إلى أين يتجه الدولار خلال الشهور المقبلة؟

بدأ الدولار رحلة صعود ولكن هل ستستمر خلال الفترة المقبلة؟

28 أكتوبر 2017
ارتفاع قيمة الدولار يجذب الاستثمارات الأجنبية (Getty)
+ الخط -
تراجع سعر صرف الدولار خلال العام الجاري بنسبة راوحت بين 6 إلى 10% مقابل معظم العملات الرئيسية، مقارنة بسعره خلال العام الماضي، لكنه عاد إلى الارتفاع خلال الشهر الحالي، حيث كسب حوالى واحد في المائة مقابل اليورو وحوالى 3.0% مقابل الدولار الكندي. ولكن هل يشكل الارتفاع الجاري توجهاً لسعر صرف العملة الأميركية خلال ما تبقى من العام الجاري، أم أنه رعدة خفيفة استفادها من ضعف بعض العملات دفعته للارتفاع الطارئ وسرعان ما سيعود بعدها للهبوط. هذا ما ستتناوله "العربي الجديد " في هذا التحليل.

يرى خبير العملات بشركة أونادا الأمير كية لمعلومات العملات، ديين بوبلويل، أن رحلة انخفاض الدولار قد وصلت نهايتها وأن العملة الخضراء تتجه للصعود مجدداً.
وكان الدولار قد تمكن من الارتفاع المتواصل خلال السنوات الثلاث الماضية حتى نهاية العام الماضي 2016، وبدرجة مزعجة للدول الناشئة والعملات المرتبطة بسعر صرف ثابت مقابل الدولار.
لكن الخبير بوبلويل يقول في تعليقه لتلفزيون "سي إن بي سي"، إن احتمال مواصلة الدولار لرحلة الصعود التي بدأت خلال الشهر الجاري تهددها الشكوك المحيطة بمستقبل الرئيس دونالد ترامب وقراراته غير المتزنة. كما يهددها كذلك مستقبل خطة الضرائب التي طرحها ترامب في الشهر الماضي، وعما إذا كان الكونغرس سيجيزها خلال الشهر المقبل.

وتبقى توجهات التضخم وأرقام البطالة واختيار الرئيس الجديد لمصرف الاحتياط الفدرالي "البنك المركزي الأميركي".
وحسب رأي الخبير بوبلويل فإن هذه من أهم العوامل المؤثرة في توجهات الدولار على الصعيد الداخلي في أميركا. ولكن لاحظت "العربي الجديد"، أن إجازة الكونغرس للميزانية الجديدة يوم الخميس الماضي، تعني أنها مقدمة لإجازة خطة إصلاح الضرائب، وربما يتم ذلك في بداية نوفمبر/ تشرين المقبل.
وحسب رويترز، أقر الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون، خطة الميزانية بأغلبية 216 ضد 212 صوتا. وستمكن هذه الخطوة من تمرير التشريع الخاص بالضرائب، الذي من المتوقع أن يصوت عليه الكونغرس الأسبوع المقبل.
وربما لا يحتاج الجمهوريون إلى الحصول على أي أصوات من الديمقراطيين لتمرير المشروع. وستخفض خطة الجمهوريين، التي أعلنت خطوطها العريضة الشهر الماضي، ضريبة الشركات إلى 20% من 35% والضريبة على المشاريع الصغيرة إلى 25 % من 39.6% والحد الأعلى لضريبة الأفراد إلى 35 من 39.6%.

وفي حال إجازة الكونغرس لمشروع إصلاح الضرائب، فإن ذلك سيساهم في زيادة إقراض المصارف للمستهلكين، وهو ما سيرفع من القوة الشرائية في أميركا. وبالتالي من المتوقع أن يرتفع معدل التضخم في أميركا خلال الفترة المقبلة ويجبر مصرف الاحتياط الأميركي على رفع سعر الفائدة.

من جانبه يرى المدير المشارك بشركة "تي راو برايس إنترناشونال" الأميركية للسندات كين أورشارد، أن ارتفاع الدولار الحالي ربما لن يستمر طويلاً ، بسبب المصاعب الجيوسياسية التي تواجهها أميركا تحت ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب.
ولكن من المتوقع أن يستفيد الدولار من قرار المركزي الأوروبي يوم الخميس التي ثبت فيها سعر الفائدة حتى إبريل/ نيسان 2018 والفائدة الثابتة على سندات اليورو.
وفي ارتفاع الفائدة الأميركية وتحسن العائد على سندات الخزانة الأميركية أجل عشر سنوات فوق 2.5%، فإن ذلك سيرفع من جاذبية الدولار لدى المستثمرين الأجانب، لأنهم سيقبلون على شراء سندات الخزانة الأميركية، بسبب أنها "ملاذ آمن" وأن تسييلها سهل مقارنة بأدوات الاستثمار الأخرى.

