شعوب الثورات العربية ضحايا صندوق النقد

شعوب الثورات العربية ضحايا صندوق النقد

06 مارس 2017
مشهد من إحياء ذكرى الثورة المصرية (فرانس برس)
+ الخط -

 

تونس، مصر، ليبيا، اليمن، وسورية. خمس دول عربية لفحها الربيع بثوراته التي انطلقت في العام 2011. بعض هذه الدول أسقط رؤساء وزعماء، إلا أن هيكل النظام بقي كما هو لينتج المزيد من الأزمات، والبعض الآخر دخل في صراعات لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.

صندوق النقد الدولي، وجد في هذه الدول المأزومة حقلاً جديداً لتجاربه المعادية لمصالح الناس الذين كانوا وقود الثورات العربية، والذين رفعوا شعارات منددة بالبطالة والفقر وانعدام العدالة الاجتماعية.

جاءهم صندوق النقد بإملاءاته "الإصلاحية"، ليتلقف التجاوب من قبل بعض الدول، وينتظر استواء ثماره في الدول الأخرى.

تونس تحت إمرة الصندوق

بلغ مجمل القروض المشروطة الممنوحة لتونس من صندوق النقد الدولي، خلال السنوات الثلاث الماضية، 4.6 مليارات دولار. ومنذ الإعلان، بتاريخ 13 مايو/أيار 2016، عن موافقة مجلس إدارة صندوق النقد الدولي على برنامج جديد للدعم المالي المشروط لتونس بقيمة 2.8 مليار دولار، تسارعت وتيرة الخطوات الحكوميّة الهادفة إلى تمرير القوانين والتشريعات المتوافقة مع "إصلاحات" الصندوق الموجعة.

ويشترط الصندوق هذه المرة خارطة طريق واضحة، من رفع الدعم، وخفض الوظائف، وخفض كتلة الأجور من 14% من الناتج الداخلي حالياً، إلى 12% حتى عام 2020.

ويقول وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، فاضل عبد الكافي، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي عاشتها تونس هي التي دفعت الحكومة إلى طلب مساعدة صندوق النقد الدولي، معتبراً أن تنفيذ إجراءات الصندوق دفعة واحدة تحتاج إلى شجاعة سياسية كبيرة. في المقابل، ينتقد خبراء الاقتصاد والمواطنون السياسات المفروضة، كونها تزيد من حدة الأزمات الاجتماعية في البلاد.

 

مصر.. القروض الموجعة

طوال سنوات، حافظت مصر على عدم الاتجاه للاقتراض الخارجي من المؤسسات المالية العالمية بسبب روشتتها الاقتصادية.

وخلال تاريخ مصر، لم تقترض البلاد من صندوق النقد الدولي سوى ثلاث مرات فقط، إحداها في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، ومرتين في عهد حسني مبارك.

وبعد الثورة المصرية، حضر صندوق النقد الدولي على مائدة الحكومات المتعاقبة أكثر من مرة، إلى أن وقّع نظام عبد الفتاح السيسي، العام الماضي، على اتفاق هو الأضخم في تاريخ مصر، يتيح للقاهرة اقتراض 12 مليار دولار من الصندوق لمدة 3 سنوات. على أن تخضع مصر لمراجعات مستمرة لتطبيق روشتة الصندوق الصعبة التي تقضي بتحرير الدعم، رفع الأسعار، زيادة الضرائب، التقشف، الخصخصة، وخفض الوظائف.

هكذا، امتثلت مصر للإملاءات، ورفعت بالفعل أسعار المحروقات والكهرباء، معلنة خطة زمنية للتحرير الكامل من قيود الدعم. واشتعلت الأسعار وزادت الضرائب، وتم تعويم العملة ليقفز سعر الدولار إلى نحو 20 جنيهاً قبل أن يتراجع إلى 16 جنيها مؤخرا. وبات الخروج من الأزمة الاقتصادية صعباً، بل إن تقريراً صدر عن الإدارة الأميركية مؤخراً توقّع إفلاس مصر.

