المستقبل الاقتصادي العربي

المستقبل الاقتصادي العربي

05 أكتوبر 2017
الدول العربية تمتلك ثروات هائلة (Getty)
+ الخط -
ليس من اليسير على الباحث أن يتناول موضوعاً كبيراً كالذي يقترحه عنوان هذا المقال، بسبب تشعبه وكثرة العوامل المؤثرة فيه. ولكن المفروض أن يتفكر العلماء العرب في مستقبل هذا الاقتصاد، وفي الوجهة التي يسير إليها.

يقدّر أن يصل عدد المواطنين في الوطن العربي بحلول عام 2050 إلى أكثر من 600 مليون نسمة، وسيكون 65% منهم في عمر الشباب. وهذه طاقة جبارة، وسيشكلون أكثر من 6.5% من سكان العالم آنذاك، والمقدّر أن يكون في حدود 9 مليارات نسمة. ومن المقدّر أيضاً أن يكون المسلمون آنذاك في حدود 3 مليارات مسلم، أو ما يساوي تقريباً ثلث سكان العالم.

لا ننظر نحن فقط إلى هذه الإحصائيات والأرقام، ولكن ينظر إليها العالم كله، لأن التوزيع الجغرافي لكل هؤلاء العرب والمسلمين لن يبقى على حاله. ولن يستطيع العالم أن يتجاهله في موضوع الهجرة، والتجارة، والاستثمار، والقوى البشرية، وإمكانات الحرب والسلام.

ولو نظرنا جغرافياً، لرأينا أن المسلمين موجودون في كل دول العالم تقريباً إلا ما ندر. وبحلول عام 2050 سيشكلون كل دول الشرق الأوسط، وشرق إفريقيا وشمالها، وجزءاً كبيراً من غربها، وثلاث دول في شرق أوروبا (البوسنة وألبانيا وكوسوفو)، وسوف يكونون أقلية كبيرة العدد في دول كثيرة مثل الهند، والصين، وروسيا، وكندا، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، والنمسا، وهولندا، وغيرها.

ويأتي دور العرب الآن، فهم المرجع الديني لمعظم المسلمين في شتى بقاع الأرض، وإذا كان الدين كما يمارسه العرب مقياساً لتقدّمهم الفكري والعقلي، فعلينا أن نبدأ في تحديد فهمنا الدين، ودوره في الحياة السياسية، وفي وضع المقاييس والمعايير للتعامل مع الآخرين، ومدى احترامنا حقوقهم، وحرياتهم. فإذا أعدنا كتابة مفهومنا الديني بأسلوب متطور، يجعل هذا الدين صالحاً لكل زمان ومكان، فإن علاقاتنا الاقتصادية والسياسية مع المسلمين، ومع الأقطار التي يسكنون فيها ستكون محترمة، وذات منفعةٍ لكل الأطراف.

والقضية الأساسية الثانية أن على العرب أن يبدأوا في احترام لغتهم، وتطويرها، وجعلها متناغمة مع لغة العصر وأدواته. وبفضل القرآن والكتب التي تقيدت بمبادئه الرشيدة، وبمفاهيمه الإنسانية، حافظت اللغة الفصحى على دورها في التواصل بين الناطقين بالضاد، على الرغم من اختلاف لهجاتهم المحلية، ومفرداتهم الخاصة بأقطارهم ومناطقهم.

ولكن، على العرب أن يعيدوا إلى أحرف اللغة ومفرداتها الكثير من التطور الذي يمكنها من أن تكون لغة التواصل الحديثة. وهنالك أقطار كثيرة ما تزال تتحدث العربية، أو أن أحرفها ما تزال تستخدم فيها مثل إيران وباكستان. ولنعترف أن اللغة وسيلة ثقافية حضارية ذات أبعاد وفوائد اقتصادية لا تحصى. ولو حسبنا كم يستفيد الأميركان والإنكليز من جعل لغتهم دولية، والتي لا تقل سنوياً عن تريليوني دولار، لأدركنا قيمة هذا الأمر، ولعرفنا كيف نتعامل معه.

