البيتكوين وزهرة التيوليب

البيتكوين وزهرة التيوليب

12 ديسمبر 2017
مخاوف من حدوث فقاعة على البيتكوين(GETTY)
+ الخط -

بدأت يوم الأحد الماضي التعاملات على عملة البيتكوين في سوق العقود المستقبلية ببورصة شيكاغو لعقود الخيارات، إحدى أكبر البورصات في العالم، فيما يُعد علامة فاصلة في تاريخ العملة المشفرة التي ظهرت منذ سنوات معدودة، وشهدت طفرة رهيبة في سعرها، خاصة في العام الحالي 2017، حيث ارتفع سعرها من أقل من ألف دولار، حتى وصل إلى حوالي 18 ألف دولار، وقت كتابة هذه السطور، وهو ما يعني تحقيق صافي ربح يقدر بحوالي 1700% في عام واحد فقط.

وطرحت البيتكوين - كواحدة مما يطلق عليه عملات مشفرة أو رقمية - في أعقاب الأزمة المالية عام 2008، كوسيلة لتجنب رقابة الحكومات والبنوك المركزية. وكان أول من قدمها للعالم، رجل يصفه محرك البحث الشهير "جوجل" بأنه "شخص غير معروف"، يقول إن اسمه ساتوشي ناكاموتو.

لكن تزايد إقبال المستثمرين أصحاب الشهية المرتفعة للمخاطر، بالإضافة إلى تزايد عدد الجهات الرقابية التي تعترف بها في البلدان المختلفة، أديا معاً إلى ارتفاع قيمة العملة بصورة كبيرة، حتى أصبحت واحدة من أكبر الفقاعات في التاريخ. وعلى عكس العملات التقليدية، لا توجد جهة أو سلطة تنظم إصدار تلك العملات، ومنها البيتكوين، وهي مصنوعة بواسطة أجهزة كمبيوتر تقوم بحل مجموعة من المسائل الرياضية المعقدة، عن طريق تكنولوجيا يطلق عليها البلوكتشين Blockchain.

ولم تكن فقاعة البيتكوين أول فقاعة في التاريخ، فقبل أربعمائة عامٍ تقريباً، ظهرت في هولندا فقاعة زهرة التيوليب، حيث أقبل المستثمرون عليها بصورة كبيرة، حتى وصل سعرها إلى أكثر من 2500 جيلدر، وهو ما كان يفوق تكلفة شراء منزل في هذا الوقت في أمستردام، وكانت هناك سوق كبيرة للتعامل على الزهرة، وعقود آنية ومستقبلية، ومزادات ومضاربات بملايين الجيلدرات. لكن فجأة، لم يجد المضاربون سبباً منطقياً لذلك الارتفاع، فتوقفوا عن الشراء، وخلت المقاعد في المزادات المخصصة لبيع الزهرة الشهيرة، فانهار سعرها، ولو كان الجيلدر الهولندي متداولاً (حل اليورو محله في هولندا)، لما زاد سعرها الآن عن عشرين جيلدر.



بعد ذلك، شهد العالم العديد من الفقاعات، وكان أشهرها فقاعة الإنترنت في تسعينيات القرن الماضي، حيث ساد هوس بكل ما له علاقة بأسهم شركات الإنترنت (ويطلق عليه دوت كوم)، والتي ما لبثت أن انفجرت، وأحرقت معها ما يزيد عن خمسة تريليونات من الدولارات من القيمة السوقية للشركات في الفترة من سنة 2000-2002.

أما العملة المشفرة، فقد شهدت تذبذبات كبيرة في سعرها، وبرغم الارتفاع الشديد في قيمتها، فقد كانت هناك بعض الأيام التي شهدت انخفاضات مروعة في سعرها. ففي أحد الأيام في شهر نوفمبر 2017، فقدت العملة حوالي 20% من قيمتها في دقائق معدودة، وفي يوم آخر في شهر ديسمبر الجاري، فقدت العملة أكثر من 30% من قيمتها في ساعات قليلة، ومع ذلك عاودت العملة الارتفاع ووصلت إلى مستويات تاريخية.

