قرارات منتصف الليل

قرارات منتصف الليل

27 فبراير 2017
تراجع حاد في إيرادات وأعدا السياح (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

في مصر هناك قرارات باتت تخرج في جنح الظلام وخلال ساعات منتصف الليل، ثم يتم إلغاؤها في جنح الظلام أيضاً، ولا يعرف أحد لماذا تم إقرارها أصلاً، ولماذا تم إلغاؤها بعد ذلك، بل وأحيانا لا يعرف أحد ما الجهة التي تقف وراء إصدار مثل هذه القرارات المربكة والمتناقضة في آنٍ واحد، وما الجهة التي قررت تجميد العمل بالقرارات الصادرة بشكل مفاجئ بعد اكتشاف تداعياتها الخطيرة، خاصة على المشهد الاقتصادي.

وأحدث مثال على ذلك قرار الحكومة الخاص بزيادة رسوم تأشيرة السياحة أو دخول البلاد بنسبة 140% دفعة واحدة، لترتفع من 25 دولاراً إلى 60 دولاراً للدخول مرة واحدة، و70 دولاراً للتأشيرة متعددة الدخول، وهو الأمر الذي أثار موجة غضب واستياء شديدا وسط العاملين في قطاع السياحة والسفر، خاصة أن هذه الرسوم تتسبب في زيادة تكلفة إقامة السائح داخل البلاد، كما ترفع سعر تذاكر الطيران، وهو ما يزيد متاعب القطاع الذي يعاني أصلا من متاعب لا حصر لها بداية من الإرهاب في سيناء ونهاية بتوقف العديد من دول العالم عن ارسال سياحها لمصر.

كما لم تعط الحكومة شركات السياحة الفرصة، أو بعض الوقت، لتوفيق أوضاعها وإبلاغ شركات السياحة والسفر العالمية بزيادة رسوم التأشيرة بنسبة 140%، بل وأعلنت الحكومة تطبيق القرار على الفور، حيث خرج علينا مصدر أمني في مطار القاهرة الدولي ليعلن بدء تطبيق القرار من مطلع مارس/آذار المقبل، أي بعد أيام قليلة من صدوره لا تتجاوز الأسبوع.

والملفت في الأمر أن القرار الحكومي الخاص بزيادة رسوم التأشيرة للسياح القادمين لمصر صاحبه تطوران خطيران، الأول هو القرار الروسي  الخاص بتأجيل عودة سيّاحها لمصر والبالغ عددهم مليون سائح سنوياُ، وهو القرار المطبق منذ حادث إسقاط طائرة ركاب روسية فوق سيناء في نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول 2015، وهذا الكلام جاء على لسان وزير النقل الروسي، مكسيم سوكولوف، الذي استبعد قبل أيام قليلة عودة قريبة للرحلات الجوية بين بلاده ومصر.

كما أن هذا الكلام يتناقض بالطبع مع تصريحات مسؤولين مصريين عن قرب التوصل إلى اتفاق مع موسكو لاستئناف رحلات الطيران، بعد نحو عام ونصف العام من تعليق الرحلات.

أما التطور الثاني، فقد تمثل في رفض بريطانيا استئناف رحلاتها الجوية إلى منتجع شرم الشيخ، لتواصل بذلك قرارها المطبق منذ نهاية 2015 بوقف رحلات الطيران منذ إسقاط تنظيم (داعش) طائرة الركاب الروسية فوق شبه جزيرة سيناء.

كلنا نعلم الحالة الكارثية التي وصل إليها قطاع السياحة المصري الذي يعاني من مشاكل حادة أدت إلى تراجع إيراداته في العام الماضي لنحو 3.4 مليارات دولار مقابل ما يزيد عن 12 مليار دولار قبل ثورة 25 يناير 2011، وبانخفاض 44.3 % عن إيرادات عام 2015، وبالتالي فإن القطاع بحاجة لحوافز تعيد له نشاطه وحيويته وإيراداته، ولا أظن أن قرار زيادة رسوم التأشيرة في هذا التوقيت الحرج يدعم هذا الاتجاه.

صحيح أن الحكومة سارعت وتراجعت عن تطبيق القرار بعد إعلانه بساعات، لكن بعد أن أربك شركات السياحة والسفر المحلية والعالمية، ومعها أربك السياح أنفسهم الذين ربما لم يكن بعضهم مستعداً لهذه المصروفات الإضافية.

السؤال: ألا توجد جهة في مصر تنسق بين المؤسسات المختلفة قبل إصدار مثل هذه القرارات الخطيرة، بحيث تستطلع رأي جميع الأطراف قبل إصدار هذه القرارات التي قد تسئ إلى الصورة الذهنية للبلاد في الخارج، وتتعرف هذه الجهة على سلبيات وإيجابيات القرارات الصادرة عن الحكومة والوزارات، جهة تقول إن القرارات الصادرة في منتصف الليل ومن داخل غرف مغلقة لها تأثيرات خطيرة على قطاعات حساسة مثل السياحة، وأن وجهة نظر قاصرة من قبل مسؤول حكومي قد تضيع على البلاد مليارات الدولارات.


المساهمون