف واحد هو سداد جزء من مستحقات شركات النفط والغاز العالمية البالغة قيمتها 3.4 مليارات دولار، والملفت أن هذا الجزء المستحق يعادل 1.2 مليار دولار قيمة الشريحة الثانية.

المساهمون