ولما كان عدد الدول المتقبلة لتعامل مواطنيها في العملة المشفرة آخذاً في ازدياد، فقد ظهرت تشريعات داخل كل دولة تنظم التعامل فيها، وبعد أن حظرتها الصين، التي كانت تستحوذ على أكثر من ربع التعاملات العالمية، عادت ورفعت الحظر وسمحت لمواطنيها بالتعامل فيها بقواعد وشروط.

أما الحكومة اليابانية فقد رحبت بالتعامل في البيتكوين، ووضعت لوائح تنظم التعامل بها. كما سعت الهند والسويد إلى خلق عملات مشفرة خاصة بهما. وفي الولايات المتحدة الأميركية، أعلن مجلس الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" أنه يدرس أسواق عملة البتكوين والتكنولوجيا التي تقوم عليها، وأنه ربما يتجه لإصدار عملته المشفرة الخاصة به، كما قامت بعض البورصات التي تتعامل في منتجات المشتقات في الولايات المتحدة الأميركية بالحصول على الموافقة لإدراج البيتكوين ضمن المنتجات التي يتم التعامل فيها، وبدأ التعامل بالفعل في بعضها، وتستعد بورصات أخرى لبدء التعامل قريباً.

لكن في مصر، لم نسمع أية تصريحات جادة لمسؤولين عن السياسة النقدية أو البورصة وسوق المال عن البيتكوين أو غيرها من العملات المشفرة، ولم أعرف بأي خطوات اتخذت لتقنين/حظر التعامل فيها، على الرغم من شغف الشعب المصري المعروف بالكسب السريع والتنظيمات الهرمية، وتشهد علينا أزمات شركات توظيف الأموال التي شهدناها في الثمانينيات من القرن الماضي، وأغلبنا سمع بالنكتة المصرية التي تتحدث عن أحد المواطنين الذي علم بالمكاسب التي يحصل عليها المودعون في تلك الشركات، فأتى بمدخراته كلها، وحضر من مدينته البعيدة لمقابلة أحد أقطاب تلك الشركات، فلما سأل عليه وعرف أنه سُجِن، ذهب إليه في السجن وأعطاه أمواله ليستثمرها له!

أدرك جيداً أن الحكومة المصرية لديها من المهام في الوقت الحالي ما يحول بينها وبين الاهتمام بقضايا كتلك، كما أدرك أن الوقت ربما يكون مبكراً لأن تقرر الحكومة إذا ما كانت ستسمح بتداول تلك العملات أم لا، لكن يتعين على الحكومة أن تدرك أن بعض المصريين قد بدأ بالفعل التعامل على العملات المشفرة، وأن العدد سيأخذ في ازدياد، بما يستدعي البدء في إصدار التشريعات التي تنظم التعامل بها فوراً، وربما تكون البداية بفرض ضرائب تتراوح بين 25%-35% على الأرباح الرأسمالية المحققة من المتاجرة في هذه العملات، لتساعد في سد العجز المتزايد في ميزانية الدولة.

الشعب المصري أعطى أمواله للسعد والريان وغيرهما من شركات توظيف الأموال، على الرغم من تزايد التحذيرات وقتها، وساعد في تحرير الكويت، ثم اشترى عملتها لتوقعه ارتفاع قيمتها، وتعاطف مع صدام، ثم اشترى كثير من أفراده، ومنهم نواب في البرلمان ووزراء، الدينار العراقي للمضاربة عليه، وفي كل الحالات السابقة لم يجد من يحنو عليه، وخسر الكثير مما يملك. هذا الشعب يستحق أن يجد من ينظم تعامله في العملات المشفرة، وذلك قبل أن تقع الفأس في الرأس، وتضاف البيتكوين لقائمة المتآمرين عليه.


المساهمون