مصر... قمع وغلاء في عيد العمال

مصر... قمع وغلاء في عيد العمال

30 ابريل 2017
الغلاء يزيد الضغوط المعيشية بشكل كبير (Getty)
+ الخط -
أي عيد يحتفي به عمال مصر، بينما أقواتهم مهددة وأفواههم مكممة.. كلمات تعبّر عن حال ملايين العمال، الذين يعتصرهم الغلاء، من دون أن يُسمح لهم برفع أصوات الغضب على تدني الأجور وتردي أوضاعهم المعيشية، في ظل تشديد القبضة الأمنية إزاءهم.

وعلى الرغم من أن هتافات "حد أدنى للأجور لمن يسكنون القبور.. وحد أقصى للأجور لساكني القصور"، ظلت الطبقات الكادحة ترددها حتى اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011، للمطالبة بـ"عيش وحرية وعدالة اجتماعية"، إلا أن القمع الذي يعيشه عمال مصر بدّد كل هذه الآمال.

وتفاقمت مشاكل العمال في العام الأخير، ولم يعد الحد الأدنى للأجور، والذي طالما أملوا فيه، مجدياً، في ظل غلاء متواصل يحرق أي زيادات في الأموال والرواتب.
وأعلنت الحكومة عن تطبيق الحد الأدنى للأجور، في يناير/ كانون الثاني 2014، بعد نحو ست سنوات من تحديده، إلا أنه لم يشمل سوى قطاعات عدة من مؤسسات الجهاز الإداري للدولة، والذي يضم قرابة ستة ملايين موظف، بينما لم يجر تطبيقه على العاملين في القطاع الخاص.

ويعمل 70% من العمال في القطاع الخاص، بما يعادل أكثر من 18 مليون عامل، في مقابل 30% يعملون بالقطاع الحكومي والعام.

ومع توالي القرارات الحكومية الصعبة التي طاولت محدودي الدخل والفقراء خلال السنوات الثلاث الأخيرة، لا سيما ما يتعلق بزيادة الأسعار وخفض الدعم وتعويم العملة المحلية (تحرير سعر الصرف)، أصبح الحد الأدنى للأجور، والذي تم تحديده في 2008، لا يعادل نحو ثلث قيمته الشرائية حالياً.

وتحدد الحد الأدنى للأجور في 2008 بنحو 1200 جنيه، ما يعادل حينها 207 دولارات، إلا أنه وفق أسعار الصرف حالياً لا يتجاوز 66 دولاراً، بينما كان عند تطبيقه على قطاعات من موظفي الدولة في 2014 يعادل 136 دولاراً.

يقول محمد وهب الله، نائب رئيس اتحاد عمال مصر، إن مطالب العمال لا تقف عند تحديد حد أدنى للأجور، المتوقف الحديث عنه منذ سنوات سواء من جانب الحكومة أو القطاع الخاص، فلا بد من تحسين أوضاع العمال بشكل حقيقي.

ويضيف وهب الله، لـ"العربي الجديد"، أن دور المجلس القومي للأجور غائب بل وأصبح عديم النفع، إذ لا ينظر للطبقة العظمى من قوة العمل، ولا بد من مطالبة رجال الأعمال بتحديد حد أدنى للأجور يكون مناسباً للظروف المعيشية الحالية ويحسن من قدرة العامل على الإنتاج.

ويعاني أغلب المصريين من ضغوط معيشية كبيرة، بعد أن شهدت أسعار السلع والخدمات قفزات متسارعة وغير مسبوقة، خلال الأشهر الأخيرة، لا سيما بعد تعويم الجنيه قبل نحو ستة أشهر.

وحرّر البنك المركزي المصري العملة المحلية بشكل كامل، في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، ليحدد العرض والطلب أسعارها بشكل يومي، من دون تدخل حكومي، لكن الجنيه تهاوى بنحو كبير منذ ذلك التاريخ.

