مؤامرة أبوظبي تفشل في استهداف اقتصاد قطر

مؤامرة أبوظبي تفشل في استهداف اقتصاد قطر

17 نوفمبر 2017
قطر نجحت في التصدي للمؤامرة الإماراتية (Getty)
+ الخط -
يوماً بعد يوم، تتكشف أبعاد المؤامرة الإماراتية التي تستهدف اقتصاد قطر وعملتها الوطنية، ومحاولة هز الثقة في مناخها الاستثماري وصفقاتها التجارية وصادراتها من النفط والغاز. فقبل أيام، فتحت الدوحة تحقيقًا لكشف حقيقة معلومات عن محاولةٍ للتلاعب بعملتها في الأسابيع الأولى من الأزمة الخليجية، التي دخلت شهرها السادس.
وقال وزير المالية القطري، علي شريف العمادي، في مقابلة بثت قناة الجزيرة مقتطفات منها عبر تويتر: "كان هناك استهداف للعملة المحلية ولمشاريع كأس العالم 2022، وهذه المساعي لن تنجح"، مؤكدا أن بلاده أنجزت 65% من مشاريع مونديال 2022، و"ما تبقى سينجز خلال سنتين أو ثلاث فقط".

ونفى العمادي وجود تأثير لمقاطعة السعودية والإمارات والبحرين ومصر لبلاده، وفرض إجراءات عقابية عليها، على سير العمل في مشاريع المونديال، ومشاريع البنية التحتية.
وقال وزير المالية القطري، إن "محاولات عرقلة أو منع استضافة قطر لكأس العالم 2022، لن تنجح"، مؤكدا أن بلاده "ستكون مستعدة قبل كأس العالم بوقت كاف".
وتأتي تصريحات العمادي، بعد أيام من كشف موقع "إنترسبت" الأميركي وثيقة مسرّبة من بريد سفير الإمارات في الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، أظهرت أن أبوظبي خططت لشن حرب مالية ضد قطر، شملت هجوماً على العملة القطرية من خلال التلاعب بالسندات.

تفاصيل المؤامرة

وبحسب الخطة التي حصل عليها "إنترسبت" من مجموعة تسمى "غلوبال ليك"، فإن الإمارات استعانت، في سبيل ذلك، ببنك "هافيلاند"، وهو بنك خاص مقره في لوكسمبورغ، ومملوك لأسرة رجل الأعمال البريطاني المثير للجدل ديفيد رولاند.
وتقوم الخطة على أساس تخفيض قيمة سندات قطر وزيادة كلفة تأمينها، مع هدف نهائي يتمثّل في خلق أزمة في العملة، من شأنها أن تستنزف احتياطات النقد في البلاد، وإفشال استضافتها لكأس العالم عام 2022.

وتعليقاً على المؤامرة الإماراتية، قال الخبير الاقتصادي القطري المتخصص في علم الاقتصاد السياسي والسياسات النقدية والمالية، خالد بن راشد الخاطر، إن المعلومات المتاحة تشير إلى أن أبوظبي جنّدت شخصين هما البريطاني David Rowland والهندي Raghuram Shetty لقيادة حرب اقتصادية ضد قطر، تهدف إلى زعزعة استقرار العملة واستنزاف الاحتياطات السيادية القطرية.
وأوضح الخاطر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الهندي شيتي، الذي يملك مجموعة صرافة الإمارات وشركة صرافة Travelex، له علاقة بمنع تداول الريال القطري في بعض البنوك البريطانية مع بدايات الأزمة، فيما يعتبر البريطاني رولاند، العقل المدبر للتآمر على سندات قطر السيادية، موضحاً أن الخطة كانت تقوم على جمع أكبر قدر ممكن من السندات وبيعها بسعر أقل، بشكل حقيقي أو وهمي لإظهار أن سعرها منخفض.

وأكد الخاطر، أن محاولاتهما في السوق الخارجية باءت بالفشل، لأن الأمر غير ممكن من ناحية فنية، بسبب محدودية عرض الريال القطري، قائلا: "هذه المحاولات واضحة ومعروفة لنا في قطر. لقد فشلوا".
وحسب الخاطر فإن تقريراً للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، بتاريخ 11 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أشار إلى وجود محاولات من قبل أحد المذكورين، وبواسطة بنك هافيلاند الخاص في لوكسمبورغ، لشراء سندات الحكومة القطرية، بطريقة خفية، ثم بيعها لنفس المصدر بأسعار منخفضة أكثر، بهدف الضغط على السعر.

