توقف واردات الغذاء يهدد اليمن بمجاعة

توقف واردات الغذاء يهدد اليمن بمجاعة

04 ابريل 2017
ارتفاع الأسعار نتيجة نقص السلع الغذائية بالأسواق (Getty)
+ الخط -
تتفاقم أزمة نقص المواد الغذائية مع كل طلعة شمس في اليمن، نتيجة توقف استيراد السلع منذ أكثر من خمسة أشهر، الأمر الذي يهدد بأزمة حادة ومجاعة تضرب مناطق مختلفة من البلد الذي يصنف بين الأفقر على مستوى المنطقة العربية والعالم.
وقالت مصادر إن ثمة اتصالات يمنية مع مؤسسات دولية وحكومات لتدارك الموقف، بعدما فشلت مساعي الحكومة في تأمين أية كميات من الغذاء، بسبب نقص العملة الصعبة اللازمة لعمليات الاستيراد.

صندوق للاستيراد
وكشفت المدير القطري للبنك الدولي باليمن، ساندرا بليمينكامب، لـ "العربي الجديد" عن خيارات يدرسها البنك لإنشاء صندوق مؤقت لتمويل التجارة يضمن استمرار توريد السلع الغذائية الأساسية إلى اليمن، مشيرة إلى أن المصرف المركزي اليمني غير قادر حالياً على أداء وظائفه الرئيسية لدعم الاقتصاد وتمويل الواردات الغذائية. وأكدت أن البنك الدولي سيدعم أي مبادرة يمكنها أن تستعيد جهازاً مصرفياً موحداً يخدم الاحتياجات الاقتصادية للشعب اليمني.
وأبدى البنك الدولي استعداده لتقديم مبلغ 150 مليون دولار كدعم للصندوق المؤقت وبغرض فتح اعتماد بالخارج لتجار واردات القمح والغذاء على ان يقوم التجار بتسديد قيمة الشحنات بالعملة المحلية بواسطة مصارف تجارية محلية.
وتوقفت واردات الغذاء إلى اليمن منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي نتيجة نقل نظام التحويلات المالية (سويفت) من مبنى فرع البنك المركزي بالعاصمة صنعاء الخاضعة لسلطة المتمردين الحوثيين إلى العاصمة المؤقتة عدن حيث مقر الحكومة المعترف بها دوليا.
وكان الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قرر منتصف سبتمبر/أيلول من العام الماضي، نقل المقر الرئيسي للبنك المركزي اليمني وإدارة عملياته إلى عدن بهدف تجفيف الموارد المالية للمتمردين الحوثيين.
لكن حتى قبل قرار نقله كان البنك المركزي قد توقف عن تقديم الضمانات للمستوردين، مما اضطرهم إلى تمويل الشحنات بأنفسهم لمدة ثلاثة أشهر، وفي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني أعلنت كبريات الشركات التجارية في اليمن، انها توقفت عن استيراد شحنات القمح والمواد الغذائية لأن البنوك المحلية عاجزة عن تحويل قيمة النقد الأجنبي لأي شحنات.

أزمة غذاء
وقال مسؤولون مصرفيون وخبراء اقتصاد إن توقف الواردات لمدة خمسة أشهر سينعكس في تفاقم أزمة الغذاء، لكن استمرار توقفها لشهر سادس يهدد بأزمة غذاء حقيقية وبانتشار المجاعة في مناطق مختلفة من البلاد.
وحذرت مؤسسة الإغاثة العالمية أوكسفام، في تقرير حديث، من أنه بناء على واردات الغذاء الحالية فإن اليمن سيخلو من الغذاء في غضون أشهر قليلة، قائلة إن اليمن يتضور جوعاً ببطء حتى الموت. وأكد مسؤول بالبنك المركزي اليمني لـ "العربي الجديد"، أن الحكومة الشرعية تجد صعوبة بالوقت الحاضر في تشغيل نظام التحويلات المالية وفي فتح الاعتمادات المستندية للشركات والتجار لتوريد السلع الأساسية نتيجة انعدام السيولة بالعملة الصعبة لدى البنك واستنزاف الاحتياطي النقدي الأجنبي بالخارج.
وأوضح المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن الحكومة تحاول الوصول إلى ما تبقى من الاحتياطيات الخارجية بالعملة الصعبة والمقدرة بحدود 700 مليون دولار موجودة في المصرف الفيدرالي الأميركي؛ حتى يتسنى لها فتح الاعتمادات المستندية للتجار مؤقتا لحين وصول وديعة نقدية بقيمة ملياري دولار تعهدت السعودية بتقديمها.
ويحتاج اليمن لمعونات عاجلة من دول الخليج وفي مقدمتها السعودية التي تقود تحالفا عربيا لدعم الحكومة الشرعية ضد الحوثيين، كما يحتاج إلى قروض من المؤسسات المالية الدولية وسط تفاقم المعاناة ونقص السلع وتوقف الواردات، بحسب تقارير لوزارة التخطيط اليمنية.

