العراق يبحث عن 20 مليار دولار لإعمار المدن المحررة

تحديات موازنة العراق.. البحث عن 20 مليار دولار لإعادة إعمار المدن المحررة

11 أكتوبر 2017
العراقيون يتخوفون من زيادة الأعباء المعيشية (أحمد الروبي/فرانس برس)
+ الخط -
كشفت تقارير حكومية مختصة صادرة عن أمانة مجلس الوزراء العراقي، اطلعت عليها "العربي الجديد"، عن ضرورة تخصيص الحكومة ما لا يقل عن 20 مليار دولار للمدن المحررة حديثاً من قبضة تنظيم "داعش" بغية توفير الحد الأدنى من الخدمات والبنى التحتية المدمرة، الأمر الذي خلق تحديات إضافية أمام الحكومة التي تعد حالياً الموازنة الجديدة لعام 2018، في ظل أزمة مالية خانقة بسبب تراجع أسعار النفط المصدر الرئيسي للدخل في البلاد. 
وأوضحت التقارير، أن القطاعات التي تحتاج دعماً عاجلاً في المدن المحررة لها تماس مباشر بحياة المواطنين وأبرزها المستشفيات والمدارس والكهرباء والماء والاتصالات والطرق والجسور.
وقال مسؤول رفيع في حكومة رئيس الوزراء، حيدر العبادي، لـ"العربي الجديد" إن "الحكومة شكّلت خلية من خبراء الاقتصاد والمال بهدف المساعدة في إعداد موازنة متكاملة للعام المقبل وتقديمها بصيغة جديدة للبرلمان بهدف التصويت عليها في نهاية العام الحالي.
ووفقاً للمسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، فإن الخلية ستعمل على خفض الإنفاق في المشاريع الثانوية أو الكمالية بمجالات عدة والتركيز على دعم قطاعات أخرى لتكون مساعدة للموازنة إلى جانب قطاع النفط، مؤكداً أن الحكومة قد لا تتمكن من صرف الحد الأدنى للمبالغ التي تحتاجها المدن المحررة.
وأشار المسؤول إلى وجود تحرك دبلوماسي خارجي على عدد من الدول للدخول في ملف إعادة إعمار المدن قبل انعقاد مؤتمر النازحين الذي يهدف إلى توفير تمويلات لإعادة تعمير المدن المحرّرة.
وتعول بغداد على مؤتمر المانحين المرتقب عقده في الكويت بالربع الأول من العام المقبل توفير ما بين 20 إلى 30 مليار دولار أخرى لإعمار المنازل وتعويض المتضررين من المعارك وتوفير الخدمات الأخرى.
وكان المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء، حيدر العبادي، مظهر محمد صالح، أكد على وجود توجه لدى الحكومة نحو زيادة الواردات المالية في موازنة عام 2018 لتحقيق توازن مالي بين الإيرادات والإنفاق من خلال تنويع قطاعات الدخل.
وأضاف صالح في حديث لوسائل إعلام عراقية محلية، أول من أمس، أن موازنة عام 2018 ستعتمد على تنشيط الموارد غير النفطية كالجمارك ورسوم جباية الماء والكهرباء وقاطعات أخرى مثل الضرائب، موضحاً أن "التعرفة الكهربائية ستطبق على أغلب المحافظات العراقية، مطلع العام المقبل، بهدف تقليل الهدر المالي".
وأوضح صالح أن الكهرباء وحدها تستهلك 14 ترليون دينار عراقي (الدولار = 1180 ديناراً) من الموازنة العامة، فيما يبلغ الوارد الإجمالي من جباية أجور الكهرباء ترليون دينار فقط بسبب الهدر نتيجة عدم كفاءة قطاع الكهرباء من الناحية الفنية، موضحاً وجود نية حكومية لخصخصة قطاع تحصيل إيرادات الكهرباء بهدف تقليل الهدر المالي وزيادة ساعات التجهيز دون التأثير على الطبقات الفقيرة، الأمر الذي يثير قلق العراقيين من تفاقم الأزمات الاقتصادية، حسب خبراء وبرلمانيين.
وفي هذا الإطار، كشف عضو اللجنة الاقتصادية المشكلة من قبل مجلس الوزراء لمراجعة وضع السوق العراقية أحمد عبد الحسين لـ "العربي الجديد" عن بدء وضع خطة لمراجعة ملف القطاع الصناعي الحكومي وتنشيطه أو عرض مصانع للخصخصة بالإضافة إلى قطاعي الزراعة والسياحة الدينية".
وأضاف عبد الحسين، أن الاعتماد على النفط كمصدر إيرادات للموازنة يعني ارتهان العراق لسعر البرميل وهذا يؤثر حتى على قراراته السيادية، لافتاً إلى أن الخطة تتضمن خفض الإنفاق وتفعيل جهاز الرقابة على الفساد المالي والتعامل مع الملف على نحو عالي الأهمية.
وتوقع عضو اللجنة الاقتصادية أن تتراوح موازنة العراق للعام المقبل ما بين 92 إلى 95 مليار دولار وبعجز متوقع يبلغ نحو 18 مليار دولار إذ تم احتساب سعر برميل النفط بشكل مبدئي قابل للتغير بنحو 50 دولاراً.
