السودان ينفتح على مصارف العالم عبر تحديث التشريعات

السودان ينفتح على مصارف العالم عبر تحديث التشريعات

07 مارس 2017
السودان يتأهب للانفتاح المالي على العالم (فرانس برس)
+ الخط -
يسعى السودان إلى الانفتاح على منظومة المال العالمية عبر اتخاذ تدابير أولية بتفعيل وتحديث قوانين مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب والامتثال الضريبي الأميركي، ويدرس المصرف المركزي عودة المعاملات مع مصارف عربية وعالمية مرة أخرى بعد سنوات من الانقطاع بسبب الحظر الاقتصادي الأميركي على البلاد قبل رفعه الفترة الماضية.
وبدأ المصرف المركزي في تكوين لجان متخصصة بالتنسيق مع المصارف التجارية، تضمن التزام الجهاز المصرفي بالقوانين المحلية والدولية ذات الصلة بالعمل المصرفي، للاستفادة من قرار رفع العقوبات الأميركية.
وتلقى السودان طلبات من مراسلي مصارف عربية، ومنها البركة والإثمار في البحرين، لعودة المعاملات معها، فيما قال محافظ مصرف السودان، حازم عبد القادر، في تصريحات صحافية أن المركزي خاطب كل المراسلين الجدد والقدامى لبناء علاقات مصرفية في ظل المتغيرات الجديدة.
ويؤكد خبراء اقتصاد لـ "العربي الجديد" أن خطوة المصرف المركزي نحو تحديث التشريعات، نواة لعودة السودان إلى التعامل المصرفي العالمي، وشدّدوا على أهمية الالتزام بشروط المؤسسات المالية الدولية لتحقيق تقدم في هذا الاتجاه خلال الفترة المقبلة.
الخبير المصرفي، طه حسين، يقول لـ "العربي الجديد" إن "المشكلة في التعامل المالي ليست في المصارف، بل تتعلق بجهات أخرى تحتاج إلى ضبط مالي للمؤسسات التي لها علاقة بالجهاز المصرفي، مثل الاتحادات والشركات التمويلية المختلفة.
ويتساءل حسين هل يستطيع المصرف المركزي السيطرة على الكتلة النقدية خارج الجهاز المصرفي؟ وهل هنالك حصر لها؟
واعتبر حسين أن تلك مؤشرات تحتاج إلى إعادة إصدار للعملات النقدية لحصرها واستحداث آليات لمكافحة غسل الأموال.
وطالب بضم قطاعات أخرى لحصرها وكشف غسل الأموال عبرها ومنها سجلات الأراضي.
أما وكيل أكاديمية السودان للعلوم المصرفية، علي خالد الفويل، فيقول لـ"العربي الجديد" إن "التطورات العالمية أوجدت معايير وقوانين دولية لتنظيم العمل المالي، ووضعت أسساً وقواعد حكيمة تحكم تلك المبادئ ومدى التطبيق لها أصبح هو القياس لفاعلية الدولة لتكون عضوا في المنظومة العالمية".
ويرى الفويل أن السودان يمتلك كل المعايير الدولية ولكن الوسائل التنفيذية غير متاحة بسبب الحظر الأميركي الطويل، الذي قطع العلاقات المصرفية لبلاده مع العالم فترات طويلة.
ويضيف الفويل أن "القوانين السودانية لا غبار عليها وتتماشى وفقا للمعايير العالمية"، نافيا وجود غسيل أموال بل حالات اشتباه فقط.
ومن جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي، هيثم فتحي، لـ "العربي الجديد"، أن السودان طرف أصيل لعدد من الاتفاقيات والمؤتمرات والمنظمات الدولية لمكافحة جرائم الإرهاب والجريمة المنظمة ومكافحة غسيل الأموال.
ويبين أنه منذ تسعينيات القرن الماضي شهد السودان اهتماماً متزايداً لظاهرتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتمثل ذلك في الاتجاه نحو الالتزام بالمعايير والمتطلبات الدولية، خاصة في ما يتعلق بتعزيز الدور الإشرافي والرقابي على المصارف والمؤسسات المالية وغير المالية، وقد وصل إلى ذروة التعاون الدولي مع المؤسسات المالية والدولية في مجال مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب عندما أصدر قانون مكافحة غسل الأموال لسنة 2003 وإنشاء اللجنة الإدارية لمكافحة جرائم غسيل الأموال.
وقررت مجموعة العمل الدولية في أكتوبر/تشرين الأول عام 2015 إزالة اسم السودان من قائمة الدول، التي لديها قصور في نظم مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
ويرى المصرف المركزي أن القرار يتيح للمصارف السودانية سهولة إجراء التحويلات المالية من وإلى السودان بدون قيود.
ووصف فتحي القرار بأنه يعتبر خطوة إيجابية في مجالات الأنشطة التجارية الخارجية لقطاعات الأعمال ويسهم بصورة كبيرة في تسهيل إجراءات التحويلات المالية الخارجية.
وانضم السودان في عام 2010 إلى عضوية مجموعة العمل المالي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي المجموعة الإقليمية المعنية بتطبيق توصيات مجموعة العمل المالي الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتي ألزمت الدول بوضع الأطر التشريعية والتنظيمية والآليات اللازمة مع إلزامها بعدم التعاون الاقتصادي والمالي مع الدول ذات المخاطر العليا.

