بنوك روسية كبرى تودّع السوق الأوكرانية

بنوك روسية كبرى تودّع السوق الأوكرانية

03 ابريل 2017
متظاهرون أوكرانيون يغلقون أبواب سيبربنك بالإسمنت (فرانس برس)
+ الخط -
تحوّل الصراع السياسي بين موسكو وكييف إلى حلبة القطاع المالي، إذ بدأت بنوك روسية في الانسحاب من السوق الأوكراني هرباً من هجمات المتظاهرين التي تعرضت لها بعض فروعها والعقوبات التي فرضت عليها بمنعها من تحويل رؤوس الأموال إلى خارج أوكرانيا. 
ويشكل إعلان "سبيربنك"، أكبر بنك في روسيا، عن التوقيع على عقد بيع البنك التابع له في أوكرانيا والخروج من سوقها، نقطة انطلاق لإنهاء أكبر البنوك الروسية أعمالها في السوق الأوكرانية.
وبذلك تنتقل ملكية سبيربنك أوكرانيا إلى تحالف "نورفيك بنك" اللاتفي المملوك للمستثمر الروسي الذي يحمل الجنسية البريطانية، غريغوري غوسيلنيكوف (45%)، بالإضافة إلى 55% عبر شركة بيلاروسية إلى رجل الأعمال الروسي، سعيد غوتسيرييف، وهو نجل الملياردير الروسي، ميخائيل غوتسيرييف، ويحمل أيضا الجنسية البريطانية. وبعد موافقة البنك الوطني الأوكراني وانتقال الملكية، سيزاول المصرف عمله تحت اسم "نورفيك بنك".
وفي الوقت الذي لم يتم فيه الكشف رسمياً عن قيمة الصفقة، ذكرت صحيفة "كوميرسانت" الروسية أن قيمة بيع 100% من أسهم سبيربنك في أوكرانيا ستبلغ 130 مليون دولار، وهو رقم يقل بصورة طفيفة عن رأس مال المصرف في أوكرانيا (144 مليون دولار حسب التقارير عن الأشهر التسعة الأولى من عام 2016).
ونقلت الصحيفة عن مصادرها أن سبيربنك كان يتفاوض مع هذين المستثمرين منذ نهاية العام الماضي لبيع أصوله مقابل مبلغ أكبر، ولكن الوضع تغير كثيرا بعد تطبيق العقوبات، وفرض نشطاء قوميين متشددين حصارا على فروع المصرف في أعقاب إعلانه عن تقديم خدماته لحاملي وثائق هوية "جمهورية لوغانسك الشعبية" و"جمهورية دونيتسك الشعبية" المعلنتين من طرف واحد في منطقة دونباس الواقعة شرق أوكرانيا والموالية لروسيا.
ومن المنتظر ألا يكون سبيربنك البنك الروسي الوحيد الذي سينسحب من السوق الأوكرانية، إذ أعلنت مجموعة "في تي بي"، ثاني أكبر بنك في روسيا، عن تفاوضها مع تحالف أميركي - أوروبي ومستثمر أوكراني على بيع "بي أم بنك" المملوك لها في أوكرانيا، متوقعة إتمام الصفقة في مايو/أيار أو يونيو/حزيران من العام الجاري.
وفرضت كييف في 16 مارس/آذار الماضي عقوبات على 5 بنوك عاملة في أوكرانيا تابعة لبنوك روسية، بما في ذلك وحدات "سبيربنك". وتحظر العقوبات على الأشخاص المرتبطين بالبنوك المدرجة في قائمة العقوبات تحويل رؤوس الأموال خارج أوكرانيا لمدة عام كامل.
كما تعرضت أفرع سبيربنك في أوكرانيا لهجمات من متطرفين أوكرانيين، منذ بداية مارس/آذار، قاموا خلالها بتخريب ممتلكات البنك من أجهزة الصرف الآلية، مما أسفر عن توقف بعض الفروع عن العمل.
ومن جانبه، يتوقع رئيس اتحاد البنوك الروسية، غاريغين توسونيان، ألا يؤثر الخروج من أوكرانيا كثيرا على أوضاع البنوك الروسية، معتبرا أن أكبر الخاسرين هم العملاء الأوكرانيون والمنظومة البنكية الأوكرانية بشكل عام.
ويقول توسونيان، في حديثه لـ"العربي الجديد"، "كان الوضع المالي للبنوك الروسية في أوكرانيا مزريا بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة في هذا البلد، ومع ذلك كانت تضخ مليارات من أجل استمرار العمل".