 

الصندوق والحرب اليمنية

مطلع عام 2014، أعلن صندوق النقد الدولي موافقته على منح اليمن قرضاً بقيمة نصف مليار دولار مشروطة بتنفيذ إجراءات أبرزها رفع الدعم عن الوقود. وهو القرار الذي اتخذته الحكومة واستغلته جماعة المتمردين الحوثيين لتنفيذ احتجاجات للمطالبة بإلغاء القرار مع فرض حصار مسلح على العاصمة اليمنية صنعاء.

وتحت ضغط الحوثيين ألغت الحكومة جزءاً كبيراً من الزيادة في أسعار الوقود بعد أسابيع من سريانها. وأعلنت عن تشكيل حكومة بالشراكة مع الحوثيين، وعقب ذلك سلم الصندوق للحكومة الجديدة 37 مليون دولار دفعة من القرض. لكن الحوثيين نفذوا انقلاباً على الرئيس عبد ربه منصور هادي، فجمّد صندوق النقد بقية القرض.

ويؤكد رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر، لـ "العربي الجديد": "أبرز المآخذ على صندوق النقد الدولي هو اهتمامه بإصلاح السياسات النقدية والمالية من دون الالتفات إلى تأثيرها على الفقراء". ويعتبر نصر أن صندوق النقد لم ينجح في تحسين الاقتصاد اليمني، بل تؤكد المؤشرات الاقتصادية تزايد حدة الفقر والتدهور الاقتصادي.

 

سورية: الاحتكار أولوية

لم تقع سورية في فخ إغراءات صندوق النقد الدولي، لاعتبارات يراها مختصون تتعلق بقلة المديونية الخارجية لسورية، ولأن النظام السياسي في سورية لم يشأ كشف الاقتصاد وموارده أمام المؤسسات الدولية، ليبقى محتكراً الموارد لما فيها من مصالح السلطة الحاكمة ومن يدور في فلكها.

ويقول الدكتور في جامعة ماردين التركية، عبد الناصر الجاسم، لـ "العربي الجديد"، إن ما تعانيه سورية اليوم، من مديونية خارجية وعجز في الموازنة، قد يفرض على نظام بشار الأسد التوجه إلى الصندوق الدولي، كي يضمن تمويلاً يمكّنه من الاستمرار حتى سداد الديون على الأقل.

ويرى الدكتور عماد الدين المصبح، أن الأزمة الاقتصادية الضخمة في سورية ستجبر نظام بشار الأسد على التوجه لصندوق النقد، الذي يغازل سورية من خلال استعراض أرقام الخسائر واقتراح الحلول. وقال مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، مسعود أحمد، العام الماضي، إن "الصندوق يمكن أن يساعد في جهود إعادة إعمار سورية بعد استقرار الأوضاع".

 

ليبيا: استشارات دون أموال

تعاني ليبيا من أزمة اقتصادية خانقة بسبب تراجع الإنتاج الحالي من النفط إلى أقل من 700 ألف برميل يومياً، مقارنة بنحو 1.6 مليون برميل قبل اندلاع الثورة عام 2011. ولكن محافظ مصرف ليبيا المركزي السابق، أحمد المنيسي، يقول لـ "العربي الجديد" إن ليبيا دولة غنية ولا تحتاج إلى صندوق النقد الدولي، ولكنها تحتاج الاستشارات الفنية. ويبين أن ما يقدمه الصندوق عبارة عن سياسات اقتصادية عامة، منها على سبيل المثال إلغاء سياسة الدعم السلعي الذي لم تسر به ليبيا في السابق.

 
(شارك في التقرير: فرح سليم، جيهان عبدالغني، فاروق الكمالي، عدنان عبد الرزاق، أحمد الخميسي)