وخضع السودان لعملية التقييم المشتركة في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 وعكس التقييم أوجه قصور عديدة في قانون 2010، مما استوجب إصدار قانون جديد يتواكب مع المعايير والمطلوبات الدولية.
وأكد برلمانيون أهمية تشريعات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لحماية السودان من الجرائم العابرة والمخدرات وغيرها.
وشدّد وزير الدولة في وزارة المالية، عبد الرحمن ضرار، في تصريحات صحافية سابقة، على أهمية القانون الذي يجعل السودان يخطو بنحو متقدم في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2013 أكدت المجموعة الدولية أن السودان لا بد أن يخاطب أوجه القصور الاستراتيجية في مكافحة غسيل الأموال، وأوردت أنها تشمل عدم التجريم الكافي للجريمة وعدم فاعلية وحدة الاستخبارات المالية والمؤسسات المالية المسؤولة عن تقديم التقارير عن التعاملات المشبوهة وعدم وجود برامج مراقبة فعالة.
وصادق البرلمان السوداني على مشروع قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لسنة 2014، بتوحيد التحريات والمعلومات المالية وغيرها من البنود والإجراءات.
وفي المقابل، يؤكد الخبير الاقتصادي، الفاتح عثمان، أن العودة لتعامل الحكومة مع الشبكة المصرفية العالمية بشكل كامل يحتاج إلى عام على الأقل، ويرجع ذلك إلى عدم جاهزية المصارف السودانية في التعامل مع الشبكة العالمية، حسب تعبيره.
ويقول الفاتح لـ "العربي الجديد" إن "فترة التوقف عن التعامل المصرفي العالمي أفقدت السودان فرصة وصفها بالتأهيل الفني، الذي يفتقده اليوم الذين يعملون في المصارف".
ويؤكد أن رفع العقوبات لا يعني سهولة التعامل مع الشبكة المصرفية العالمية، مشيراً إلى عدم امتلاك السودان الخبرة الفنية الجيدة، خاصة مع تطور الصناعة المصرفية في وقت انصرف فيه رجال الأعمال السودانيون إلى التعامل مع السوق السوداء بديلا للمصارف. وحسب الفاتح، فإن مصرف السودان المركزي غير جاهز ليحل محل السوق الموازية لتقنين انسياب حركة الصادر والوارد عبر شبكة المصارف، وهذا ينطبق على أموال المغتربين التي وجدت من السوق السوداء مفتاحا لتحويلاتهم.
ولكنه يدعو إلى أهمية التغيير في السياسات المالية والنقدية للاستفادة من رفع العقوبات.
وحسب إحصائيات غير رسمية، يعمل في السودان أكثر من 37 مصرفاً محلياً منها مصارف متخصصة وأخرى بشراكة سودانية عربية.
ويطمح السودان إلى جذب أموال وشركات أميركية للاستثمار في السودان، عبر تفعيل قانون الامتثال الضريبي الأميركي "فاتكا"، الذي يفرض الضريبة على المواطنين الأميركيين حسب بلد الإقامة.
ويفرض القانون عقوبات تصل إلى اقتطاع 30 % من الأموال المستثمرة في المصارف.
وكانت ورشة قد عقدت في الخرطوم مؤخرا أكدت أنه في حالة عدم تطبيق القانون، فإن المصارف السودانية ستواجه ضغوطات عالمية تصل إلى حد الإيقاف عن التعامل مع المصارف المحلية.
ويقول محافظ المصرف المركزي الأسبق، صابر محمد الحسن، في تصريحات صحافية سابقة إنه في حال عدم التعامل وتطبيق القانون، يتم تضييق الخناق على المصارف المحلية من خلال الضغط على المراسلين بعدم التعامل مع المصارف السودانية.
وأشار الخبير المصرفي ورئيس مديرية أصول المهنة وإدارة مخاطر الاحتيال لمجموعة مصرف بيبلوس، أنطوان داغر، في ندوة عقدت في الخرطوم مؤخراً، إلى أن القانون لا يوجه لدولة معينة وإنما للأميركيين في الولايات المتحدة وخارجها لدفع الضريبة ومنع التهرب، منوها لوجود التحديات العديدة، التي تواجه المصارف باعتبار أن لكل دولة تشريعاتها وقوانينها التي لا تتماشى مع القانون الأميركي.