من وراء ارتفاع أسعار الأسماك في مصر؟

من وراء ارتفاع أسعار الأسماك في مصر؟

20 ابريل 2017
ارتفاع الأسعار لمستويات قياسية (فرانس برس)
+ الخط -
يشهد سوق الأسماك في مصر أزمة حقيقية وارتفاعا جنونيا وتضاعف أسعارها لأكثر من ثلاثة أضعاف، خاصة الأنواع الشعبية منها. ووصل سعر البلطي مثلاً إلى 40 جنيها لأول مرة في مصر (الدولار يساوي 18 جنيها)، والبوري 70 جنيها. 

وارتفع سعر سمك الشبار من 8 جنيهات إلى 28 جنيها، ولم تسلم الأنواع المستوردة من الغلاء رغم تدني جودتها وضعف إقبال المصريين عليها، فزادت من 7 جنيهات إلى 20 جنيها، ولم يعد السمك هو البديل الرخيص لمحدودي الدخل مقابل اللحوم أو الدواجن التي أصابها جنون الأسعار مبكرا.

ويبدو أن أزمة الأسعار مرشحة للتصاعد ولن تنفرج قريبا بعد تحذير نقيب الصيادين من وصول سعر البلطي إلى 100 جنيه خلال الأسابيع المقبلة، وحذر من شحه وغيابه من الأسواق. أما نقيب الصيادين بمدينة عزبة البرج التي يعمل أهلها بالصيد وتقع مقابل مدينة رأس البر عند نهاية نهر النيل مع مصبه بالبحر المتوسط، فيتوقع أن تستمر الأسعار مرتفعة حتى شهر مايو/ أيار القادم، مع مرور أيام وعد فيها المتحدث باسم وزارة الزراعة بتخفيضها دون جدوى.

"خلّوه يعفن"

أطلق النظام المصري حملة موسعة تبنتها جميع وسائل الإعلام المؤيدة له لمقاطعة الأسماك في 12 محافظة على مستوى الجمهورية بحجة مواجهة جشع التجار لخفض الأسعار تحت شعار "بلاها سمك.. خلوه يعفن"، بداية من يوم 1 حتى 10 إبريل/ نيسان الجاري، بهدف الضغط على التجار، بالرغم من مشاركة التجار أنفسهم في حملة المقاطعة لتبرئة أنفسهم من تهمة ارتفاع الأسعار.

وكتب أحد التجار لافتة عريضة على باب المحل المغلق تقول "نظراً لارتفاع أسعار الأسماك سوف نقاطع لمدة أسبوع"، وكذا نفى رئيس شعبة الأسماك بغرفة القاهرة التجارية مسؤولية التجار عن ارتفاع الأسعار وأنهم أصبحوا الشماعة التي يتم تعليق الأزمات عليها.

ويُلاحظ أن حملة النظام ركزت على 10 محافظات ساحلية منتجة للأسماك بصفة أساسية من إجمالي 12 محافظة استهدفتها الحملة، وهي الإسكندرية، الدقهلية، السويس، دمياط، كفر الشيخ، بورسعيد، البحر الأحمر، الإسماعيلية، البحيرة والفيوم، وأهملت باقي المحافظات غير المنتجة، ما يعني أن الحملة موجهة لضرب الإنتاج وليس معاقبة التجار.

ما يثبت براءة التجار ما قدمه نواب البرلمان من بيان عاجل ضد وزير الصناعة والتجارة ورئيس مجلس الوزراء بسبب تصدير الأسماك إلى خارج البلاد والذي تسبب في أزمة طاحنة للمواطنين وجعل تجار التجزئة يقومون بالإحجام عن شراء الأسماك وأغلقوا محالهم لغلو سعره وقيام المواطنين باتهامهم برفع الأسعار وطالبوا الحكومة لوقف تصدير الأسماك، بعد ارتفاع أسعارها الجنوني في السوق المحلي.

