أجواء تمرّد في "أرامكو" السعودية... والسبب محمد بن سلمان

"إيكونوميست": الأهواء المتقلّبة لولي العهد السعودي تحول اكتتاب "أرامكو" إلى فوضى

20 أكتوبر 2017
التقارير المتضاربة قد تشير إلى تمرّد في الشركة (Getty)
+ الخط -
فاجأ اقتراح بيع أسهم من شركة أرامكو السعودية، وهي أكبر شركة نفط في العالم، الأسواق المالية في العام الماضي. ووعد محمد بن سلمان، وهو ولي العهد السعودي حالياً، بأنه سيكون أكبر طرح عام أولي على الإطلاق، مع تقديرات لقيمة الشركة بنحو تريليوني دولار. 

وكان ذلك هو محور خطة تحول الاقتصاد السعودي، القائمة على تقليل اعتماد المملكة على النفط. وكان الهدف منها تعزيز الشفافية والمساءلة المالية في واحدة من أكثر الممالك المغلقة  في العالم. ولكن قبل كل شيء، فإنه من شأن الطرح أن يعزّز صورة الأمير الشاب باعتباره وجهاً تحديثياً جريئاً يقترب من وراثة العرش. هكذا بدأت مجلة "ذا إيكونوميست" تقريرها الذي نشرته أمس على موقعها الإلكتروني بعنوان: "فوضى اكتتاب أرامكو السعودية: معاناة من أهواء ولي العهد المتقلبة".

للأسف، يتابع التقرير، "يبدو أن قلة صبر الشباب نالت منه". وذلك، مع ميل الأمير الشاب إلى التدخل في كل كبيرة وصغيرة، والتذبذب حول المكان الأنسب لإدراج "أرامكو" تسبب في حالة تأخير وارتباك. وقد بلغت الأمور ذروتها هذا الأسبوع عندما قدّم مستشارون ومديرون تنفيذيون لم يكشفوا عن هويتهم تقارير متضاربة، ما يشير إلى حالة تمرّد داخل الشركة.

ويرى مستشارو المملكة فيما بينهم أن قرار إدراج الشركة في سوق نيويورك أو لندن تأجّل، وأن الخطة "في الوقت الحالي" هي إصدار أسهم في بورصة "تداول" في الرياض، مع إمكانية فتح اكتتاب خاص للمستثمرين الصينيين.

إلا أن وزير النفط ورئيس شركة "أرامكو" خالد الفالح أصرّ على أن ينطلق الاكتتاب العام في الداخل والخارج في العام المقبل كما كان مقرراً في الأصل. ويستخف مسؤولو الشركة بفكرة الإدراج في سوق تداول فقط، والتي من شأن طرح شركة أرامكو للاكتتاب العام أن يغمرها عن آخرها.

ويبدو أن مصدر الارتباك هو القصر الملكي، وفق "ذا إيكونوميست". فمنذ البداية، أصرّ ولي العهد على ألا تقدّر قيمة الشركة بأقل من تريليوني دولار، وعلى ضرورة أن يجري الاكتتاب العام في العام المقبل. ولم يبدِ تفهماً كافياً لتهديد الدعاوى القضائية المتعلّقة بالهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 سبتمبر/ أيلول 2001، والتي قد تنجم عن إدراج الشركة في بورصة نيويورك، أو لتعقيدات طرح الأسهم في بورصة لندن، إذ من شأن جهود تخفيف شروط إدراج شركة أرامكو أن يثير غضب المؤسسات المستثمرة فيها. وقد أخطأ في افتراض أن الجهات الفاعلة الأخرى في عالم التمويل ستركع لمجرد وعود المصرفيين والاستشاريين برسوم ضخمة.

ويرى مستشارون أن الإدراج في بورصة تداول فقط، بالإضافة لإجراء اكتتاب خاص، قد يكون محاولة خاطئة لتخطّي بعض هذه الصعوبات من قبل بن سلمان، إذ ينظر إليها كوسيلة لتعزيز أسواق رأس المال السعودية، ولتفادي انطباع بيع ثروة العائلة للأجانب.

ولكن مع وجود كمّ محدود من رأس المال في المملكة، وفق التقرير، يرى بعضهم أنه لا يمكن للإدراج في بورصة الداخل أن يحصل على أكثر من 100 مليار دولار من الأموال التي يحتاج إليها بن سلمان لما يسمى "صندوق الاستثمار العام" الخاص بتمويل الاستثمارات غير النفطية في البلاد.

ويقول مستشارون إن المملكة تدرس أيضاً ما تلقته مؤخراً من اهتمام شركات النفط الصينية وغيرها من المستثمرين الآسيويين الحريصين على حصة تقارب 5% من أرامكو. ما يجذبهم بالضبط هو أن ذلك قد يعزز العلاقات بين مصدر الإنتاج الأكبر للنفط عالمياً ومصدر الاستهلاك الأضخم. لكن من غير المرجح أن يؤمن ذلك لولي العهد قيمة تريليوني دولار التي يريد، إلا إذا ضمن صفقات كبيرة من النفط الرخيص على هامش ذلك.

ليس الارتباك مريحاً لشركة أرامكو، والتي يُفترض، بحسب شركات النفط، أن تكون رهاناً جذاباً للمستثمرين الأجانب.

فهي تملك احتياطيات من النفط والغاز تفوق احتياطيات شركة إكسون موبيل، أكبر منافس خاص لها، بـ15 مرة، كما أنها تنتج أكثر، وبكلفة أقل للبرميل الواحد، ولديها عدد أقل من الموظفين. بالإضافة إلى ذلك لديها عدد كبير من المهندسين الشباب (بما في ذلك الشابات)، وكذلك تكنولوجيا قادرة تقريباً على التقاط بحر من النفط تحت رمال الصحراء.

ويقول المديرون التنفيذيون إن الكفاءات الموروثة منذ أيام الملكية الأميركية ما تزال قائمة. ويبدو أن العديد من الأرامكونز، كما يعرف مسؤولو الشركة، ينظرون إلى الاكتتاب العام على أنه إلهاء غير مرحّب به، ولكن ما يلطّف الأمر بالنسبة إليهم هو الهيبة التي يتوقعونها من إدراج شركتهم في سوق دولية.

لكن لتحقيق هذا الهدف قد يحتاج ولي العهد محمد بن سلمان إلى مزيد من التفكير في ما يعنيه الاكتتاب العام. حكومته، وفق "ذا إيكونوميست"، هي المساهم الوحيد حالياً في شركة أرامكو، وهي طبعاً صاحبة الكلمة النهائية. لكنه ما لم يكن مستعداً لإرخاء الزمام قليلاً مع السماح للاكتتاب العام بالمضي قدماً بوتيرة حذرة، وكذلك السماح للمستثمرين بتحديد القيمة المناسبة للشركة، فقد يكون من الأفضل له أن يتخلّى عن الأمر تماماً. ما يشير إليه موقفه حتى الآن هو أن لديه إيماناً ضعيفاً في قوى السوق التي يريد أن يطلق لها العنان.

(عن "إيكونوميست")