وأشار إلى أن الهدف كان خلق حالة من الهلع لدى المستثمرين الآخرين، تزامنا مع حالة التوتر السياسي في المنطقة، والحملة المسعورة ضد قطر من قبل الإعلام الموازي، ما يدفع المستثمرين إلى التخلي عن السندات السيادية القطرية، وهذا يضغط على سعر الريال الذي تثبت الدوحة سعره أمام الدولار الأميركي عند 3.64 للدولار، وفي هذه الحالة إما أن ينهار الريال وترتفع معدلات التضخم، ما يؤدي إلى خروج رؤوس الأموال، أو تتدخل الدولة لدعم العملة والجهاز المصرفي، ليستنزف الصندوق السيادي وهذا هو الهدف النهائي.

اقتصاد قوي

وأكد الخبير الاقتصادي، أن السلطات القطرية على علم بهذه المحاولات التي باءت بالفشل، وأخذت التحوطات من أجل ذلك، وأن الاقتصاد القطري صلب، والعملة تدعمها الاحتياطات النقدية والسيادية لدولة قطر والمصرف المركزي، وعنصر المفاجأة لم يعد موجودا، وثمة مراقبة مستمرة لحركة البيع على السندات القطرية، مَن يبيع ومَن يشتري، وما هي الكميات.
وقال الخاطر: "المحاولات مستميتة لإلحاق الضرر والأذى، وإضعاف قطر اقتصاديا وبكل الطرق، وكأننا أصبحنا نعيش أفلاما هوليوودية، ولكن هذه المحاولات فاشلة ومكشوفة، فالسندات القطرية تتمتع بدرجات ممتازة، والبنوك التي تتعامل معها عالمية، وهم يستنزفون أموالهم لدى كيانات أشبه بعصابات تعمل في الظلام".




وأظهرت بيانات مصرف قطر المركزي أن الاحتياطات الدولية والسيولة بالعملة الأجنبية لدى مصرف قطر المركزي تعافتا في أغسطس/آب، بعد هبوط في الشهرين السابقين بسبب الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين ومصر في يونيو/حزيران الماضي.
وارتفعت الاحتياطات والسيولة، وهما مقياس لقدرة البنك المركزي على دعم الريال القطري، إلى 39 مليار دولار، في أغسطس/آب، من 36.1 مليار دولار في يوليو/تموز، وكانت بلغت 45.8 مليار دولار في مايو/أيار قبيل الحصار.

وبصرف النظر عن المستوى الحالي للاحتياطات لدى البنك المركزي، فإن معظم المحللين يعتقدون أن قطر يمكنها الدفاع عن عملتها، لما تملكه من أصول في صندوقها للثروة السيادي (جهاز قطر للاستثمار).
وقد أكد البنك المركزي القطري، في وقت سابق، "الاستقرار التام" لسعر صرف الريال القطري مقابل الدولار، نافياً بذلك الأنباء التي يتم تناقلها حول تأثر سعر الصرف نتيجة حصار دول خليجية للدوحة.

ثقة دولية 

وحسب متعاملين في أسواق الصرف بالدوحة، لم يرضخ الريال القطري لتأثيرات الضغوط التي مارستها عليه مصارف في الإمارات والسعودية ودول أخرى. ما اعتبره مراقبون، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، انعكاساً طبيعياً لثقة سوق الصرف الدولية في العملة القطرية المحمية بمراكز نقد أجنبية سخية، كوّنتها قطر على مدار العقود الماضية، بفضل فوائضها المالية واستثماراتها الضخمة التي يديرها صندوق قطر السيادي.

وقال عاملون في البنوك القطرية، إن قطر لديها أصول تقدر بنحو 340 مليار دولار، مستثمرة في صندوق الثروة السيادي التابع لها، وهذه السيولة الضخمة قادرة على حماية العملة المحلية من عمليات المضاربة. 
كما أنه بصادرات البلاد من الغاز التي تدرّ عليها نحو 8.3 مليار دولار شهرياً، فإن قطر تملك من القوة المالية ما يكفي لحماية بنوكها.
بدوره، قال الخبير المصرفي والمدير العام السابق للبنك الأهلي القطري، قاسم محمد قاسم، لـ"العربي الجديد": بالنسبة للعملة المحلية تدعمها أسس الاقتصاد القطري القوية والاحتياطات الضخمة، ولا يوجد مجال للمضاربة عليها في الخارج، ولا شك أنه في بداية الحصار كانت هناك ضغوط على العملة، وزاد الطلب على الدولار، ولكن سرعان ما عادت الأمور إلى طبيعتها من جديد، وقد أثبت الريال القطري أنه الأكثر استقراراً ومصداقية عبر عقود.

