في أزمة سد النهضة.. لم تنجح إثيوبيا وفشلت مصر

في أزمة سد النهضة.. لم تنجح إثيوبيا وفشلت مصر

21 نوفمبر 2017
النظام المصري فشل في تفادي خطر السد (Getty)
+ الخط -
أخيرًا، وبعد أن شارفت إثيوبيا على الانتهاء من بناء 70% من سد النهضة، أعلن وزير الموارد المائية والري المصري عن فشل مفاوضات السد وعن قلق مصر من رفض وزيري إثيوبيا والسودان اعتماد التقرير الاستهلالي الخاص بدراسة التأثير الاقتصادي والاجتماعي والهيدروليكي على مصر والسودان إثر إنشاء وملء وتشغيل سد النهضة، وذلك بعد ختام اللجنة الفنية الثلاثية، المصرية والسودانية والإثيوبية، المعنية بسد النهضة على المستوى الوزاري اجتماعها في القاهرة يومي 11 و12 نوفمبر الحالي.

ما من شك في أن القلق المصري جاء متأخرًا جدًا وبعد 17 جولة من المفاوضات المستمرة من غير سقف زمني وعلى مدى 3 سنوات كاملة من غير أن يحقق المفاوض المصري خلالها أي إنجاز يضمن حقوق مصر التاريخية في مياه النيل، أو يحصل على أي ضمانة إثيوبية بعدم إلحاق الضرر بمصر.

استهلاكي وليس استهلاليّاً

لقد كان انقضاء المدة اللازمة لإنجاز هذه الدراسات ومن ثم تنفيذ توصياتها والتي نص عليها المبدأ الخامس من اتفاق المبادئ الذي وقعه الجنرال السيسي مع رؤساء السودان وإثيوبيا في الخرطوم بتاريخ 23 مارس 2015 بـ 15 شهراً، سببًا كافيًا للنظام المصري وحجة قانونية أمام المنظمات الدولية، الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة ومجلس الأمن، لإعلانه عن فشل هكذا مفاوضات في حل الأزمة ومن ثم يبحث مبكرًا عن حل ناجع من طريق آخر، ويوفر أكثر من ستة عشر شهراً ضيعها نظام السيسي في إقناع إثيوبيا في الموافقة على المكتب الذي سوف ينجز هذه الدراسات.

كما كان انتهاء المهلة اللازمة لإنجاز الشركتين الاستشاريتين الفرنسيتين "بى أر ال، وأرتيليا" هذه الدراسات الفنية المزمعة والتى حددتها لجنة وزراء ري وخارجية الدول الثلاث عند توقيعهم العقود في الخرطوم في 21 سبتمبر 2016، بحد أدنى 5 شهور وحد أقصى 11 شهرًا، وضياع قرابة شهرين بعد انقضائها، فى سبتمبر الماضي، في محاولات إقناع إثيوبيا بالموافقة على مخرجات هذه الدراسة سببًا وجيهًا أيضًا للجنرال السيسي حتى ينسحب من هذه المفاوضات العبثية إلى وسيلة أخرى أكثر جدوى في حل الأزمة.

وبالرغم من الاسترخاء والاستغراق في الوقت على النحو الذي سبق، فوجئ الشعب المصري أن نتائج التقرير الذي قدمته الشركتان الفرنسيان، بى أر ال وأرتيليا، والخاص بدراسة تأثير إنشاء وملء وتشغيل سد النهضة الاقتصادي والاجتماعي والهيدروليكي على مصر والسودان، لم يكن نهائيًا ولا باتًا في الأزمة، بل يحتاج إلى مزيد من الوقت والمفاوضات لاستكماله، ووسمه المفاوض المصري بالتقرير الاستهلالي، ما يجعله تقريرًا استهلاكيًا وليس استهلاليًا، شارك المفاوض المصري في استخدامه من جانب إثيوبيا كوسيلة جديدة لكسب المزيد من الوقت في إنجاز بناء السد ثم خروجه ركيكًا بحيث رفضه الطرف السوداني المتضرر من السد، كما رفضه الجانب الإثيوبي تمامًا وهو المستفيد الوحيد من هذا المسلسل الهابط.

حق مكفول

سجل الجغرافي المصري، جمال حمدان، في كتابه، "شخصية مصر دراسة في عبقرية المكان"، أن حق مصر في مياه النيل تاريخي مكتسب، وهبة من الله تعالى ليس لدولة من دول المنبع فضل فيه، وهو حق موثق باتفاقيات دولية، منها اتفاقيات عام 1902، 1906، 1925، 1934، 1949، واتفاقية 1959 بين مصر والسودان.

