تغيير العملة.. جس نبض أم إثارة ذعر المدخرين؟

تغيير العملة.. جس نبض أم إثارة ذعر المدخرين؟

14 مايو 2017
تغيير العملة.. دعاية سيئة للاقتصاد المصري
+ الخط -

تلجأ الدول لتغيير عملاتها الوطنية في حالات عدة، أبرزها وجود عمليات تزوير واسعة للعملة قد تؤثر سلباً على قيمتها وتزعزع ثقة المتعاملين والأسواق الخارجية بها، وقد يدفع التزوير المدخرين إلى التخلص من العملة المحلية لمصلحة العملات الأجنبية، وهو ما يشكل خطورة على الاقتصاد بشكل عام وسوق الصرف الأجنبي بشكل خاص.

وقد تغيّر الدول عملاتها الوطنية وتستبدلها في حال مرور الاقتصاد بحالة تضخم قياسية بات معها سعر العملة المطبوعة لا يعبر عن قيمتها الحقيقية ومعدلات الزيادات المتواصلة في الأسعار، وبالتالي لا بد من حذف عدة أصفار من العملة، أو تغييرها في حالة حدوث ثورة أو انقلاب سياسي داخل الدولة، أو وقوع احتلال خارجي للدولة.

في الحالة الأولى نجد أن الولايات المتحدة مثلاً تسحب من حين لآخر فئة من عملاتها الورقية من التداول وتطبع بديلاً لها بسبب التزوير، وكان من أبرز هذه الفئات المائة دولار التي تعرضت في بعض السنوات، خاصة في 2009، لعملية تزوير واسعة، لدرجة أن بعض دوائر صنع القرار في واشنطن اتهمت دولاً مثل كولومبيا وروسيا وإيران وكوريا الشمالية بالوقوف وراء العصابات الإجرامية التي تزور الدولار وتقلده بهدف زعزعة الثقة به.

كما قامت أميركا في بعض السنوات بسحب أوراق نقدية من التداول وطباعة بديل لها، بعد أن أضافت عليها علامات تأمينية وتقنيات ثلاثية ومنحتها لونا جديدا وتصميما مختلفا يحول دون تزويرها، خاصة من العصابات المحترفة المقيمة على الحدود الكندية الأميركية.

وفي الحالة الثانية المتعلقة بتفاقم معدلات التضخم قامت ألمانيا في عام 1923 بتغيير عملتها لتصدر الرانتمال ثم الرايخ ثم المارك لاحقاً، وكذا فعلت دول كثيرة منها فنزويلا وتركمانستان، كما قامت تركيا في عام 2005 بسحب العملة القديمة من التّداول، وطرحت عملات جديدة خالية من الأصفار، ومنحت المواطنين 10 سنوات لاستبدال العملات القديمة التي بحوزتهم بالعملة الجديدة.

أما في الحالة الثالثة فقد غيرت مصر عملتها عقب قيام ثورة 32 يوليو 1952 حيث حذفت صور الملك فاروق الذي رحل عن البلاد واستبدلته بصور مساجد ومواقع أثرية مصرية، وكان هناك دعوات بتكرار ذلك عقب ثورة 25 يناير 2011، الا أن السلطة الحاكمة لم تستجب لمثل هذه الدعوات ولم تتعامل معها بجدية.


السؤال هنا: هل الحالات الثلاث (تزوير وتضخم مفرط وثورات) تنطبق على مصر هذه الأيام بحيث تقوم الحكومة بتغيير عملتها الوطنية حسبما كشفت مصادر حكومية وبرلمانية عدة، منها عبد المنعم مطر مستشار وزير المالية، ونادية هنري وثريا الشيخ النائبتان في البرلمان وعضوا اللجنة الاقتصادية في البرلمان؟

بالطبع لا، فالعملة المصرية لم تتعرض لتزوير واسع كما حدث مثلا للدولار واليورو في بعض الأوقات، والتضخم في مصر يعد متواضعاً، رغم زيادته عقب تعويم الجنيه، إذا ما تمت مقارنته بمعدل التضخم لدى فنزويلا مثلاً الذي تجاوز 404% خلال عام 2016 مع انهيار أسعار النفط المورد الرئيسي للإيرادات العامة في البلاد، كما أن مصر لم تمر بثورة أو انقلاب هذه الأيام يدفعها نحو التخلي عن عملتها القديمة واستبدالها بعملة حديثة تحوي صورة الرئيس الجديد.