حصار "المركزي"
وحذر خبراء يمنيون من خطط البنك الدولي لإنشاء صندوق يهدف لتمويل التجارة وضمان استمرار واردات البلاد من الغذاء، مؤكدين أن هذه الخطة من شأنها تعطيل المصرف المركزي اليمني، وأن الحل يتمثل في دعم خارجي مباشر لرفد احتياطيات اليمن بالخارج.
واعتبر مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي (مستقل)، أن خطط البنك الدولي لإنشاء صندوق بهدف تمويل التجارة والواردات محاولة لإفراغ البنك المركزي من عمله، وبالتالي ستكون نتائجه كارثية على القطاع المصرفي والاقتصاد اليمني عموما.
وقال نصر لـ "العربي الجديد": "الحل في تفعيل أداء البنك المركزي وفتح خطوط ائتمانية لاستيراد السلع الأساسية، وليس من خلال تقديم تمويل مؤقت لتمويل التجارة خارج إطار الإدارة المصرفية للبلد المتمثّلة بالبنك المركزي اليمني، وأنا مع الضغط على البنك المركزي للقيام بدوره في إدارة السياسة النقدية، لكن أن يتم تغييبه هذا سيفتح الباب لتدمير القطاع المصرفي وسيدخل القطاع المصرفي كاملا في شبهات عدم الرقابة وغسل الأموال وتمويل الاٍرهاب".
وشدد نصر على ضرورة أن يستمر البنك المركزي باعتباره الكيان الذي يدير السياسة النقدية، مشيراً إلى أنه يمكن التفكير بتحسين إدارة البنك المركزي وتفعيل دوره بأي شكل من الأشكال، لكن تجاوزه والعمل بدون مظلة ستكون نتائجه كارثية.


تحديات السوق
وأكد فريق الإصلاحات الاقتصادية، في دراسة حديثة حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، أن القطاع الخاص اليمني يواجه تحديات كبيرة في توصيل السلع الأساسية الضرورية للمواطن بأقل كلفة نتيجة للمعوقات التي يواجهها في الموانئ البحرية والبرية والنقل وتوقف التحويلات عبر البنوك إلى الخارج.
وفريق الإصلاحات الاقتصادية كيان تشكل عام 2012 كمبادرة طوعية من قبل قادة القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني بالإضافة إلى خبراء اقتصاديين، ويخوض تقاشات مع البنك الدولي لوضع حلول لمشكلة القطاع المصرفي اليمني وتوقف الواردات.
وأوضح الفريق أن البنوك تعاني أزمة في الحصول علي السيولة النقدية الكافية وتحويل الأرصدة الجارية ونقل العملات الأجنبية لديه إلي الخارج وتغطية قيمة السلع الأساسية. وقال إن إشكاليات توصيل السلع الأساسية للمواطنين اليمنيين تتلخص في سببين رئيسيين أولها معوقات في الموانئ البحرية والبرية، وثانيا توقف التحويلات من اليمن إلى الخارج واللجوء إلى التعامل مع الصرافين بتكلفة عالية تضاف إلى أسعار تلك السلع.
وأشار الفريق إلى أن ميناء الحديدة لا يعمل بكفاءته التشغيلية الكاملة عقب الأضرار التي لحقت به نتيجة الصراع، فضلا عن تأخر تفريغ السفن ودخولها من الغاطس، وفرض السلطات الجمركية دفع الرسوم الجمركية نقداً، وإعادة فرض الرسوم الجمركية بطريقة غير قانونية على السلع المستورة عند دخولها أمانة العاصمة، وتضاعف تكلفة النقل. وقال إن مشكلة احتكار للنقل في ميناء عدن مما أدى إلى ارتفاع تكلفته بنسبة 400% تقريبا، إضافة إلى طلب دفع الرسوم الجمركية نقدا. أما ميناء المكلا فرغم تحسن استقباله للسلع إلا أن طاقته الاستيعابية ضعيفة إضافة إلى عدم التزامه بالرسوم الجمركية الموحدة في كافة المنافذ.
وطالب الفريق بدعم ميناء الحديدة لزيادة قدرته التشغيلية لاستقبال السلع الأساسية وإلغاء القرارات الخاصة بدفع الرسوم الجمركية نقداً وعدم إعادة فرض الرسوم الجمركية غير القانونية على السلع المستورة عند دخولها صنعاء، وإلغاء الجبايات غير القانونية التي يتم فرضها في المنافذ البرية وفي الطرقات بين المدن، ومخاطبة شركات الشحن الدولية لفتح خطوط ملاحية إلى الموانئ اليمنية.

