حرب أبوظبي الاقتصادية ضد قطر

حرب أبوظبي الاقتصادية ضد قطر

28 نوفمبر 2017
الريال القطري وقف صامدا أمام فصول المؤامرة(Getty)
+ الخط -

فعلتها إسرائيل ضد مصر في بعض السنوات، خاصة تلك التي يكون فيها الاقتصاد المصري منهكاً وتعاني البلاد نقصاً شديداً في النقد الأجنبي اللازم لتغطية كلفة الواردات وسداد الديون الخارجية، وفعلتها أميركا ضد الاتحاد السوفييتي ثم روسيا لاحقا، بهدف تركيعها اقتصاديا وتفكيكها، وذلك في إطار الحرب الباردة التي استمرت لسنوات طويلة.

وفعلتها أميركا ضد الصين بهدف إجبارها على خفض قيمة اليوان وفتح أسواقها المحلية أمام المنتجات الأميركية، وفعلتها السعودية ضد الاتحاد السوفييتي نيابة عن الغرب في ملف خفض أسعار النفط، وعقابا على غزو موسكو أفغانستان، وها هي الإمارات تفعلها ضد قطر منذ حصار 5 يونيو/حزيران وحتى الآن.

إنها الحرب الاقتصادية والمالية التي تستهدف دولة ما من خلالها ضرب اقتصاديات دولة أخرى تعتبرها معادية لها والسعى لتدمير عملتها الوطنية، وإحداث حالة من الذعر بين المستثمرين سواء المحليين أو الأجانب، ودفع المواطنين نحو سحب أموالهم من البنوك ووضعها في البيت "تحت البلاطة"، أو تحويلها لنقد أجنبي وتهريبها للخارج خوفا من انهيار العملة الوطنية.

الحروب الحديثة لم تعد قاصرة على استخدام السلاح والمدافع والطائرات والصواريخ وخوض الحروب البرية والجوية وغيرها، فهناك حروب باتت لا تقل في ضراوتها وخسائرها عن الحروب التقليدية وهي الحروب الاقتصادية التي تستهدف الدول المشاركة فيها معاقبة الدول المعادية لها اقتصاديا وماليا ودفعها للانهيار.

وإذا كانت الحروب التقليدية تستخدم الأسلحة والجنود كأدوات لها ووقود لاستمرارها سنوات، فإن الحروب الاقتصادية تستخدم أسلحة أخرى أخطرها نشر الشائعات، ومحاولة التأثير على المركز المالي لدولة ما في الخارج، وتشويه صورتها وسمعتها أمام المستثمرين والمؤسسات المالية الدولية.

ومن خلال سلاح الشائعات تطلق الدول التي تقود حروبا اقتصادية مزاعم حول عدم قدرة البلدان المعادية لها على سداد ديونها الخارجية، وأن اقتصاد هذه الدول دخل في نفق مظلم، والأخطر نشر شائعات حول عدم قدرة الدولة المستهدفة على تلبية احتياجات مواطنيها من الأغذية والأدوية وغيرها من الأمور المعيشية.

أحدث فصول هذا الحروب الاقتصادية ما تقوم به الإمارات حاليا ضد الاقتصاد القطري وعملته الوطنية، فمنذ الحصار الجائر تشن أبوظبي حربا شرسة لا هوادة فيها ضد اقتصاد قطر، مرة تحت زعم انهيار البورصة القطرية وانسحاب المستثمرين منها عقب تكبدهم خسائر فادحة قدّرتها وسائل إعلام إماراتية أو محسوبة عليها بمليارات الدولارات، ومرة بنشر شائعات حول تهاوي سعر صرف الريال القطري أمام الدولار، وثالثة حول قيام المستثمرين بسحب أموالهم من البنوك القطرية وتحويلها إلى الخارج، ومرة رابعة حول تدافع القطريين والوافدين معا نحو البنوك لسحب أموالهم منها خوفا من انهيار الريال أو قبل وضع السلطات قيودا على عمليات سحب الأموال مثل تلك القيود التي وضعتها الدول المقبلة على الإفلاس مثل اليونان وقبرص والأرجنتين وغيرها، ومرة خامسة بادعاء نفاد مواد البناء المخصصة لمشروعات كأس العالم والمشروعات الكبرى كمترو الدوحة وغيره.

وتختار أبوظبي التوقيت بعناية لنشر هذه الشائعات المغرضة ضد قطر، فعندما يطبق البنك المركزي القطري قواعد مكافحة غسل الأموال، تسارع وسائل إعلام محسوبة على الإمارات إلى تصوير ذلك على أن قطر تضع قيودا على التحويلات النقدية للخارج، بهدف وقف نزيف العملة الوطنية وتهاويها أمام الدولار.

وعندما تنفذ المصارف القطرية القواعد العالمية في مجال الحوكمة ومكافحة تمويل الإرهاب وتضع قيوداً على التحويلات النقدية لبعض الدول عالية المخاطر والمصدرة للإرهاب، فإن أبوظبي تسارع لتصوير الأمر على أن الدوحة تحاول وقف نزيف الاستثمارات الأجنبية الهاربة خارج البلاد.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد في حرب الإمارات الاقتصادية، فقد سارعت أبوظبي إلى شراء سندات قطرية متداولة في الخارج وبيعها بسعر أقل من قيمتها السوقية، لإعطاء انطباع لأسواق المال بأن المستثمرين الدوليين وصناديق الاستثمار تتخلص من السندات القطرية، وأن الاستثمار في قطر وأدوات الدين بها سواء كانت سندات أو أذون خزانة بات خطراً، وأن الإيداع في البنوك القطرية محفوف بالمخاطر، وأن شراء أوراق مالية قطرية استثمار غير مربح.

مرت ستة أشهر على حصار قطر، ومرّ أكثر من هذا الوقت على الحرب الاقتصادية التي تخوضها أبوظبي ضد الدوحة، ورغم هذه الفترة الطويلة نسبيا فإن الاقتصاد القطري يثبت مجددا أنه قوي ولن يتأثر بهذه الشائعات، وأن هذه الحرب الاقتصادية الموجهة ضده لم تؤتِ أكلها رغم النفقات الضخمة المخصصة لها، وتكبُّد أبوظبي خسائر في عملية شراء السندات القطرية وبيعها بأقل من قيمتها.

ورغم الحرب الاقتصادية الشرسة التي تشنها أبوظبي ضد الدوحة، إلا أن الريال القطري وقف صامدا أمام فصول الحرب الاقتصادية رديئة الإخراج والسيناريو والممثلين، يدعمه في ذلك احتياطي قوي من النقد الأجنبي يبلغ 340 مليار دولار، وإيرادات من الغاز تبلغ 100 مليار دولارسنويا، وصادرات تجاوزت في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي 21 مليار دولار بزيادة 11.9% عن شهر سبتمبر، وميزان تجاري حقق فائضا بقيمة 8.7 مليارات دولار في آخر شهر.

المساهمون