حصار خانق لليمن: حجب الواردات يهدد بكارثة معيشية

حصار خانق لليمن: حجب الواردات يهدد بكارثة معيشية

08 نوفمبر 2017
أزمات معيشية متفاقمة منذ أكثر من عامين ونصف(عبدالناصر الصادق/الأناضول)
+ الخط -

 

أصبح المواطنون اليمنيون رهائن من جديد، لحصار خانق تفرضه قوات التحالف العسكري بقيادة السعودية، بعد إغلاق جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية، رغم تعالي التحذيرات الدولية من حدوث كارثة في البلد الذي يعيش بالأساس أكثر من ربع سكانه في ظروف شبيهة بالمجاعة، وفق تأكيدات الأمم المتحدة.

وتوقفت حركة الواردات والمساعدات منذ إغلاق التحالف المنافذ، إثر سقوط صاروخ أطلقه الحوثيون واعترض بالقرب من مطار الملك خالد شمالي شرق الرياض مساء السبت الماضي.

وأكدت مصادر مسؤولة في ميناء الحديدة، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن بحرية التحالف العربي، منعت السفن والبواخر التجارية من التوجه إلى الميناء الواقع في منتصف الساحل الغربي لليمن على البحر الأحمر، يوم الإثنين الماضي، وأرسلت إخطاراً إلى البواخر والسفن الراسية بمغادرة الميناء الخاضع للحوثيين.

وقالت المصادر، إن إخطاراً آخر صدر من مركز آليات الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش في جيبوتي، يطلب من السفن التجارية مغادرة ميناء الصليف أيضا (شمال غرب الحديدة) الخاضع كذلك للحوثيين.

ويتولى مركز آليات الأمم المتحدة من مقره في جيبوتي، منذ أغسطس/ آب من العام الماضي 2016، تطبيق آلية للتحقق والتفتيش للشحنات المتجهة لموانئ اليمن، التى لا تزال خاضعة للحوثيين، كبديل لعمليات التفتيش التى تقوم بها قوات التحالف العربى لضمان عدم احتواء الشحنات التجارية على أسلحة.

ولا يزال الحوثيون الذين تعرضوا على مدار نحو عامين ونصف العام لضربات "عاصفة الحزم" من قبل التحالف العربي بقيادة السعودية، يسيطرون على الموانئ اليمنية، ومنها "الحديدة" و"المخا" وعلى جزر "كمران" و"حنيش" على البحر الأحمر غرب اليمن، بينما كان المواطنون المتضرر الأكبر من تفاقم الظروف المعيشية وسط تزايد معدلات الفقر وملاحقة المجاعة ملايين الأشخاص.

ويعتبر ميناء الحديدة الواقع على البحر الأحمر أكبر موانئ اليمن ويستقبل حوالي 70% من إجمالي واردات البضائع والوقود، كما يمثل مركزا رئيسيا لدخول المساعدات الواردة من الخارج إلى البلاد.

ولا يقتصر إجراء التحالف على إغلاق ميناء الحديدة، بل يطاول ميناء عدن المطل على خليج عدن (جنوب البلاد) والخاضع للحكومة الشرعية.

وقالت مصادر في ميناء عدن لـ "العربي الجديد" : "كان متوقعا وصول سفينة خلال اليومين القادمين من مشتقات البنزين للاستهلاك المحلي والديزل، ولكن السفينة غيرت مسارها إلى جيبوتي، في الوقت الذي تشهد فيه مدينة عدن أزمة وقود خانقة وتزايد عدد ساعات انقطاع التيار الكهربائي إلى 18 ساعة في اليوم".

وكانت شركة مصافي عدن الحكومية، قد بدأت نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي في ضخ آخر كمية متوفرة من المازوت (الديزل) تبلغ 1500 طن، لإعادة تشغيل محطات الكهرباء المتوقفة في عدن، وفق مهندس في الشركة في تصريحات لوكالة "الأناضول".

وقد توقفت ثلاث محطات للكهرباء عن العمل تباعا لعدم وجود مادة الديزل، هي "الحسوة الكهروحرارية، وشهناز، وحجيف" من بين خمس محطات تعمل في المحافظة.

