الوليد بن طلال.. غسل أموال أم مكايدة سياسية؟

الوليد بن طلال.. غسل أموال أم مكايدة سياسية؟

06 نوفمبر 2017
السلطات السعودية تتهم الوليد بن طلال بغسل الأموال(GETTY)
+ الخط -

إذا أردت أن تدمر مؤسسة أو شركة عالمية أو رجل أعمال مرموقاً، فالصق اسمه بتهمة غسل الأموال القذرة؛ فهذه التهمة كفيلة بتدمير سمعة أي مستثمر، فردا كان أو مؤسسة، بل وتعد واحدة من أخطر التهديدات التي تواجه سمعة المستثمر وصورته الذهنية، حسب تصنيف مؤسسات دولية كبرى، منها لجنة بازل السويسرية ومنظمة "فاتف" العالمية المعنية بمكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الارهاب وغيرها.

ومن هنا تأتي خطورة التهم الموجهة للملياردير الوليد بن طلال وهي "غسل الأموال وتقديم رشاوى وابتزاز بعض المسؤولين" حسب تصريحات مسؤول سعودي لوكالة رويترز اليوم، ذلك لأن تأكيد تهمة غسل الأموال كفيل بتهديد استثمارات الوليد حول العالم، والبالغة قيمتها مليارات الدولارت.

وحتى ندرك خطورة الاتهام الموجه للملياردير السعودي، فإننا يجب أن نعرف بداية معنى غسل الأموال والجرائم المرتبطة بها، فغسل الأموال مرتبط مباشرة بارتكاب شخص أو مؤسسة أعمالاً مالية غير مشروعة، مثل تمويل الإرهاب والاتجار في المخدرات وزراعة وتصنيع النباتات والمواد المخدرة وجلبها وتصديرها والاتجار فيها، وكذا التجارة في صفقات السلاح والفجور والدعارة والرقيق الأبيض وتهريب الآثار والاتجار بها والرشوة، والتزوير واختلاس المال العام والعدوان عليه وغيرها.

وفي كل القوانين نجد أن غسل أو تبييض الأموال هي جريمة اقتصادية متعارف عليها في كل دول العالم يهدف مرتكبوها إلى إضفاء شرعية قانونية على أموال محرمة، بهدف حيازتها أو التصرف فيها أو إدارتها أو حفظها أو استبدالها أو إيداعها أو استثمارها أو تحويلها أو نقلها أو التلاعب في قيمتها، هكذا تقول نصوص القوانين.

وعندما تعلم مؤسسة عالمية من المؤسسات التي يستثمر فيها الوليد بن طلال مئات الملايين من الدولارات، أن السلطات السعودية توجه لأبرز المستثمرين فيها تهمة غسل الأموال الخطرة، فإنها تخشى على سمعتها وصورتها الذهنية، خاصة إذا ما كانت هذه المؤسسة مالية وتتعامل مع أموال ومودعين مثل مجموعة سيتي غروب التي تعد أكبر بنك في العالم، ويستحوذ رجل الأعمال على حصة رئيسية فيها.

وينطبق الحال على الشركات الأخرى التي يستثمر فيها الوليد بن طلال أموالا ضخمة في رؤوس أموالها مثل: تويتر وناس للطيران وآبل وكريم ليفت وإيباي وموتورولا وتايم وورنر ويورو ديزني وتوينتي وفرست سنشري وفوكس نيوز كوربوريشن وجينغ دونغ وغيرها.

وبالطبع فإن السائح قد يعزف عن الإقامة في فندق مملوك لمستثمر متهم بغسل الأموال، ينطبق ذلك على سلسلة الفنادق التي يساهم فيها الوليد بن طلال مثل: فور سيزونز وبلازا وسافوي وفيرمونت رافلز هولدنغ إنترناشونال وغيرها.

دعك هنا من أن الوليد بن طلال هو ابن شقيق الملك السعودي، ولذا استغرب كثيرون توقيفه على ذمة قضايا فساد وغسل أموال، ودعك من أن الوليد يترأس شركة المملكة القابضة وهي من أكبر الشركات السعودية، ولذا فإن قرار اعتقاله أحدث دوياً هائلاً داخل المملكة، خاصة وسط مجتمع الأعمال والمستثمرين.