على صعيد التنافس الجيوسياسي، يواجه الدولار مجموعة من العوامل السالبة التي من المحتمل أن تقلل من الطلب عليه. من بينها خطط الصين لفتح بورصة النفط باليوان الذهبي في نهاية العام الجاري واتفاقية التسويات الفورية التي وقعها بنك الشعب الصيني "البنك المركزي" مع البنك المركزي الروسي للتسوية الفورية بين الروبل واليوان للصفقات المالية والتجارية بين البلدين واتفاقية في طور التنفيذ بين الصين والهند للتبادل التجاري على أساس مبادلة اليوان والروبية الهندية.
هذه الاتفاقات بالتأكيد ستقلل من الطلب العالمي على الدولار في تسوية الصفقات التجارية التي يصل نصيبه منها نسبة 80% حتى نهاية العام الماضي وفقاً لإحصائيات بنك التسويات الدولية. كما سيقلل كذلك من الطلب على الدولار في احتياطي البنوك المركزية العالمية الذي تبلغ نسبة الدولار منها حوالى 64%، حسب إحصائيات صندوق النقد في نهاية ديسمبر/ كانون الماضي.

لكن هذه العوامل تظل مؤثرة على سعر صرف الدولار على المدى الطويل، وكذلك في حال نجاح الصين في تحرير اليوان بشكل كامل، كما يعد أهم عامل فيها بورصة العقود المستقبلية لبيع النفط باليوان المدعوم بالذهب التي تنوي بكين افتتاحها في نهاية العام الجاري. ومعروف أن تجارة عقود النفط في البورصات ضخمة جدا وتقدر بحوالى 1.72 ترليون دولار سنوياً.
في هذا الصدد، يقول مدير شركة "جى تي دي" لخدمات الطاقة في سنغافورة، جون ديرسكول، إن تجارة النفط تحتاج إلى سيولة ضخمة وإلى عملة حرة. ويضيف في تعليقه لتلفزيون "سي إن بي سي"، "تحفظي على نجاح إحلال اليوان مكان الدولار في تجارة النفط هو تدخل المركزي الصيني في سوق الصرف ومحاباة الحكومة للشركات الصينية".


يُذكر أن الدولار ارتفع بنسبة 30% بين أعوام 2011 و2016، قبل أن يبدأ رحلة انخفاض في العام الجاري. وتشير معطيات سياسة ترامب الرامية لخفض العجز التجاري وزيادة تنافسية البضائع الأميركية في السوق العالمية، إلى أنه يرغب في دولار ضعيف نسبياً.
وكان ترامب قد صرّح في أكثر من مرة بذلك، ولكن ما يقوله ترامب شيء وما تقوله إداراته المالية شيء آخر.
وعادة ما يرفع الدولار القوي من التدفقات المالية من كبار المستثمرين في العالم نحو السوق الأميركية، خاصة في وقت تواصل فيه أسعار الأسهم الأميركية الارتفاع، حيث اخترق مؤشر "داو جونز" في الأسبوع الماضي حاجز 23 ألف نقطة وأعلنت شركات التقنية الكبرى يوم الخميس عن أرباح فاقت التوقعات في الربع الأول.
كما أن ريع سندات الخزينة الأميركية تجاوز 2.4%، حسب ما ذكرت صحيفة "وول ستريت" في تقريرها الخميس.

وهذه العوامل تعتبر جاذبة للمستثمرين الأجانب إلى السوق الأميركي. وهو ما يعني عملياً مزيداً من الطلب على الدولار، والدخل الدولاري. وفي هذا الصدد، أشارت "فاينانشيال تايمز"، في تقريرها أمس الجمعة، إلى أن مؤشر الدولار الذي يقيس أداءه مقابل العملات الرئيسية ارتفع بنسبة 2.0% في السوق الآسيوية، التي عادة ما تغلق مبكراً وقبل افتتاح سوقي لندن ونيويورك.
فالعوامل الرئيسية التي تحدد توجه العملات تشير إلى أن الدولار سيبدأ رحلة صعود ولكنها، وحسب ما يرى محللون، لن تكون مثل رحلة الصعود الطويلة التي شهدها في السنوات الماضية، بسبب الضغوط السياسية التي تواجهها الولايات المتحدة في كوريا الشمالية واضطراب قرارات ترامب تجاه القضايا الرئيسية في العالم. وهي عوامل تقلل الثقة من قبل المستثمرين في القرارات المالية والنقدية الأميركية.


المساهمون