تعثر المصارف
وبشأن توقف التحويلات من اليمن إلى الخارج، دعا الفريق إلى السماح بنقل العملات الأجنبية المكدسة لدي البنوك حيثما وجدت، خاصة في صنعاء إلى البنوك المراسلة في السعودية والبحرين وتسهيل نقل أرصدة البنوك بين المحافظات عن طريق الطيران لدفع المرتبات والوفاء بالتزامات البنوك نحو العملاء والمودعين.
كما طالب الفريق بتوفير السيولة للبنوك من الريال اليمني في جميع المحافظات لتتمكن من تسليم المرتبات والوفاء بالتزاماتها وتعزيز الثقة بالقطاع المصرفي وضمان أرصدة البنوك واستثماراتها لدي البنك المركزي للحفاظ علي سلامة القطاع المصرفي ومنع تعرضه لأي اهتزازات، وتحديد بنوك إقليمية لتنفيذ العمليات المصرفية الخارجية للبنوك اليمنية وتحويل مبالغ المساعدات الإنسانية عن طريق البنوك.
واعتبر القطاع الخاص اليمني ممثلاً في فريق الإصلاحات الاقتصادية، أن التباطؤ في حل تلك الإشكاليات التي يواجهها القطاع المصرفي سيعقّد عملية استيراد السلع الأساسية والضرورية من قبل القطاع الخاص كما سيؤدي لانهيار العملة الوطنية وزيادة معدلات التضخم ورفع تكاليف المعيشة، ناهيك عن نقل العمل المصرفي من القطاع المنظم عبر البنوك إلى القطاع غير المنظم الذي يصعب الرقابة عليه أو أخذ أي بيانات أو معلومات منه.

أزمة دولار
وبحسب وزارة التخطيط، فإن هناك صعوبة في توفير النقد الأجنبي اللازم لاستيراد السلع الغذائية الأساسية مما يفاقم أزمة الغذاء. وقالت الوزارة، في تقرير حديث، إن المصرف المركزي دأب على تمويل استيراد القمح والأرز والسكر والوقود بسعر الصرف الرسمي (214.9 ريال مقابل الدولار) خلال السنوات الماضية، ونتيجة شح النقد الأجنبي، اضطر المركزي إلى التوقف عن تمويل استيراد الوقود والسكر بسعر الصرف الرسمي.
وأشار التقرير إلى أن المصرف المركزي استمر في تمويل استيراد القمح والأرز، لكنه رفع سعر الصرف الرسمي لاستيراد السلعتين إلى 250 ريالا مقابل الدولار منذ بداية مايو/أيار 2016، بينما توجد صعوبة حالياً في مواصلة هذه السياسة بسبب تآكل الاحتياطيات الخارجية. وأضاف أنه نظراً لارتفاع أسعار الصرف في السوق الموازي إلى أكثر من 300 ريال للدولار الواحد، واعتماد اليمن على استيراد ما بين 90% و100% من احتياجاته من القمح والأرز على التوالي، فسيكون مزيد من السكان معرضين لانعدام الأمن الغذائي.
ودعت الوزارة إلى استئناف دعم المانحين لبرامج الحماية الاجتماعية والتخفيف من الفقر، بالإضافة إلى إزالة القيود أمام حركة التجارة الخارجية، خاصة استيراد الغذاء والوقود، وزيادة الدعم الإنساني للنازحين والمناطق الأكثر تأثراً بانعدام الأمن الغذائي.

المساهمون