إذن ما الذي يدفع عضو مجلس النواب وعضو اللجنة الاقتصادية، نادية هنري، لتخرج علينا قبل يومين، وتقترح تغيير شكل العملة المصرية، بل وتعتبر ذلك أحد الحلول المتاحة للأزمة الاقتصادية الحالية، وما الذي يدفعها لأن تشدد في تصريحاتها التي نقلتها صحف عدة على ضرورة الإسراع في البدء بتغيير شكل العملة، وتفسر ذلك بمبرر غريب هو إجبار المصريين على إيداع مئات المليارات من الجنيهات في البنوك ومنع السحب منها إلا بضوابط؟

وما الذي يدفع عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، ثريا الشيخ، من الخروج علناً والتأكيد على أن اللجنة ستعقد اجتماعًا قريبًا لإعداد قانون لتغيير العملة، بعدما تمت مناقشته مع وزارة المالية، بل وتكرر النائبة كلام نادية هنري، وهو أن تغيير العملة أفضل وسيلة لجذب الأموال المدخرة في المنازل، وليس رفع فائدة البنوك؟

وما الذي يدفع مستشار وزير المالية، عبد المنعم مطر، للتأكيد قبل يومين أن البرلمان ووزارة المالية، والبنك المركزي، ومختلف الوزارات، تدرس حاليا كيفية تغيير العملة المحلية، بل ويؤكد أن عملية تغيير العملة سوف تكشف عن كمية الأموال المخبأة لدى المواطنين، والملفت هنا تكرار مسؤول وزارة المالية كلام النائبتين في البرلمان من أن تغيير العملة يعد حلاً جديداً للأزمة الاقتصادية بالبلاد.

ما صدر عن الشخصيات الثلاث وغيرهم من المسؤولين الحكوميين هو إما نوعٌ من جسّ النبض لقرار متوقع بتغيير العملة من قبل الحكومة على غرار خطوة تعويم الجنيه المصري التي فاجأت بها الجميع بداية شهر نوفمبر الماضي.

أو أن الخطوة بهدف إثارة الفزع والذعر بين ملايين المصريين الذين يدخرون مليارات الجنيهات في بيوتهم لأسباب عدة، وبالتالي دفعهم دفعاً نحو التنازل عما في حوزتهم للبنوك قبل تغيير العملة، والا ضاعت عليهم تحويشة العمر في حال حدوث استبدال للعملة، وبالتالي تضمن الحكومة هنا زيادة حجم الودائع لدى القطاع المصرفي، وتوافر السيولة الكافية لتمويل برنامج الاقتراض الحكومي، حيث تعتزم الحكومة اقتراض 635.6 مليار جنيه (35 مليار دولار) من السوق المحلية فقط خلال العام المالي المقبل 2017 /2018، مقارنة بنحو 575.9 مليار جنيه العام المالي الحالي، بزيادة تبلغ نسبتها 10.3%.

وبغض النظر عن الهدف الحقيقي وراء الحديث عن تغيير العملة المصرية، فإن هذه التصريحات تعد لعباً بالنار، إذ إنها تعطي إيحاءات خطيرة للداخل والخارج، منها أن الاقتصاد المصري مقبل على كارثة في القريب العاجل، أو أن القطاع المصرفي يعاني من أزمة سيولة تشبه تلك التي حدثت في منتصف فترة السبعينيات وخلال حكومتي كمال الجنزوري الأولى وعاطف عبيد، أو أن معدلات التضخم ستواصل ارتفاعاتها لتصل إلى مستويات وصلت إليها تركيا خلال فترة الحكومات الانتقالية والانقلابات العسكرية أو فنزويلا حالياً.

الخلاصة هنا أن الحديث عن تغيير العملة حالياً، ورغم نفيه رسمياً أمس من قبل وزير المالية عمرو الجارحي، إلا أن مجرد الحديث عنه يعد دعاية سيئة للاقتصاد المصري، خاصة في هذا التوقيت الحرج حيث تعاني معظم المؤشرات من حالة تراجع واضحة.

المساهمون