أميركا تقترض.. فما العيب في قروض مصر؟

أميركا تقترض.. فما العيب في قروض مصر؟

10 أكتوبر 2017
مصر تقترض لتمويل العجز (فرانس برس)
+ الخط -
ما العيب في استدانة مصر قروضاً خارجية وبمليارات الدولارات خلال عام واحد، ولماذا أنتم منزعجون من تفاقم أرقام الدين الخارجي داخل البلاد وبلوغها حاجز الـ 80 مليار دولار بنهاية شهر يونيو/ حزيران الماضي، وإذا كانت دول مثل: السعودية والإمارات وقطر والبحرين والعراق والجزائر، وهي الدول النفطية الكبرى، تقترض المليارات من الخارج، فما العيب أن تقلدها مصر للتغلب على أزمتها الاقتصادية والمالية الخانقة؟

وإذا كانت أميركا، صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، تقترض من الداخل والخارج حتى تجاوز دينها العام العشرين تريليون دولار في نهاية شهر أغسطس/ آب الماضي، فما العيب أن تقترض حكومة مصر 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي و3 مليارات أخرى من البنك الدولي، كما تقترض مليارات أخرى من الصين والبنوك الأوروبية والأفريقية وغيرها؟

أسئلة قد تتبادر لذهن الكثيرين عند الحديث عن أزمة الدين الخارجي لمصر، والزوبعة التي أثيرت قبل أيام عقب الكشف عن اقتراض البلاد أكثر من 23 مليار دولار في عام واحد وبنسبة زيادة 42% عن العام الماضي، وهو ما يزيد عن حجم الديون التي ورثها حسني مبارك من سلفه أنور السادات في العام 1981 والبالغة حينئذ نحو 22 مليار دولار، كما أن ما اقترضته حكومة السيسي في عام يزيد عن إجمالي كل القروض التي حصل عليها نظام مبارك من الخارج طوال 30 عاماً.

بالطبع لا يوجد عيب في الاقتراض الخارجي، فكل الدول تقترض، لكن بشروط هي:

- الشرط الأول هو أن توجه هذه القروض لتمويل مشروعات إنتاجية تمثل قيمة مضافة للاقتصاد القومي مثل مشروعات التصدير والسياحة والطاقة، أو تحقق هذه المشروعات الممولة عوائد بالنقد الأجنبي للدولة، تمكن الدولة من سداد أقساط الديون الخارجية وأسعار الفائدة المستحقة عليها.

- الشرط الثاني أن تلعب القروض الخارجية دوراً في خفض عجز الميزان التجاري للدولة، سواء عبر الحد من الواردات الخارجية أو زيادة الصادرات، كما تلعب دوراً في تخفيف الضغط على الاحتياطي الأجنبي، ودعم استقرار سوق الصرف الأجنبي، وتقوية العملة المحلية، وأن تساهم بشكل مباشر في توفير المليارات التي توجه لتمويل واردات البلاد الخارجية والبالغة قيمتها، في حالة مصر، أكثر من 70 مليار دولار سنويا، أو سداد الديون المستحقة على البلاد.

وهنا توجه القروض الخارجية لتمويل مشروعات خدمية كالكهرباء والطاقة والتنقيب عن النفط والغاز حتى نقلل من كلفة واردات الطاقة البالغة 110 مليارات جنيه في أخر عام مالي، أو تمويل مشروعات زراعية تساهم في الحد من واردات الأغذية واللحوم والزيوت والسلع التموينية خاصة القمح الذي تعد مصر أكبر مستورد له في العالم.

- الشرط الثالث، وهو الأهم، ويتعلق بقدرة الدولة على سداد ديونها الخارجية في المواعيد المحددة ومن مصادرها الذاتية دون أن تلجأ للاقتراض لسداد قروض قائمة أو الدخول في مفاوضات مع بعض الدائنين لتأجيل سداد ديون مستحقة.

لكن هل هذه الشروط تنطبق على مصر؟

بالطبع لا، لعدة أسباب أبرزها أن الحكومة المصرية تقترض من الخارج لأغراض محددة أبرزها:

1- لسداد عجز الموازنة العامة الذي فاقت قيمته 370 مليار جنيه "ما يزيد عن 21 مليار دولار" في أخر عام مالي 2016-2017.

2- لتغطية الفجوة التمويليلة البالغة نحو 20 مليار دولار في سنوات سابقة، وقدرها وزير المالية عمرو الجارحي بما يتراوح بين 10 و12 مليار دولار عن العام المالي الحالي 2017-2018 .

3- لتغذية الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي المصري، والبالغ حاليا أكثر من 36 مليار دولار، وهو ما يساعد السلطة النقدية في إدارة سوق الصرف بكفاءة والحد من المضاربات على العملة الوطنية.

4- والأخطر من ذلك أن الحكومة بدأت الاقتراض لهدف رابع وهو سداد ديون خارجية مستحقة على الدولة، وهنا تكمن الخطوة، لأن البلاد بذلك تدخل في دوامة القروض الجهنمية.

والسؤال هنا: ما هي مصادر النقد الأجنبي الحالية، التي ستتيح للحكومة سداد أقساط الديون في المواعيد المحددة؟

لا بد أن نعترف أن الحكومة المصرية لم تتأخر في سداد دين خارجي أو قسط مستحق واحد خلال السنوات الطويلة الماضية، وهي نقطة تحسب لها عند الدائنين الدوليين، وساعد في هذا الالتزام، تدفق النقد الأجنبي على البلاد خاصة من قطاعات حيوية مثل ايرادات السياحة وتحويلات المغتربين والصادرات والاستثمارات الأجنبية وقناة السويس، وهي الايرادات التي كانت تفوق قيمتها 60 مليار دولار سنويا قبل ثورة 25 يناير، لكن ماذا عن الوضع الحالي في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها بعض القطاعات المدرة للنقد الأجنبي؟

لا تكمن خطورة الدين الخارجي في هذه النقطة فقط، بل تكمن فيما هو أخطر وهو رهن القرار المصري للخارج، فلا أحد ينكر أن صندوق النقد الدولي بات له القول الفصل في تحديد أولويات السياسة المالية والاقتصادية المصرية، بما فيها سياسات الدعم، فهو الذي طالب بتعويم الجنيه مقابل الدولار، وبرفع الأسعار، وخفض الدعم المقدم للوقود والكهرباء والمياه، وزيادة الضرائب وفرض ضريبة القيمة المضافة.

السؤال هنا: هل رفضت الحكومة طلبا سابقا للصندوق؟ وهل يمكن أن ترفض طلبات البعثات التي يوفدها الصندوق مرة كل نصف سنة لمراجعة ما تم إنجازه في برنامج الإصلاح الاقتصادي، والذي على أساسه منح مصر قرضاً بقيمة 12 مليار دولار؟

لقد نفذت الحكومة المصرية للصندوق أخطر قرار في تاريخ البلاد وهو تعويم عملتها، فهل سترفض له طلباً بزيادة الضرائب والجمارك وزيادة أسعار البنزين والسولار والكهرباء والغاز والمياه والرسوم في الفترة المقبلة؟

المساهمون