وحول دوافع البنوك الروسية لحسم موقفها من مسألة الانسحاب، يضيف: "تعرضت فروع البنوك الروسية في أوكرانيا مرارا لهجمات الراديكاليين، مما كان يزيد من صعوبة عملها ويؤدي إلى شللها أحياناً. لكن قرار السلطات الأوكرانية تطبيق عقوبات بحقها ومنعها من تحويل رؤوس أموالها إلى الخارج جاء بمثابة النقطة الأخيرة. لأن ذلك يعني أن المصارف الروسية يمكنها ضخ مليارات، ولكن لا يمكنها استرداد أموالها وحتى القروض التي منحتها".
وفي ما يتعلق بتداعيات هذا التطور على الجانبين، يتابع "لن تتكبد البنوك الروسية خسائر فادحة، ولكن خسائر أوكرانيا ومواطنيها ورجال أعمالها ستكون كبيرة. كانت البنوك الروسية من اللاعبين الكبار في السوق الأوكرانية، وسيؤثر انسحابها على جودة الخدمات المقدمة وتوفرها".
وحسب التقارير عن عام 2016، كانت حصة أصول سبيربنك في أوكرانيا تبلغ 0.1 % فقط من إجمالي أصول أكبر مصرف روسي، مقابل 0.3 % حصة الأصول الأوكرانية لـ"في تي بي".
ويتمتع سبيربنك بعباءة مالية قوية، ودفع البنك الروسي، أرباحا لمساهميه عن عام 2016 تتجاوز قيمتها 200 مليار روبل ما يعادل نحو 3.46 مليارات دولار، وبلغت قيمة التوزيعات النقدية للبنك في عام 2015 نحو 44.5 مليار روبل أو 1.97 روبل لكل سهم، وهو أعلى بـ 4.4 مرات عن توزيعات عام 2014.
وفي الوقت الذي ينعكس فيه ربط الاقتصاد بالسياسة سلبا على المناخ الاستثماري لأي بلد، أعرب السكرتير الصحافي للرئيس الروسي، دميتري بيسكوف، عن قلق موسكو مما يجري، ووصف أوكرانيا بأنها بلد "عديم ضمانات الاستثمار".
وفي منتصف الشهر الماضي، وافق الرئيس الأوكراني، بيترو بوروشينكو، على مقترحات البنك الوطني الأوكراني بشأن فرض عقوبات على خمسة بنوك أوكرانية مملوكة لبنوك حكومية روسية، وهي "بروم إنفست بنك" و"في تي بي" و"بي إم بنك" (مجموعة "في تي بي") و"سبيربنك" و"في إس بنك" المملوك هو الآخر لـ"سبيربنك" والذي يعتزم المصرف الروسي التخلص منه قريبا أيضا. وفي الوقت نفسه، لم تطاول العقوبات بنكين آخرين يعملان في أوكرانيا ومملوكين للبنكين الروسيين الخاصين "روسكي ستاندارت" و"ألفا بنك".
وشملت العقوبات بحق البنوك الحكومية الروسية التي دخلت حيز التنفيذ في 23 مارس/آذار، "منع أي معاملات مالية لصالح المصارف الأم" دون المساس بمعاملات زبائنها داخل أوكرانيا.
ومنذ فبراير/شباط الماضي، دخلت موسكو وكييف في سلسلة من توترات سياسية واقتصادية بدأت باعتراف موسكو بشكل "مؤقت" بوثائق هوية وأوراق سكان منطقة دونباس التي تشهد مواجهة مسلحة غير مباشرة بين روسيا وأوكرانيا.
وبعد إعلان "سبيربنك" في 7 مارس/آذار عن تقديم خدماته لحاملي وثائق هوية "جمهورية دونيتسك" و"جمهورية لوغانسك" بجميع فروعه، أعلن وزير الداخلية الأوكراني، أرسين أفاكوف، أنه يتعين على سبيربنك أوكرانيا إنهاء عمله في البلاد، داعيا البنك الوطني الأوكراني إلى فرض عقوبات فورية بحقه.
وبالتزامن مع أزمة البنوك الروسية في أوكرانيا، عادت إلى الواجهة قضية الديون الأوكرانية المستحقة لروسيا بقيمة ثلاثة مليارات دولارات، والتي تعثرت كييف عن سدادها قبل أكثر من عام.
وأصدرت المحكمة العليا في لندن في 29 مارس/آذار، قرارا بإلزام أوكرانيا بسداد القيمة الاسمية للسندات الأوروبية (ثلاثة مليارات دولار) والفوائد المستحقة.
وفي الوقت الذي اعتبرت فيه وزارة المالية الروسية أن القرار "نهائي"، أعلنت كييف عن نيتها الطعن فيه لارتباطه بما يطلق عليه الخطاب الإعلامي والرسمي في أوكرانيا "ديون يانوكوفيتش"، وذلك في إشارة إلى أن روسيا منحتها للرئيس الموالي لها، فيكتور يانوكوفيتش، قبل هروبه، على سبيل "رشوة" مقابل عدوله عن التوقيع على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في نوفمبر/تشرين الثاني 2013.

المساهمون