أما فيما يتعلق بسندات الدين القطرية، فيقول قاسم: "يبدو أن هناك أناسا قرروا أن يخسروا، وهذا لا يضر الدولة في شيء، ولا يؤثر على تكلفة الإقراض لقطر، لأن من يبيع السند بسعر رخيص أمامه شخص مشتر يريد أن يربح، وقد يكون ما جرى مزعجا، لكنه ليس مهددا للاقتصاد. ومعروف أنه في القضايا المالية لا يحسب حساب للمفاجآت، بل للمخاطر، وفي النهاية الاقتصاد القطري قوي ولن يتأثر بمثل هذه الأفعال".
وقال مدير مكتب الاتصال الحكومي، الشيخ سيف بن أحمد آل ثاني، في تصريح أوردته وكالة الأنباء القطرية "قنا" قبل أيام، إن منظمة مالية دولية- لم يسمها- مملوكة جزئيًا من مستثمرين إماراتيين، أُعطيت توجيهات بوقف التداول بالريال القطري في أوروبا وآسيا.

وحسب المسؤول القطري: "إذا تبين أن هذه الحرب المالية صحيحة، فإنها مشينة وخطرة، ليس فقط للاقتصاد القطري، بل للاقتصاد الدولي"، مشيرا إلى أن: "إحدى المؤسسات المالية أوقفت التعامل بالريال لعدة أيام، وبعد أن قمنا بمراجعتها عاودت التعامل به".
وفتحت أجهزة الاستخبارات القطرية تحقيقاً وتواصلت مع مسؤولين عن تطبيق القوانين في المجالات المعنية، بعدما تنبهت إلى أزمة التلاعب في الريال في يوليو/تموز الماضي.

وحول الرأي القانوني في هذه المحاولات التي استهدفت الاقتصاد القطري برمته، يقول نائب رئيس محكمة الاستئناف القطرية الأسبق، المحامي يوسف الزمان، لـ"العربي الجديد"، إن محاولات التلاعب بالعملة وسندات قطر السيادية، جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات، على أساس أن هذا الفعل يمس الأمن الاقتصادي الخارجي والداخلي للدولة.
وتختص في هذه الأفعال المحاكم القطرية، وإذا توصلت النيابة العامة إلى ثبوت قيام أشخاص أو جهات بأفعال تلحق الضرر والأذى بالعملة والاقتصاد، على النيابة أن تحيل القضية إلى القاضي المختص، الذي يحق له إصدار قرار القبض عبر "الإنتربول"، وإذا ارتكبت هذه الأفعال من قبل مؤسسة أو شركة ما، يكون صاحبها هو المسؤول، وفق يوسف الزمان.

وتنص المادة 107 من قانون العقوبات القطري على أنه "يُعاقب بالإعدام، أو الحبس المؤبد، كل من سعى لدى دولة أجنبية، أو أحد ممن يعملون لمصلحتها، أو تخابر مع أيٍّ منهما، وكان من شأن ذلك الإضرار بمركز الدولة الحربي أو السياسي أو الاقتصادي".
ويوضح الزمان، أن الجاني في هذه الجرائم، هو كل شخص سواء كان قطرياً أو من أي جنسية أخرى، وسواء وقعت الأفعال داخل حدود الدولة أو خارجها، على اعتبار أن المحافظة على أمن الدولة هو من الحقوق المعترف بها بين الدول، وهو حق ليس في مواجهة رعايا الدولة فقط، وإنما في مواجهة كل أجنبي يريد الإضرار بالدولة عن طريق ارتكابه أفعالا تمس أمن الدولة واستقرارها الاقتصادي.

وأشار المحامي إلى أن قانون الإجراءات الجنائية تكفل ببيان كيفية التعاون القضائي الدولي فيما بين قطر والدول الأخرى، بالتعاون مع الجهات القضائية الدولية في المجال الجنائي، بشرط المعاملة بالمثل، هذه القواعد تتعلق بكيفية تسليم المجرمين، وكذلك كيفية إجراء الإنابات القضائية، التي يرسلها جهاز التحقيق في قطر إلى وزارة الخارجية لترسلها بدورها إلى السلطات الأجنبية بالطرق الدبلوماسية.