وبلغت موازنة البلاد التي اعتمدها البرلمان للعام الجاري أكثر من 100 تريليون دينار (79 مليار دولار) وقيمة عجز إجمالية بلغت 21 مليار دولار (26.25 تريليون دينار)، ثم أعدت الحكومة موازنة تكميلية ليصل حجم الموازنة إلى 107 تريليونات دينار عراقي (87 مليار دولار).
وتتمثل التحديات الأبرز في الموازنة الجديدة في توفير المبالغ الإضافية لإعمار المدن المحررة في ظل بقاء سعر النفط ضمن أسعار لا تفي بمتطلبات المرحلة القادمة بالعراق واستمرار العجز المالي في غالبية وزارات الدولة وارتفاع حجم الدين الخارجي الى قرابة 111 مليار دولار، بالإضافة إلى ضغوط المؤسسات الدولية.
وقالت عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار العراقية في البرلمان نورا البجاري لـ "العربي الجديد" إن موازنة العام المقبل ستكون مقيدة بشروط البنك وصندوق النقد الدوليين على العراق من أجل إقراضه.
وتابع البجاري، إنه من بين هذه الشروط الحد من التوظيف الحكومي وإيجاد موارد مالية أخرى غير النفط وتفعيل عمل الشركات والمصانع المملوكة للدولة وخفض النفقات.
وأضافت أن الموازنة المقبلة ستكون تقشفية، لكن هناك جوانب مهمة يجب أن تتضمنها، ومنها إعادة تعمير المدن المحررة وترتيب أوضاعها بما يضمن استقرار سكانها وحل مشاكلهم.
وأكدت أن الموازنة في طور الإعداد، وهناك لجان مشتركة من قبل وزارات المالية والتخطيط والجهات المعنية لإكمال دراستها وتقديمها كمسودة قانون".
وقال الخبير الاقتصادي، يونس الصميدعي، لـ"العربي الجديد" إن "العراق يعتمد في 95% من إيراداته العامة على عائدات النفط والنسبة المتبقية للقطاعات السياحية والتجارية والصناعية، ولكن بعد تدمير آلاف المنشآت والمصانع بسبب الاحتلال والحروب والصراعات الداخلية أصبح الاعتماد على واردات النفط شبه كامل".
وأضاف الصميدعي، أن الحديث يدور في أروقة الحكومة حالياً عن ضرورة رفع مستوى الإيرادات المالية من القطاعات غير النفطية، وهذا يعني تأهيل القطاعات الأخرى عبر وضع خطة شاملة لتكون قادرة على توفير إيرادات مالية ضخمة.
لكن مراقبين حذروا من إقدام الحكومة العراقية على تنفيذ هذه الخطة عبر فرض الضرائب على المواطنين ورفع أسعار الكهرباء والجمارك ما يعني جباية الأموال من المواطنين بدلاً من تأهيل القطاعات المختلفة لتوفير الإيرادات المالية.
وأكدت وزارة التخطيط العراقية في تقرير سابق، عن ارتفاع معدل التضخم في الأسعار لشهر أغسطس/ آب الماضي بنسبة 0.5%، والتضخم السنوي بنسبة 0.2%، مشيرة إلى أن المسح لم يشمل محافظتي الأنبار ونينوى بسبب الوضع الأمني فيهما. وشمل ارتفاع الأسعار مختلف المواد الغذائية وعدداً من الخدمات الأساسية.
ومن جانبه، اعتبر الخبير المالي، مظفر الجابري، أن المشكلة تكمن في تخبط الحكومة العراقية وعدم وجود رؤية واضحة لها لتنفيذ مثل هذه الأفكار المهمة للبلاد، فالحكومة أمام خيارين لتوفير موارد مالية إضافية أولهما تأهيل القطاعات الصناعية والتجارية والسياحية والخيار الثاني فرض الضرائب على المواطنين ورفع أسعار الكهرباء والمياه والخدمات والجمارك والخيار الثاني يعني مشكلة كبيرة في البلاد".
وبين الجابري لـ "العربي الجديد" أن الحكومة العراقية غير قادرة حالياً على تأهيل القطاعات المدمرة ما يعني أنها تخطط لجعل نسبة كبيرة من موازنة عام 2018 تعتمد على جباية الأموال من المواطنين عبر الضرائب ورفع أسعار الخدمات العامة، وهنا سيتضرر العراقيون بشكل غير مسبوق".
ودفعت الأزمة الاقتصادية الحكومة لإصدار قانون يسمح للموظفين بأخذ إجازة لمدة أربع سنوات براتب أساسي فقط لتخفيف العبء على الموازنة العامة.
وحسب تقارير برلمانية، ساهم الفساد في تفاقم الأزمة المالية في البلاد ولا سيما في عهد حكومة رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، إذ تجاوز حجم الأموال المنهوبة خلال ثماني سنوات فقط أكثر من 450 مليار دولار، حسب تقارير غير رسمية.

المساهمون