وشهدت معدلات تضخم أسعار المستهلكين ارتفاعاً غير مسبوق، مسجلاً، وفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي، 32.5% بنهاية مارس/ آذار الماضي، وهي النسبة الأعلى منذ نحو 80 عاماً.

ويقول شعبان خليفة، رئيس نقابة العاملين بالقطاع الخاص، إن "قضية الحد الأدنى لأجور العاملين بالقطاع الخاص يجب أن تحسم بضغط حكومي، ولا يمكن السكوت عن وجود أجور متدنية للغاية بالمصانع المصرية، بدعوى قلة إنتاجية العامل، وهو ما يتحجج به رجال الأعمال عند الحديث عن زيادة الأجور ونسبة الأرباح للعمال والعلاوات الدورية والتشجيعية".

ويضيف خليفة لـ"العربي الجديد" أن العامل وقع فريسة للوضع الاقتصادي مرتين، موضحاً أن أغلب المصانع خفضت الورديات (الدوام) وساعات العمل، وتقليل الإنتاج، فضلاً عن تراجع القيمة الشرائية للجنيه وبالتالي تأثر العامل بالتضخم الكبير في الأسعار.

ويتابع "الحد الأدنى للأجور الرسمي أصبحت قيمته الشرائية لا تتعدى 400 جنيه، بسبب ارتفاع الأسعار، لذا يجب على الحكومة زيادته للموظفين بالجهاز الإداري للدولة، والضغط على القطاع الخاص لوضع حد أدنى لأجور العمال يناسب مستويات الأسعار الحالية".

ويشير إلى أن المجلس القومي للأجور التابع لوزارة التخطيط، والذي يضم أربعة ممثلين من النقابات واتحاد العمال، لم يجتمع منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 ولم يصدر قرارات إلزامية تخص الأجور.

ويقول "نطالب وزير التخطيط بصفته رئيساً للمجلس القومي للأجور بحد أدنى 3600 جنيه (200 دولار) وهو قريب من قيمة الـ 1200جنيه منذ ست سنوات، عندما ارتفع التضخم بشدة، وهو حد أدنى يكفل حياة كريمة للعامل وأسرته".

وبينما يغيب الدور الحكومي في إلزام القطاع الخاص بحد أدنى للأجور، يقول مسؤول كبير في وزارة المالية لـ"العربي الجديد"، إنه ليس لدى الحكومة أي نية لزيادة حد الأجور للموظفين بالجهاز الإداري للدولة.

ويضيف "الأجور تضخمت بصورة كبيرة رغم مساهمة قانون الخدمة المدنية الجديد في كبحها، والجهاز الإداري للدولة متضخم بالعمالة الذين يصل عددهم إلى 6.7 ملايين موظف، فيما حاجة العمل لا تستدعي سوى مليوني موظف".

ويشير إلى أن هناك إجراءات بديلة تجرى دراستها حالياً، لتقليل أثر تضخم الأسعار، منها صرف علاوة استثنائية للموظفين بالدولة، فضلاً عن اجتماع المجلس القومي للأجور مع أصحاب الأعمال لإقرار علاوة مماثلة للعاملين بالقطاع الخاص.

ويقول محمد فريد خميس، رئيس اتحاد المستثمرين، إن وضع حد أدنى للأجور قوبل بالرفض من بعض رجال الأعمال الذين رأوا قلة إنتاجية العامل، لكن الواقع يشير إلى تعرض العاملين للظلم ويجب وضع حد أدنى للأجور بما لا يقل عن ألفي جنيه (111 دولاراً).

ويأتي تلاشي الآمال في حد أدنى للعيش الكريم للعمال، مع تعاظم القبضة الأمنية للحيلولة دون غضبة عمالية على تردي الأوضاع الحالية. وطاولت عمليات اعتقال كوادر عمالية في مناطق عدة من البلاد قبل يوم من عيد العمال بعد تنظيم احتجاجات على سوء الأوضاع.

المساهمون