انخفاض الدينار التونسي يزيد التهريب واكتناز العملات الأجنبية

انخفاض الدينار التونسي يزيد التهريب واكتناز العملات الأجنبية

29 ابريل 2017
المركزي يخشى الإقبال على العملات الأجنبية (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -




لا تعرف ظاهرة تهريب العملة في تونس تراجعاً منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011، حيث لا يمر أسبوع دون أن تكشف وحدات الجمارك عن عمليات تهريب العملة الأجنبية خارج الحدود، ما يشير إلى تغلغل شبكات التهريب في تونس وسيطرتها على النشاط الاقتصادي في المناطق الحدودية.

غير أن عدم استقرار أسواق الصرف في الفترة الأخيرة، في ظل تراجع الدينار التونسي، يثير قلقاً من زيادة عمليات خروج الأموال، وعدم اقتصارها على التهريب التقليدي، وإنما في شكل صفقات استيراد ومعاملات مصرفية.
وتكشف بيانات الجمارك عن عمليات تهريب نوعية، يعمد خلالها المهربون إلى استعمال العديد من الحيل لضمان عبور العملات نحو الأقطار المجاورة بأمان.


ويقول محمد صالح الجنادي، الخبير الاقتصادي، لـ"العربي الجديد"، إن السوق السوداء تنتعش زمن الأزمات، مشيرا إلى أن تراجع سعر الدينار سيزيد من ظاهرة تهريب العملة على الحدود، كما سيفاقم في كل الأنشطة الموازية.

ويشير الجنادي إلى أن هامش الربح الذي توفره الصرافة الموازية، مقارنة بالمصارف التجارية، يفاقم من ظاهرة تهريب العملة على الحدود، لافتا إلى أن أغلب العمليات الاقتصادية من تصدير وتوريد وصرافة على الحدود الجنوبية والغربية تتم في غفلة من الدولة، وهو ما أدى إلى توسع النشاط الموازي إلى أكثر من 55% من الاقتصاد.

ويعتبر أن قوانين الصرف الحالية تساهم في تفشي ظاهرة تهريب العملة، مؤكدا ضرورة مراجعة مجلة (قانون) الصرف لتكون ملائمة للظروف الاقتصادية الحالية، بما يحد من نزيف التهريب بمختلف أشكاله.

وبحسب الجنادي، فإن المهربين ساهموا بشكل كبير في تراجع سعر الدينار عقب تصريحات حكومية بالإقدام على تحرير سعر الصرف، مؤكدا أن ردة فعل السوق السوداء كانت أسرع من ردة فعل البورصة والمصارف التجارية، وهو ما أدى إلى الهبوط الحاد والسريع لسعر العملة.

وكانت وزيرة المالية، لمياء الزريبي، قد أعلنت قبل أيام، أن "البنك المركزي سيخفض الدينار تدريجياً، ولكنه لن يسمح بانزلاق كبير للعملة المحلية، مثلما حدث في مصر عندما جرى تعويم الجنيه".
وتراجع الدينار التونسي إلى أدنى مستوياته منذ سنوات أمام العملتين الأوروبية والأميركية، مسجلا الأسبوع الماضي 2.51 دينار مقابل الدولار، مقارنة مع 1.34 دينار مطلع 2011، كما هبط أمام اليورو من 1.93 دينار، إلى 2.69 دينار، بينما تتنامى المخاوف من هبوط أكبر خلال الأيام المقبلة.

ووسط قلق من عمليات تحويل الدينار إلى اليورو والدولار من جانب التونسيين، لا سيما من أصحاب المدخرات الذين يخشون تآكل أموالهم المودعة في البنوك في ظل ارتفاع تضخم الأسعار، أعلن البنك المركزي الأسبوع الماضي، رفع سعر الفائدة الرئيسي بنسبة 0.5%، لتبلغ للمدخرات 4%، وهي المرة الأولى التي ترفع فيها تونس سعر الفائدة منذ 3 سنوات.
وأكد البنك المركزي، في بيان، مواصلته المتابعة الدقيقة لتطورات الوضع الاقتصادي، ولا سيما الضغوط التضخمية، لاتخاذ الإجراءات الملائمة.

وقال المركزي إن قرار مراجعة نسبة الفائدة جاء تبعاً لضغوط متصاعدة جراء الإقبال المتزايد للمتعاملين على طلب العملات الأجنبية، الأمر الذي أدى إلى هبوط ملحوظ في قيمة الدينار خاصة إزاء الدولار واليورو.
وتمثل المناطق الحدودية، وفق محمد الهدار، رئيس جمعية الاقتصاديين التونسيين، بورصة حقيقية تعكس حجم النشاط الاقتصادي والتبادل المالي غير المنظم، مشيرا إلى حجم التعاملات المالية في منطقة بن قردان الحدودية يعد بعشرات الملايين يومياً.
ويقول الهدار لـ"العربي الجديد" إن منطقة بن قردان (جنوب) يوجد بها قطاع مصرفي مواز، حيث تشمل المنطقة نحو 60 محل صرافة تقدر تحويلاتها المالية غير القانونية من العملة الصعبة بحوالي 750 مليون دينار سنوياً (312 مليون دولار).

ويشير إلى أن المصارف التجارية تشهد بين الفترة والأخرى تقلصا في المدخرات من العملة الأجنبية، في حين لا تجد هذه الأزمات طريقها إلى السوق الموازية، التي يوجد فيها النقد الأجنبي بمختلف أصنافه باستمرار وبكميات كبيرة.

ويتابع أنّ لتجار العملة علاقات كبيرة بالمغتربين في الخارج أيضا ما يجعل جزءا كبيرا من التحويلات لا تدخل تونس عبر القطاع المصرفي، وذلك للاستفادة من فارق السعر بين السوقين الرسمية والسوداء.

ويحوّل التونسيون خارج البلاد سنوياً أكثر من 4 مليارات دينار (1.6 مليار دولار)، حسب إحصائيات رسمية. ويبلغ عدد التونسيين المقيمين في الخارج بشكل شرعي 1.2 مليون شخص، وفقاً لإحصائيات حكومية تعود إلى سنة 2012، وهو رقم لم يتطور كثيراً منذ التاريخ المذكور، بحسب مصدر في وزارة الخارجية في تصريحات سابقة لـ "العربي الجديد".