أزمة الجزائر بين عامين

أزمة الجزائر بين عامين

23 نوفمبر 2017
الجزائر في موقف اقتصادي صعب (GETTY)
+ الخط -


تصريحان لافتان ومتناقضان لرئيس الحكومة الجزائرية، أحمد أويحيى، يكشفان عن حجم التغيرات السياسية التي شهدتها البلاد خلال السنوات العشر الأخيرة، وطبيعة الأزمة الاقتصادية الحادة التي تمر بها منذ تهاوي أسعار النفط منتصف عام 2014 وحتى الآن.

في عام 2010 اقترحت عدة أحزاب سياسية على الحكومة تبني مشروع قانون يقضي بالسماح للبنوك بممارسة أنشطة الصيرفة الإسلامية، واستندت الأحزاب في طلبها لثلاثة أمور هي:

- الأول: أن هناك شريحة من الجزائريين تتعامل بالربا وترفض التعامل مع البنوك التجارية والتقليدية التي تمنحهم سعر فائدة ثابتا على أموالهم.

- الثاني: هناك شريحة مهمة من المدخرين يودوعون أموالهم في الخارج لدى بنوك تتعامل بأنشطة الصيرفة الإسلامية، وهو ما يمثل خسارة للبلاد واستنزافا لثرواتها.

- الثالث: استندت الأحزاب أيضاً إلى مؤشر تنامي أنشطة هذا النوع من الصيرفة حول العالم، وأن دولاً عربية وإسلامية كثيرة بدأت بالتوسع في مثل هذه الأنشطة لجذب أموال توجه لتمويل مشروعات استثمارية، مثل ماليزيا والسودان والسعودية والبحرين والإمارات ومصر وغيرها.

ورأت الأحزاب أن الوقت كان مهيئاً لمناقشة مشروع القانون بعد مرور 4 سنوات على إقرار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي قدمه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لإنهاء الحرب الأهلية الجزائرية في البلاد، أو ما أطلق عليها "حرب العشرية السوداء" من خلال منح عفو عن معظم أعمال العنف التي ارتُكبت أثناءها.

حينها، كان رد رئيس الوزراء الجزائري، أحمد أويحيى، مفاجئا على طلب الأحزاب السياسية، حيث قال "نحن أخرجنا الدولة الإسلامية من الباب، وأنتم تريدون إرجاعها من النافذة"، وهنا تم إغلاق الملف بحجة حساسيته السياسية. وما شجع أويحيى على موقفه عائدات النفط الضخمة المتدفقة على البلاد والبالغة 55.7 مليار دولار في نهاية عام 2010.

الأحزاب الإسلامية لم تسكت على رد فعل الحكومة، حيث اتهمت أويحيى بأنه يخلط بين توجهه الاستئصالي لكل ما هو إسلامي، وبين التوجه الاقتصادي للدولة التي تتبنى سياسة اقتصاد السوق الحرة وتخلت عن النهج الاشتراكي، ودخلت معه في صراع سياسي تم حسمه لصالح الحكومة. 

وفي عام 2017 لم تفتح الأحزاب السياسية ملف الصيرفة الإسلامية ولم تطلب من الحكومة إقرار تشريع يرخص للبنوك بممارسة هذه الأنشطة، بل إن المفاجأة تكمن في أن الحكومة نفسها هي التي عرضت على البرلمان والأحزاب تبني قانون يسمح بأنشطة الصيرفة الإسلامية.

والملفت هنا أن أويحيى هو نفسه من تقدم بهذا الاقتراح عندما سأله أعضاء بالبرلمان عن تصور حكومته للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العنيفة التي تعيشها البلاد، فقال إن الحكومة اهتدت إلى حلين لسد عجز الموازنة:

- الأول: اعتماد مشروع للصيرفة الإسلامية لامتصاص كتلة كبيرة من السيولة الموجودة خارج البنوك بسبب رفض أصحابها التعامل بنظام الربا.

- الثاني: الاقتراض من البنك المركزي في إطار التمويل غير التقليدي للموازنة، الذي يعتمد أساساً بطبع النقود.

إذن، الجزائر في 2010 اختلفت جذريا عن الجزائر في العام الحالي. في السنة الأولى كانت مليارات الدولارات تتدفق على البلاد من عائدات الطاقة الممثلة في النفط والغاز، وكانت البلاد مقبلة على مرحلة من التنمية الاقتصادية والاجتماعية وعد بها بوتفليقة.

أما في 2017 فتواجه الجزائر أزمة عنيفة تكاد تعصف باقتصادها ومواطنيها وباحتياطياتها من النقد الأجنبي، كما تضررت البلاد بشدة من تهاوي أسعار النفط عالميا، وخاصة أن 95% من إيراداتها تأتي من صادرات الطاقة سواء من النفط أو الغاز، كما تشهد الأسعار زيادات متواصلة تضغط بشدة على المواطن، وتدرك الحكومة أن هناك حالة احتقان شديدة بين المواطنين بسبب زيادة معدل التضخم والبطالة والفقر والفساد، ويلعب المشهد السياسي دوراً في تنامي حالة الغموض وعدم اليقين بين المستثمرين المحللين والأجانب على حد سواء.

كما أن التراجع السريع لاحتياطي البلاد من النقد الأجنبي يضغط بشدة على صانع القرار في البلاد، وخاصة أنه فقد أكثر من 75 مليار دولار من قيمته منذ عام 2014 وحتى نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وقبل أيام توقع وزير المالية الجزائري، عبد الرحمن راوية، تراجع الاحتياطي إلى 76 مليار دولار بحلول عام 2020، وهو ما يعادل 17 شهراً من الاستيراد.

الوضع صعب داخل الجزائر، والأزمة الاقتصادية مرشحة للتصاعد، وعلى صانع القرار أن يضع خطة سريعة لتعظيم موارد البلاد سواء من النقد الأجنبي أو الإيرادات المحلية، من أبرز ملامحها الحد من الفساد، والحد كذلك من تدخل العسكريين في المشهد الاقتصادي، ومكافحة التهرب الضريبي، وزيادة الصادرات غير النفطية، واستغلال فرص البلاد السياحية الهائلة، خاصة سياحة الآثار والسياحة الشاطئية، وضبط الإنفاق الحكومي والاهتمام بقطاعات إنتاجية وفي مقدمتها الزراعة والصناعة.

يجب أن يكون التحرك الحكومي سريعاً حتى لا تجد البلاد نفسها مضطرة للخضوع لإملاءات خارجية من قبل صندوق النقد الدولي والمقرضين الدوليين، والتوسع في الاقتراض الخارجي، وتعويم العملة المحلية، وزيادة الأسعار، ورفع الدعم عن السلع الرئيسية، وهو ما قد يدخل البلاد في احتقانات شعبية.