ويبدو أن إجراءات الحصار المشدد هذه المرة ستؤدي إلى وضع كارثي. وحثت الأمم المتحدة، أمس الثلاثاء، التحالف الذي تقوده السعودية على إنهاء منع وصول المساعدات الإنسانية إلى اليمن، الذي يعمق معاناة نحو سبعة ملايين إنسان يعيشون في ظروف شبيهة بالمجاعة.

وقال ينس لارك، المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان للصحافيين في جنيف "إذا لم يتم الإبقاء على هذه القنوات، على شرايين الحياة هذه، مفتوحة فإن الأمر سيكون كارثياً على الناس الذين يواجهون ما أطلقنا عليه بالفعل أسوأ أزمة إنسانية في العالم".

وأضاف لارك "ينبغي استئناف إدخال الوقود والطعام والأدوية إلى البلد"، مشيرا إلى أن أسعار الوقود ارتفعت 60% وأسعار غاز الطهو تضاعفت مرتين مباشرة بعد الإغلاق.

وتابع أن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية يجري محادثات مع التحالف لإعادة إدخال المساعدات في أسرع وقت. ويشهد اليمن منذ 2014 نزاعا داميا بين قوات الحوثيين المتحالفة مع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح من جهة، وقوات موالية للرئيس عبد ربه منصور هادي المدعوم من السعودية من جهة أخرى.

وسقطت صنعاء بأيدي الحوثيين في سبتمبر/ أيلول 2014. وشهد النزاع تصعيدا مع تدخل السعودية في مارس/ آذار 2015. وخلّفت الحرب المستمرة أكثر من 8650 قتيلا وأكثر من 58 ألف جريح منذ التدخل السعودي، بحسب أرقام الأمم المتحدة، وتسبّب بانهيار النظام الصحي، وتوقف مئات المدارس عن استقبال الطلاب، وانتشار مرض الكوليرا، وأزمة غذائية كبرى.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أدرجت الأمم المتحدة التحالف العربي على قائمتها السوداء بسبب مقتل 683 طفلا خلال النزاع في سنة 2016، وبسبب شنه 38 هجوما مثبتة على مدارس ومستشفيات.

وبجانب الأزمة الغذائية وتفاقم أسعار السلع، عادت أزمة اليمنيين العالقين في الخارج للظهور من جديد بعد إغلاق جميع منافذ البلد.

أحمد فيصل، الذي أنهى دراسته في إحدى الجامعات الروسية بالعاصمة موسكو، أحد عشرات آلاف اليمنيين الذين علقوا خلال اليومين الماضيين.

قال فيصل في اتصال هاتفي لمراسل "العربي الجديد"، إنه عالق في مدينة صلالة العُمانية ضمن آلاف اليمنيين، مشيرا إلى أنه وصل من موسكو بوم الأحد الماضي، ولا يستطيع العودة إلى بلده.

وقالت مصادر حكومية إن منفذ شحن بمحافظة المهرة اليمنية على الحدود مع عُمان ، والذي تسيطر عليه قوات حكومية، يكتظ بعشرات المسافرين والواصلين من مختلف المحافظات اليمنية وأغلبهم من العاصمة صنعاء ومحافظات شمال البلاد، حيث لم يُسمح لهم بعبور المنفذ .

وكانت سلطنة عُمان منفذ اليمنيين للسفر في ظل محدودية رحلات الطيران الحكومي وارتفاع أسعارها، ووافقت السلطنة في مايو/ أيار الماضي، على منح اليمنيين تأشيرات عبور عبر أراضيها إلى 10 دول فقط هي: مصر، ماليزيا، إندونيسيا، قطر، السودان، الهند، تايلاند ،الكويت، تركيا، وروسيا، إثر جهود بذلتها وزارة الخارجية اليمنية، بحسب مصادر حكومية.

وبالمثل يكتظ منفذ الوديعة بمحافظة حضرموت (جنوب شرق اليمن) الحدودي مع السعودية بآلاف العالقين، الذين لا يستطيعون عبور المنفذ من الجانبين اليمني والسعودي، وبعشرات الشاحنات التجارية التي تحمل مواد غذائية قادمة من السعودية.

ويفضل أغلب اليمنيين السفر براً، بسبب محدودية رحلات الخطوط اليمنية، وإقدام الطيران اليمني على تسيير رحلات بطائرات متهالكة، فضلا عن الأسعار المرتفعة للتذاكر.

