تكتم السودان على الأرقام الحقيقية للفقر يعرقل التنمية

تكتم السودان على الأرقام الحقيقية للفقر يعرقل التنمية

12 مايو 2017
غياب المعلومات يعطّل برامج مكافحة الفقر (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
سلّم الجهاز المركزي للإحصاء في السودان (حكومي) نتائج مسوحات الفقر، التي أجريت مؤخرا، إلى وزارة المالية التي رفضت إعلانها رسميا بحجة وجود ملاحظات عليها، وتؤكد مصادر مطّلعة لـ "العربي الجديد" أن ارتفاع نسبة الفقر في الدراسة الحكومية الجديدة السبب الرئيسي في التأخر في إعلان النتائج النهائية، وخاصة أنها تزيد عن آخر نسبة تم إعلانها رسميا في عام 2009 وهي 46%، عكس دراسة حكومية خلال الفترة الأخيرة تشير إلى انخفاض نسب الفقر.
وقال المدير العام للجهاز المركزي للإحصاء، كرم الله علي عبدالرحمن، في تصريحات صحافية، أخيراً، إن النتائج الأخيرة عن الفقر لا تتحمل أي جهة مسؤولية إعلانها، قبل التحقق من سلامتها، مؤكداً أن تأخير إعلانها تسبب في تأخير كثير من المشاريع في مقدمتها استراتيجيات الفقر، وخطط وزارة المالية.
وتوقع عبدالرحمن وصول خبير إحصاء من البنك الدولي، لحسم الخلاف توطئة لإعلان النتيجة رسميا بعد إبداء ملاحظاته عليها.
وفي المقابل، تمسك الأستاذ في جامعة الخرطوم الذي شارك في وضع منهج المسح واختيار العينات، صديق شاهين، بأن المنهج الذي استخدم في المسح صحيح، وتابع: "لم يبلغونا رسمياً بوجود خطأ ولم نسمع بخطأ محدد في المنهج".
وتعدّ نتائج هذا المسح هي الأولى من نوعها منذ نحو 8 سنوات، وتقول المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، أنها أظهرت ارتفاع مستوى الفقر في غالبية ولايات السودان. وبدأ المسح الرسمي الأخير في عام 2014 بدعم من بنك التنمية الأفريقي وتم الانتهاء من النتائج في سبتمبر/أيلول 2016، إلا أن وزارة المالية السودانية لم تعلنها حتى الآن بحجة وجود بعض الملاحظات عليها.
وفي هذا السياق، أكد الخبير الاقتصادي، أحمد آدم، لـ "العربي الجديد" أن نسبة الفقر الحقيقية في السودان تصل إلى 80%، مبينا أن الواقع الذي يعيشه السودان اليوم يؤكد ذلك، في ظل تراجع كل معدلات الإنتاج واختلال كافة الموازين والهجرة من الريف إلى المدن، إضافة إلى تفاقم البطالة الذي يبينه ازدياد الهجرة إلى الخارج بكميات كبيرة.
وطالب آدم وزارة المالية بمراجعة موقفها جيدا وإظهار النسبة الحقيقية التي ستكون معيارا لوضع استراتيجية الدولة المقبلة، حتى لا تتعرض إلى أعباء مقبلة. وأبدى أمله في أن تعتمد الوزارة النسبة التي أجريت من قبل مكتب متخصص، حتى لا تُحدث معالجتها خللا في مقبل الأيام.
وكانت دراسة حكومية، أعدتها وزارة الرعاية الاجتماعية السودانية، قد بيّنت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي تراجع نسبة الفقر في السودان إلى 28 %، في حين سجلت التقديرات الرسمية للفقر عام 2009 نسبة 46%، مما أثار جدلا في السودان إذ شكّك الخبراء في أرقام الدراسة ونتائجها، نظراً لتفاقم الوضع المعيشي، وارتفاع نسب البطالة وازدياد أعداد النازحين في مناطق النزاع، وتزايد الهجرة من الريف إلى المدن.
ومنذ منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول 2014 انتشرت المئات من فرق الجهاز المركزي للإحصاء في السودان، من أجل إجراء أضخم عملية مسح لنسبة الفقر في البلاد، التي باتت تعاني من ضائقة اقتصادية طاحنة، لا سيما بعد انفصال الجنوب العام 2011، مما حرم السودان من 75% من المخزون النفطي.
وكان آخر إحصاء رسمي عام 2009 قد أكد أن نسبة الفقر 26.5% من سكان المدن و57.5% من سكان الريف، فضلاً عن اختلاف ما بين الولايات، حيث كانت النسبة في ولاية شمال دارفور غربي السودان 69% كأعلى نسبة، وفي ولاية الخرطوم 26% كأدنى نسبة.
ويتوقع خبراء اقتصاد زيادة النسب الرسمية مع تأزم الوضع المعيشي، ودخول شرائح كبيرة من المجتمع في دائرة الفقر، وانعدام فرص العمل، واضطرار خريجي الجامعات للعمل في مهن هامشية تملأ طرقات العاصمة الخرطوم.