المقاطعة انتحار ذاتي

المقاطعة الاقتصادية سلاح شعبي رادع ومدمر في مواجهة الشركات المعادية والدول المسيئة بالامتناع عن شراء سلعها أو خدماتها اعتراضا على سياساتها، مثل ما حدث مع محلات سينسيبري وتسببت في مغادرتها القاهرة، ومقاطعة البضائع الدنماركية بعد نشرها الرسوم المسيئة للرسول عليه السلام، وحملات مقاطعة البضائع الإسرائيلية ومنتجات المستوطنات والشركات العالمية الداعمة لإسرائيل.

لكن مقاطعة الأسماك المحلية بسبب ارتفاع أسعارها دون البحث عن السبب الحقيقي ومعالجته، سواء تدمير الجيش للهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، وارتفاع أسعار الأعلاف، واختفاء الزريعة، فكأننا بهذه المقاطعة كمن يفقأ عينه بيده ويدمر صناعته الوطنية الناجحة.

وإذا خسر مربي الأسماك اليوم وخرج من حلقة الإنتاج واعتمدنا على الاستيراد من الخارج فعلينا في قادم الأيام أن ننتظر الأسوأ في ظل شح الدولار واحتكار المستوردين وفساد النظام وغياب حماية المستهلك.

تبنت وسائل الإعلام القومية والخاصة الموالية للنظام حملة موسعة بعنوان "بلاها لحمة" منتصف أغسطس العام الماضي، وكانت جميع مقالات الحملة تبدأ بعبارة شبه موحدة تقول "دشن العديد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي حملات لمناشدة المواطنين مقاطعة شراء اللحوم احتجاجا على جشع الجزارين".

الحملة كانت موجهة ضد اللحوم البلدية والمربي المصري فقط، بالرغم من أن نسبتها في السوق لا تتعدى 40% من حجم الاستهلاك، ومقاطعة هذا المربي دون خفض أسعار الأعلاف كان تدمير للثروة الحيوانية يصب في مصلحة محتكري اللحوم المستوردة وهي شركات تابعة لأجهزة سيادية، مثل ميدي تريد ومالتي تريد ووادي النيل، أو المجمدة، ويديرها لواءات سابقين، يستوردون 60% من استهلاك مصر، بل وتضاعفت أسعار اللحوم البلدية والمستوردة دون أن تعالج الدولة السبب الحقيقي لغلائها.

هل يصدّر الجيش الأسماك؟

مسؤولون وإعلاميون يغفلون، أو يتغافلون، عن تزامن الغلاء الجنوني للأسماك مع سيطرة الشركة الوطنية للاستزراع السمكي والأحياء المائية التابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، الذراع الاقتصادي للقوات المسلحة، على مشاريع الاستزراع السمكي، شرق مدينة بورسعيد، ومساحتها 23 ألف فدان وطرد المنتفعين منها، وكذلك المزرعة السمكية ببركة غليون بمحافظة كفر الشيخ، أكبر مزرعة سمكية في أفريقيا ومنع الصيد فيها، ومساحتها 26 ألف فدان.

الشركة الوطنية تسيطر كذلك على بحيرة البردويل أنقى بحيرات العالم وكذلك أسماكها، ومساحتها 165 ألف فدان، كما تسيطر أيضا على بحيرة البرلس ثاني أكبر البحيرات الشمالية ومساحتها نحو 108 آلاف فدان، ويعمل بها 40 ألف صياد، وتنتج 40% من انتاج مصر السمكي!، ووضعت الشركة يدها كذلك على بحيرة ناصر ثاني أكبر بحيرة صناعية عذبة في العالم، ومساحتها 1.2 مليون فدان ويعمل بها أكثر من 20 ألف صياد و30 ألف عامل بأسرهم، وانتاجها من أجود أنواع الأسماك في العالم.

