لغز اعتقال صبيح المصري

لغز اعتقال صبيح المصري

17 ديسمبر 2017
أفرجت السعودية عن رجل الأعمال صبيح المصري (Getty)
+ الخط -

يبدو أن السلطات السعودية تكرر نفس سيناريو رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، مع صبيح المصري، رجل الأعمال الأردني، سعودي الجنسية، الذي اعتقلته خلال زيارة عمل له في الرياض منتصف الأسبوع الماضي، وكانت هذه السلطات قد احتجزت الحريري منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وأفرجت عنه بعد وساطات وضغوط دولية عدة منها وساطة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وإذا كان الحريري قد تم احتجازه في العاصمة السعودية وإرغامه، كما تردد، على تقديم استقالته من منصبه كرئيس لوزراء لبنان من مبدأ المناكفة السياسية والضغط على حزب الله وإيران، فإن السيناريو ربما يتكرر مع المصري أيضا، حيث قيل إن السعودية تستخدمه كورقة ضغط على الملك الأردني عبد الله بن الحسين، في قضية القدس، وارسال رسالة مفادها اعتراض الرياض على مشاركة الملك عبد الله في قمة إسطنبول لمنظمة المؤتمر الإسلامي، بخلاف رغبة السعودية، خاصة أن القمة رفضت قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، كما قررت بالإجماع الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة فلسطين.

ويدلل أصحاب هذا الرأي، على ما ذهبوا إليه بارتباط صبيح المصري بعلاقة قوية مع الملك عبدالله الثاني، ونظرة لدور الملياردير القوي في خدمة الاقتصاد الأردني، كما أن الرياض تضغط على الملياردير الأردني اقتصاديا حيث أن احتجازه يمكن أن يؤثر سلباً على إمبراطوريته الاقتصادية سواء في الأردن أو في السعودية أو في المنطقة، ويؤثر كذلك على أكبر مؤسسة مالية مصرفية يترأس المصري مجلس إدارتها هي البنك العربي.

وإذا كان احتجاز الحريري قد أثار ضجة قوية في الأوساط السياسية والاقتصادية اللبنانية والعالمية، فإن احتجاز صبيح المصري قد يثير نفس الضجة، لكن على المستوى الاقتصادي والمصرفي والمالي، فالملياردير فلسطيني الأصل، واحد من أكبر أثرياء العرب، وهو مؤسس مجموعة أسترا السعودية، التي لها مصالح واسعة في صناعات متنوعة ما بين الصناعة الزراعية والاتصالات والبناء والتعدين عبر المنطقة.

والأكثر حساسية هنا، هو أن المصري يترأس مجلس إدارة البنك العربي الأردني الذي له رمزية تاريخية عند العرب، إذ أسسته عائلة شومان الفلسطينية في القدس عام 1930، وانتُخب الرجل رئيسا لمجلس إدارة البنك في العام 2012 بعد استقالة عبد الحميد شومان.

والبنك العربي هو واحد من أكبر البنوك العربية من حيث الربحية والأصول والحجم والانتشار، ولديه تواجد قوي على الساحة المصرفية العالمية، بما فيها عواصم أوروبية وعربية عدة، وبالتالي عندما تعتقل الرياض رئيس بنك بهذا الحجم دون إبداء أسباب واضحة ومعلنة، فإن هذا قد يؤثر سلبا على الكيان المالي، أو على الأقل يثير تساؤلات بين المتعاملين مع البنك سواء مدخرين أو مستثمرين.

والمصري كذلك هو أكبر مستثمر في الأراضي الفلسطينية حيث يملك حصة كبيرة في شركة الاتصالات الفلسطينية، أكبر شركات القطاع الخاص في الضفة الغربية، وتعتبر عائلته من أغنى العائلات الفلسطينية وتملك حصة الأغلبية في شركات عقارية وفنادق وشركات اتصالات تأسست في الأراضي الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو مع إسرائيل عام 1993.

ومن هنا، فإن اعتقال الرجل يثير علامات استفهام على الأقل داخل إمبراطوريته الاقتصادية والمالية، خاصة العاملة داخل الأردن وبريطانيا والخليج والأراضي الفلسطينية.

كما أن اعتقال المصري قد يلقي بظلاله على مناخ الاستثمار في السعودية أيضا، فاستثمارات الملياردير الفلسطيني في المملكة تقدر بحوالى 10 مليارات دولار، وجميعها في القطاع الخاص ومعظم استثماراته في القطاع الزراعي، حيث يمتلك شركة أسترا الزراعية المعروفة، ولديه أراض زراعية شاسعة في مدينة تبوك، ويتم من خلال الإمبراطورية الزراعية تزويد السوق السعودية بجزء كبير من احتياجاتها من المواد الغذائية.

كما قام في سنوات سابقة بتزويد القوات السعودية بالطعام خلال العملية العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة خلال حرب الخليج عام 1991 لاستعادة الكويت بعد غزو العراق لها، وبالتالي يبقى السؤال: لماذا تم اعتقال الرجل خاصة أنه ليست لديه أية استثمارات في القطاع الحكومي؟

لا أحد ضد مكافحة الفساد وملاحقة مرتكبيه، لكن في المقابل مطلوب شيء من الشفافية في التعامل مع قضية اعتقال شخصية اقتصادية في وزن صبيح المصري، حتى لا يتم فتح باب القيل والقال والتخمين داخل الأوساط المالية والاقتصادية، وهو ما قد يؤثر سلبا على إمبراطورية الرجل الاقتصادية التي تقدر بمليارات الدولارات، ليس هذا فحسب بل داخل الأوساط الاستثمارية والمالية داخل السعودية والأردن وفلسطين.

لتقل لنا السلطات السعودية: لماذا تم اعتقال صبيح المصري، وإذا كان الملياردير الفلسطيني قد ارتكب جرائم فساد، فما هي نوعية هذه الجرائم المالية؟ فالشركات والبنوك التي يديرها المصري ليست مملوكة بالكامل للرجل.

وعلى سبيل المثال فإن مساهمة رجل الأعمال في البنك الأردني تبلغ 5% فقط، في حين تتوزع الحصة الباقية بين مستثمرين أردنيين وعرب وأجانب، منهم مؤسسات حكومية مثل مؤسسة الضمان الاجتماعي الأردنية التي تمتلك قرابة 18%، وبالتالي من حق كل هؤلاء الاطمئنان إلى نزاهة الرجل المسؤول عن إدارة أموالهم وطهارة ذمته المالية، ويتكرر الحال في الامبراطورية الاقتصادية التي يديرها صبيح المصري.

مطلوب توافر الحد الأدنى من الشفافية في مثل هذه القضايا حتى لا تضرب أسواق المال أخماسا في أسداس، بحثا عن معلومة تفك لغز اعتقال شخصية بحجم الملياردير صبيح المصري. 

المساهمون