أما الأمر الثالث فهو ضرورة أن ينتبه العرب إلى حسن إدارة أموالهم وثرواتهم. ومنذ ارتفاع النفط الكبير عام 1974، تهيأت للوطن العربي ثروات هائلة. وبفضل هذه الأموال، طورنا البنى التحتية، والطرق، وبعض القدرات الإنتاجية، ورفعنا من نسب التعليم، وطورنا المرافق الصحية التي انعكست على المواطنين.

ولكننا يجب أن نعترف، في الوقت نفسه، بأننا أهدرنا موارد لا تحصى في سوء الإدارة، والفساد، والمشروعات الفاشلة، وفي المبالغة في بعض الإنفاق، كما أن بعض أثريائنا فسقوا، وتراجعت الطبقة الوسطى، وتغير مكونها الثقافي والفكري، وفقدت كثيراً من دورها عنصر أمن وأمان.


لم نحسن إدارة الأرض، وفتتنا رأس المال، ولم يعد علينا إلا في حالات قليلة بالمردود المتوقع، وتعاني الموارد البشرية من تعليم محدود المنفعة في الإنتاج، وإدارات حكومية مترهلة، يعتبرها الناس مجرد مصدر رزق، وليست مجالاً للخدمة والريادة والإبداع، وبقي لدينا ملايين الشباب والشابات العاطلين عن العمل أصلاً.

آن لنا أن نعيد النظر من أجل أن نحسّن الأداء الحكومي، بجعل هذه الإدارة قائمةً على التميز والقدرة والفاعلية، وأن نجعل المؤسسات دينامية الحركة تتمتع باستراتيجياتٍ تجعلها على الدوام فتية ومتجددة، غير جاهزة للهرم والذوبان في سنوات قليلة، وأن نساهم في تمكين القطاع الخاص، لكي يضع خبراته وثرواته في الأماكن الصحيحة، بهدف تعزيز الإنتاج، ونوعيته وتنافسيته، ولتوفير فرص عمل منتجة واستثمارات واعدة للشباب. أما أن نبقي اقتصادات ريعية، فهذا لا يبشر بالخير أصلاً.

بالطبع، لا يجوز لنا أن نغفل عن التحديات الكبيرة التي تواجه مشروعاً عربياً نهضوياً مثل هذا. فهنالك أعداء وكارهون لا يريدون لنا الخير، ويتربصون بنا. ولكن تشكيل مشروع حضاري قوي يستقطب الشباب، ويعيد الثقة إلى العلاقة بين الحاكم والمحكوم، هو السلاح الأقوى. ولا أحد في العالم يستطيع منعك من تطوير مؤسساتك، وإعادة الروح للشباب، ولا يمكن لأي قوة أن تحول دون الإنجازات العلمية والتكنولوجية القادرة على حل مشكلاتنا.

وحتى نستطيع فعل هذا، يجب أولاً أن نبدأ بحل مشكلاتنا الداخلية، وتصفية النزاعات فيما بيننا، والسماح بحركة التجارة والبشر والخدمات كأننا سوق واحدة. ولن يخسر أحد من هذه التطورات في نهاية الأمر. ولو أننا سمحنا بهذا منذ قيام جامعة الدول العربية، وقبل النفط، لكننا الآن في وضع أقوى وأصلح.

يجب أن يتفهم الجميع أننا إذا لم نطور أوضاعنا، فلن يكون بيننا عام 2050 أية فوارق، لأننا سنكون جميعاً في حال متشابهةٍ من الفقر والبطالة والمجاعة. أما إذا تعاونّا، وأدركنا الإمكانات المتاحة لنا، لوصلنا جميعاً إلى مستوى يحترمه العالم، ويخاف من الاعتداء عليه والتطاول على حقوقه، ويود أن يتعامل معهم على قدم المساواة.

دلالات

المساهمون