وإذا كانت إثيوبيا تحاول التنكر لهذه الاتفاقيات بحجة أنها أُبرمت في عهود استعمارية لم تستشر فيها إثيوبيا، فإن اتفاقية سنة 1902 والخاصة بترسيم الحدود شارك فيها ملك إثيوبيا، منليك، وتنص على عدم مساس إثيوبيا بمياه النيل الأزرق وعطبرة أو بناء سدود من شأنها منع وصول المياه إلى السودان ومصر، بل وتمنع إثيوبيا من قيامها بأي أعمال ضارة من شأنها الإضرار أو خفض حصة السودان ومصر المائية.

كما أن الاتفاقية الإطارية المعنية باستخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية والتي أقرتها الأمم المتحدة في 1997 تلزم الدول المشاطئة للمجرى المائي الدولي بعدم التسبب في ضرر ذي شأن للدول المشاطئة الأخرى، وبإبلاغ هذه الدول مسبقًا بأي إجراء تزمع تنفيذه على المجرى المائي.

اتفاق كارثي

بعد ثلاثة أيام فقط من توقيع الجنرال السيسي اتفاق مبادئ سد النهضة في مارس 2015 بالعاصمة السودانية الخرطوم كتبت في هذه الصحيفة الغراء عن أن أحداً لا يستطيع أن يفسر جرأة الجنرال السيسي وتسرّعه في التوقيع على اتفاق بشأن سد النهضة، سيما أن حق مصر في مياه النيل ثابت، لا يحتاج لتوقيع اتفاقيات إضافية، ومستقر عبر التاريخ. وقد وضح بعد هذا التوقيع الخاطئ أن الاتفاق لا ينص على سعة الخزان التي لا تضر بأمن مصر المائي، ولا عدد سنوات ملء هذا الخزان، ولا على وقف بناء السد حتى تكتمل الدراسات الفنية.

وبعد توقيع اتفاق مبادئ سد النهضة تحول من سد عدواني غير قانوني ومحروم من التمويل الأجنبي بقرار من الأمم المتحدة، إلى سد قانوني لا تعترض عليه مصر، ويحظى بالتمويل الأجنبي، بعد أن فاز بالشرعية الدولية.

وفي سبتمبر الماضي، كانت إثيوبيا ترفض الإقرار بنتائج دراسات المكتب الفرنسي الذي اختارته بنفسها بعد أن رفضت التعاون مع المكتب الهولندي الذي اقترحته مصر، كان الجنرال السيسي في رواق الأمم المتحدة يدعي أن مصر قدمت نموذجًا ناجحًا في معالجة "قضية" سد النهضة، التي لا يعتبرها أزمة حقيقية، كما لم يشر من قريب ولا من بعيد إلى تعنت إثيوبيا المستمر في المفاوضات الفاشلة.

سيناريو متشائم

مصر محدودة الموارد المائية، ولا تزيد حصتها من مياه النيل عن 55.5 مليار متر مكعب، يأتي 85% منها من النيل الأزرق الذي تبني عليه إثيوبيا سد النهضة. وتبلغ سعة خزان سد النهضة 74 مليار متر مكعب، يضاف لها 25 مليار سوف تتسرب في الخزان الأرضي تحت البحيرة المتكونة، بإجمالي 99 مليار متر مكعب.

وإذا بدأت إثيوبيا في تخزين المياه أمام السد، الصيف القادم، من خلال سيناريو الثلاث سنوات، فإن حصة مصر من مياه النيل سوف تنخفض بمعدل 22 مليار متر مكعب، وهي تكفي لتبوير 4 ملايين فدان من مساحة مصر الزراعية البالغة 9 ملايين فدان.

وسوف تنخفض كهرباء السد العالي بمقدار الثلث، ويزيد معدل تلوث الترع والمصارف، وتتأثر مآخذ مياه الشرب والاستخدام الصناعي من النيل والترع الرئيسية، ويزيد معدل تملح الأراضي الزراعية، وتزحف مياه البحر المتوسط إلى مياه الخزان الجوفي في شمال الدلتا.

تساؤل مشروع

في سبتمبر 2015، نصح مجموعة من الخبراء المصريين بينهم وزير الري السابق و 15 أستاذًا وخبيرًا وسفيرًا بجامعة القاهرة السيسي باللجوء إلي محكمة العدل الدولية من أجل وقف بناء سد النهضة، استناداً إلى الاتفاقية الدولية المعنية بمياه الأنهار الدولية التي أقرتها منظمة الأمم المتحدة عام 1997، وطالبوه بالتوجه إلي مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار يلزم إثيوبيا بوقف أعمال البناء في السد لحين إتمام الدراسات الفنية، حتى لا يؤدي التوتر الذي خلفته الأزمة إلى إشتعال الصراع، بما يهدد السلم والأمن الدوليين.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن، لماذا يمتنع السيسي عن اللجوء للأمم المتحدة ومجلس الأمن ولا يأخذ بنصائح الخبراء المصريين بعد فشل المفاوضات ومن ثم يرفع الحرج عن نفسه؟!