والشركة تزاحم الصيادين في الصيد وتفرض رسوما مالية على كل كيلوغرام من الأسماك يتم صيده، وصلت إلى ثمانية جنيهات عن الكيلوغرام الواحد من أسماك البوري، و10 جنيهات عن أسماك الدينيس، ورسوما مماثلة على أسماك البلطي، تُسمى القرش السمكي، وهو ما يعتبره الصيادون إتاوات راكمت الديون عليهم.

رئيس شعبة الأسماك في الغرفة التجارية اعترف قيام مصدرين بتصدير الأسماك مباشرة من المزارع السمكية بالطائرات دون رقابة من الدولة، بعد تحرير سعر الصرف، وأن ارتفاع أسعار البلطى والبورى، بالذات، جاء نتيجة لتصديرها إلى الأردن والسعودية والكويت، حيث صرح لموقع فيتو، لكنه لم يذكر الجهة التي تقوم بالتصدير بعيدا عن رقابة الدولة، والسؤال هنا، من يملك هذه الإمكانات وذلك النفوذ في عموم مصر إلا الجيش المتحكم في الثروة السمكية وكل مصادر الثروة؟!

من بداية تدخلها في مشاريع الثروة السمكية، أعلنت القوات المسلحة عن بيع ناتج مشاريعها في السوق المحلية، وتصدير الفائض للخارج، وبحسب مصادر، فإن القوات المسلحة تجبر الصيادين على دفع رسوم على صيد الأسماك، وتقوم بتسويق أسماك بحيرة ناصر ونقلها بطائرات نقل عسكرية في رحلات روتينية من البحيرة إلى القاهرة.

القوات المسلحة أيضا تصدر أسماك بحيرة البردويل ذات السمعة العالمية للحصول على الدولار، وقد اعترف رئيس الشركة الوطنية للاستزراع السمكي، اللواء حمدي بدين، في أغسطس/ آب 2016، بأن بحيرة البردويل حصلت على رخصة التصدير إلى أسواق أوروبا والأسواق العربية في الوقت الذي تحرم فيه المصريين منه.

تكرار سيناريو لبن الأطفال

في سبتمبر/ أيلول الماضي، اختفى لبن الأطفال المدعم من الصيدليات، وصدر بيان عسكري على الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري باسم القوات المسلحة جاء فيه "تقوم القوات المسلحة انطلاقا من دورها في خدمة المجتمع المدني، بالتنسيق مع وزارة الصحة، بالتعاقد على نفس عبوات الألبان، ليصل سعر العبوة للمواطن إلى 30 جنيهاً بدلاً من 60 جنيهاً، أي بنسبة تخفيض 50%".

الرد على البيان جاء في تعليق من مواطن على نفس الصفحة قال فيه "المسؤول عن الألبان في مصر هي الشركة المصرية لتجارة الأدوية، أي أنها شركة حكومية، سعر علبة اللبن شريحتين دعم كلي وسعرها 4 جنيهات، ودعم جزئي وهذه الأكثر مبيعا وسعرها 17 جنيها، وبهذه الطريقة زاد السعر بنسبة 100% وليس تخفيض بنسبة 50%" كما قيل.

إذن الجيش يحاول فرض واقع جديد لأسعار الأسماك والتي بات المستثمر الرئيس فيها، ويمهد بتخفيض الأسعار الحالية بنسبة 50%، ليتمكن من البيع بزيادة بنسبة 100% عن أسعار ما قبل الغلاء كما حدث في لبن الأطفال.

تصريحات الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، يوم 4 إبريل/ نيسان الجاري أيضا تُمهد لذلك، حيث قال "أسماك مزارع القناة والمجرى الملاحي سوف تنال إعجاب المواطنين والمستهلكين، ولأن القناة ملك للشعب، لن نتأخر في طرح إنتاجها للمواطنين، ولكن على الأقل نحسب حجم الكلفة ونغطي مصاريف الإنتاج".

دلالات