ويقول الخبراء إن عدم توفر نسبة حقيقية وواضحة عن الفقر يشكّل هاجساً كبيراً لكل الجهات التي تسعى إلى وضع مشاريع حقيقية لمكافحة الفقر والحد منه، لا سيما أن تقسيم السكان بحسب درجة فقرهم مهم لتوجيه البرامج، التي تستهدف كل شريحة على حدة.

وأوضحوا أن المسح الإحصائي الذي أجري بالتعاون مع جهاز الإحصاء النرويجي ربما يكشف عن ارتفاع النسبة إلى مستويات قياسية، مستندين في ذلك إلى الوضع المعيشي المزري، عقب انفصال الجنوب وتدهور البنية التحتية وزيادة البطالة إلى أرقام مخيفة بين المواطنين.
وأرجع الخبير الاقتصادي، هيثم فتحي، في حديثه مع "العربي الجديد"، تزايد نسبة الفقر في السودان إلى سياسة التحرير التي اتخذتها الدولة منذ شهر فبراير/شباط من عام 1992 وأتبعتها ببرامج إصلاحية رفعت الدعم عن الضروريات بجانب الكوارث الطبيعية كالجفاف والتصحر والفيضانات بصورة متكررة، والحروب الأهلية والنزاعات الداخلية وعدم الاستقرار السياسي والأمني.
وقال فتحي إن تلك المؤشرات عملت على نزوح سكان الريف المنتجين إلى المدن، والمراكز الحضرية اصطدمت بالفساد المالي والإداري وغياب الشفافية والمسؤولية في ظل سياسات زراعية ترتبط بمشاكل الري، وارتفاع تكلفة الإنتاج، وتعثر المزارعين.
وأشار إلى الإحصائيات التي أجريت من قبل ديوان الزكاة، والتي أكدت أن الأسر الفقيرة بولاية الخرطوم وحدها تبلغ 240 ألف أسرة، إلا أنه يرى وجود كثير من الأسر في أطراف العاصمة لم تسجل ولا يصل إليها ديوان الزكاة مما يكشف عن وصول أعداد الأسر الفقيرة إلى ضعف هذا الرقم.
وحسب الخبير الاقتصادي، فإن السودان إلى الآن لم يدخل ضمن الدخل الأقل نموا أو متوسط النمو باعتبار أنه يقع ضمن دائرة الحرب الأهلية ويأتي في المرتبة الثانية للدول الفقيرة حسب البنك الدولي.
وقال إن السودان استطاع إحداث تغيير طفيف في الجانب الإنساني من حيث حصر معدلات الفقر والمشكلات المترتبة عليه كضعف مستويات التعليم والصحة.
وتوقع أن يتحول فقراء السودان من الفقر إلى دائرة الإنتاج، عقب رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية والاستقرار الأمني والسياسي المتوقع أن يعم البلاد قريبا.
وطالب بمراجعة هياكل الحكم الفيدرالي، لوجود اختلالات في أطر وهياكل الحكم الفيدرالي نتج عنها إهدار للمال العام.
وعملت الحكومة السودانية على محاربة الفقر من دون تحقيق أي تقدّم ملحوظ، لا سيما في ظل غياب الاستراتيجيات الدقيقة والمحكمة بعيدة المدى. وسعت إلى تطبيق العديد من البرامج والسياسات المسنودة بتشريعات برلمانية، كان آخرها، وثيقة الاستراتيجية المرحلية للتخفيف من حدة الفقر في السودان، كخطوة أولى في وضع نهج شامل ومنسّق للحدّ من الفقر.
ودعت الوثيقة إلى زيادة الاعتماد المرصود لمشاريع وبرامج الحد من الفقر، عبر الموازنة العامة للدولة والبحث عن قروض ميسرة عبر مؤسسات التمويل الدولية والاستثمارات، وتوسيع تجربة التعاونيات ووضع السياسات اللازمة للتعدين التقليدي وربط الطرق، وتخفيف تعرفة المواصلات وتفعيل مصادر مكافحة الفقر من الزكاة والضمان الاجتماعي وزيادة الرواتب ودعم الأسر ومكافحة الفساد، وإعداد إحصائيات للأسر الفقيرة ودعم الصندوق القومي لرعاية الطلاب وتنفيذ مجانية التعليم.
ولكن تمت مواجهة تلك الاستراتيجية بغضب شعبي جراء رفع الدعم عن المحروقات والسلع بسبب المعالجات الاقتصادية، التي لم تُطبّق بشكل صحيح، بجانب ضعف الصرف الحكومي على مشاريع الحد من الفقر.

المساهمون