ودعك من أن القبض على الملياردير السعودي سيؤثر سلبا على نشاط شركته داخل المملكة، فقد يتصالح الوليد مع الدولة غداً، وبالتالي تعود المياه لمجاريها بالنسبة له أو لشركته العملاقة، ودعك من أنه واحد من أبرز رجال الأعمال السعوديين والأكثر ثراء داخل المملكة وأحد أباطرة الإعلام في السعودية والعالم العربي، ولذا فإن تلويث سمعته يلحق به أضرارا مالية ومعنوية كبيرة داخل المملكة، وربما في المنطقة العربية.

دعك من كل ذلك، فهذه كلها أمور محلية تحدث داخل المملكة وقد يتم استيعابها بعد أيام من خروج الملياردير من محبسه بأحد الفنادق الفخمة، أو عقب تنازل الوليد عن بعض ثروته الضخمة لموازنة الدولة، لكن الأخطر هنا هو التأثيرات الخارجية لقرار اعتقال الملياردير السعودي الجاري التحقيق معه بتهم خطرة، من أبرزها غسل الأموال وتقديم رشى للفوز بصفقات. 

أتحدث هنا عن الوليد بن طلال المستثمر العالمي الذي يصنف على أنه الأثرى عربياً ويحتل رقم 45 في قائمة أثرياء العالم، الوليد ليس مستثمراً عادياً وليس رجل أعمال بالمعنى الحرفي، فهو يمتلك ثروة تفوق ميزانيات بعض الدول، وقد تزيد عن احتياطيات النقد الأجنبي للعديد من الدول العربية والنامية.

السلطات السعودية تقول إن رجل الأعمال فاسد ومتهم في قضية غسل أموال حسب بيان رسمي، وهذا يعني، وحسب اتهامات السلطات السعودية، أن الملياردير يكتسب أمواله من مصادر غير مشروعة مثل تجارة السلاح أو الآثار أو الرشى وغيرها، وهذا بالطبع اتهام خطير

وهنا نكون أمام احتمالين، الأول هو أن الحكومة السعودية تلعب بالنار، وأن التهمة الموجهة للملياردير تأتي في إطار المكايدة السياسية وتصفية الحسابات والضغط عليه للتنازل عن جزء من ثروته للموازنة العامة للدولة، وبالتالي فإن السؤال هنا هو: من يعوّض الوليد عن الخسائر المعنوية الضخمة قبل المادية التي تعرض لها جراء إلصاق اسمه بهذه التهمة في حال إذا ما ثبت أن التهم كيدية وملفقة؟

الاحتمال الثاني هو أن التهمة الموجهة لرجل الأعمال الثري والمتعلقة بتورطة في عمليات غسل أموال صحيحة؟ وبالتالي، وحسب القانون السعودي يعاقَب الوليد بن طلال، بالسجن مدة لا تقل عن سنتين ولا تتجاوز 10 سنوات، أو بغرامة لا تزيد على 5 ملايين ريال، أو بكلتا العقوبتين، وقد تصل العقوبة إلى السجن مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تتجاوز 15 سنة، أو بغرامة لا تزيد على 7 ملايين ريال، أو بكلتا العقوبتين، إذا اقترنت جريمة غسل الأموال بجماعة إجرامية منظمة، أو استخدام العنف أو الأسلحة وغيرها حسب القانون السعودي.

في كل الأحوال تحقق الهدف الذي تسعى السلطات السعودية إلى تحقيقه بتوجيه تهمة غسل الأموال للوليد بن طلال، وحتى لو تمت تبرئة رجل الأعمال أو تسوية القضية، فإنه يكون قد خسر جزءاً مهماً من رصيد سمعته في أسواق العالم، إذ إن اسمه سيقترن بعض الوقت، وربما طوال الوقت، بجريمة بشعة يخشاها كل المستثمرين الدوليين، حتى أولئك الذين يمارسون بالفعل أعمالا تنتمي إلى جرائم غسل الأموال.

المساهمون