وقدر مازن غانم، مدير النقل الجوي اليمني، أن حوالي 80 ألفا من اليمنيين سيظلون عالقين في مطارات العالم في حال استمر إغلاق المنافذ لمدة أسبوع واحد فقط، أما في حال استمر أكثر فسينتج كارثة إنسانية.

وقال غانم في تصريح لـ "العربي الجديد": "سيؤدي إلغاء الرحلات لإرباك المسافرين ومعظمهم من الطلاب والمرضى، كما سيؤدي إلى تعطيل أعمال الشركات، وسيؤثر على اليمنيين العاديين وليس على الحوثيين".

وبحسب التحالف العربي، في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية "واس"، فإن قرار إغلاق المنافذ سيكون مؤقتا وسيراعي استمرار دخول وخروج طواقم الإغاثة والمساعدات الإنسانية وفق إجراءات التحالف المحدثة.

لكن المحلل والباحث الاقتصادي حسام السعيدي، قال إن إغلاق الموانئ، يعني أن الحركة الاقتصادية في البلاد ستتعرض إلى انتكاسة كبيرة.

وأضاف السعيدي لـ "العربي الجديد": "سيؤدي إغلاق ميناء الحديدة إلى موجة إرباك واسعة، ستصيب القطاع التجاري بالشلل ، وستبرز عدة تساؤلات حول الميناء البديل ومصير إجراءات التفتيش، حيث إن ميناء الصليف غير مؤهل مثل الحديدة".

وعبر تجار عن مخاوف كبيرة من حدوث أزمات معيشية خانقة، في ظل ارتفاع جنوني لأسعار السلع الغذائية والوقود نتيجة إغلاق المنافذ وحجب الواردات.

وعندما اندلعت الحرب في اليمن قبل أكثر من عامين ونصف العام، كان من السهل نسبياً على اليمنيين مغادرة البلاد أو القدوم إليها رغم الحظر المفروض من التحالف الذي تقوده السعودية، لكن هذه المرة يتحول اليمن إلى سجن كبير تنهشه مجاعة واسعة متوقعة.

ومنذ التاسع من أغسطس/ آب من العام الماضي، يعاني اليمنيون بالأساس في العاصمة صنعاء ومحافظات شمال وغرب البلاد من العزلة والحصار، ومن أعباء مالية إضافية نتيجة إغلاق مطار صنعاء الدولي أمام الرحلات التجارية، من قبل التحالف.

وتسبب إغلاق المطار بخسائر فادحة لكثير من الجهات العاملة في هذا المرفق، مثل شركات الطيران الوطنية والخدمات الأرضية وخدمات الوقود وأصحاب محال السوق الحرة بالمطار وعشرات العاملين في السوق، بالإضافة إلى تضرر اليد العاملة في كثير من الجهات العاملة في المطار أو خارجه، ومنها خدمات النقل.

وهدد الحوثيون بضرب مطارات وموانئ السعودية والإمارات رداً على قرار التحالف العسكري إغلاق المنافذ، وفق بيان نشرته نسخة وكالة الأنباء "سبأ" الخاضعة لسيطرتهم إن "إعلان إغلاق كافة الموانئ (...) أقصى درجات النزال بالحرب".

وأضاف البيان "إرادتنا لن تنكسر (...) وكل المطارات والموانئ والمنافذ والمناطق ذات الأهمية بالنسبة لهم ستكون هدفا مباشرا للسلاح اليمني المناسب".

وأدت الحرب إلى انهيار الاقتصاد اليمني وتفاقم معدلات الفقر، حيث توقفت النفقات التنموية والاجتماعية بما فيها مرتبات موظفي الدولة ونفقات التشغيل، فضلاً عن ذلك، تعطلت الصادرات وانهارت الموازنة وارتفع التضخم.

وتراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 40%، منذ بدء الحرب حتى نهاية 2016 فقط، وفقا لتقرير صادر عن الغرفة التجارية بالعاصمة اليمنية صنعاء، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، موضحا ان خسائره بلغت 6.84 ترليونات ريال يمني (18 مليار دولار). وأشار التقرير إلى أن الناتج المحلي تراجع من 44 مليار دولار سنويا نهاية 2014 إلى 26 مليار دولار.

كان تقرير صادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي اليمني، في سبتمبر/ أيلول الماضي، أكد أن ارتفاع أسعار السلع الغذائية رافقته زيادة في نسبة الفقر، لتصل إلى 85% من إجمالي السكان البالغ عددهم 27.4 مليون نسمة.

المساهمون