حكومة لبنان الجديدة... رؤية اقتصادية رهينة التوافق السياسي

حكومة لبنان الجديدة... رؤية اقتصادية رهينة التوافق السياسي

04 يناير 2017
توافق بين رئيسي الحكومة والجمهورية (رتيب الصفدي/الأناضول)
+ الخط -
شكل الوضع الاقتصادي المأزوم في لبنان أحد أهم دوافع إنجاز التسوية السياسية التي سمحت باستعادة المؤسسات الدستورية لجزء من حيويتها، بعد عامين ونصف من الشغور الرئاسي. هذا ما عبر عنه رئيس الحكومة سعد الحريري خلال خطاب نيل الثقة أمام البرلمان، والذي استهله بالإشارة إلى "الواقع الاقتصادي الخطير مع تجاوز نسبة الفقر 30%، والبطالة 25%، والبطالة بين الشباب 35%، مع نسبة نمو متوقعة أقل من 2%".
واستبق الحريري الجلسة الحكومة الأولى بعد نيل الثقة، بالإشارة إلى التوافق مع رئيس الجمهوري ميشال عون حول معظم الأمور الاقتصادية، مؤكدا طرح المراسيم التطبيقية لقطاع النفط على جدول أعمال الحكومة.
وإلى جانب المراسيم الخاصة بقطاع النفط تضع حكومة الحريري الثانية (ترأس الأولى عام 2009) ملفا اقتصاديا آخر على رأس أولياتها، وهو إقرار الموازنة العامة لعام 2017 بعد 11 عاما من اعتماد قاعدة صرف استثنائية نتيجة تعطيل الخلافات السياسية إقرار الموازنات.
وتشير رئيسة الهيئة العامة لمجلس إدارة المنطقة الاقتصادية في طرابلس، ووزيرة المال السابقة ريا الحسن، إلى أن الحكومة الجديدة التي تألفت في ظل توافق سياسي واسع قادرة على تحقيق خطوات اقتصادية جدية تسمح بتجاوز الواقع الاقتصادي المأزوم.

وتؤكد الحسن لـ "العربي الجديد" أن التوافق السياسي الذي أدى لانتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة نص على تحييد كافة الأمور السياسية الخلافية وجعل الأولوية لدعم القطاعات الإنتاجية؛ "لأن جميع الأفرقاء مدركون أن الوضع الذي كان قائما بين 2011 و2016 هدد السلامة الاجتماعية ولا يمكن أن يستمر".
وترى وزيرة المال السابقة أن "إقرار مرسومي النفط والغاز وإقرار الموازنة وقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتفعيل قطاع الاتصالات، هي خطوات كافية لتحقيق توازن اقتصادي قصير المدى".

وتشرح أهمية هذه البنود الأربعة التي تؤدي إلى إطلاق مناقصات التراخيص للتنقيب عن النفط والغاز، وبناء رؤية اقتصادية طويلة المدى استناداً إلى أرقام الموازنة المنتظرة، والتي يجب أن تؤدي إلى خفض عجز الموازنة وخفض معدلات الدين مقابل الناتج المحلي، لأن السنوات الماضية شهدت ارتفاعا غير مسبوق في كلفة الدين العام.
وعلى صعيد قطاع الاتصالات تدعم الحسن نظرية رئيس الحكومة القائلة بأن تحرير القطاع سيؤدي لخفض الكلفة وزيادة مساهمة الاتصالات في دعم النمو العام.
ومن المتوقع أن يشهد هذا القطاع تطويرا نوعياً بعد إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، "والذي يسمح بتطوير البنى التحتية في قطاعات الكهرباء والماء والاتصالات، وهي عملية تحتاج لإنفاق كبير يتجاوز قدرة الموازنة العامة"، بحسب الحسن.
وفي مقابل النظرة الإيجابية لانعكاس التوافق السياسي في لبنان على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، يُذكّر مُقرر لجنة المال النيابية، فادي الهبر، بأن "سبب المشاكل الاقتصادية خلال الفترة الماضية في لبنان كان سيف التعطيل الهمجي الذي شهرته قوى الثامن من آذار، وتحديداً حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر، بوجه الموازنات".
ويرى الهبر في حديث لـ "العربي الجديد" أن إقرار موازنة العام الحالي أمر أساسي ولو أتى متأخراً، لأن الدستور ينص على وجوب إقرار موازنة العام التالي في شهر أكتوبر/تشرين الأول.
ويتهم الهبر الأطراف السياسية المشاركة في الحكومة الحالية والتي اعترضت على تشريع الإنفاق دون موازنة بأنها "تسببت في حالة التصدع الاقتصادي عام 2011 من خلال الانقلاب السياسي الذي قادته عبر ظاهرة القمصان السود ثم الاستقالة من الحكومة".
ويؤكد مقرر لجنة المال في البرلمان اللبناني أن "المطلوب مع بداية العهد الجديد خفض المديونية التي قفزت خلال ولاية الرئيس نجيب ميقاتي (2011 - 2013) من 50 مليار دولار أميركي إلى 73 مليار دولار"، وهو أمر لا يمكن القيام به دون تعظيم حجم الاقتصاد من خلال إيجاد خطة متوسطة وطويلة الأجل للإنفاق الاستثماري، وتسريع الإجراءات في قطاع النفط، وعودة الانفتاح على الدول العربية والأوروبية، وفق قوله.
كما يؤكد الهبر أن زيادة الإنفاق الاستثماري أمر حيوي ومطلوب من الحكومة الحالية من خلال الدولة أو المشاركة مع القطاع الخاص، داعياً للاستثمار في كافة القطاعات الاستهلاكية المحلية من صناعة، زراعة، تجارة وخدمات، عبر المواد أو المال أو الطاقة.
وفي خطوة مُتقدمة في زيادة ثقة المجتمع الدولي في لبنان يدعو النائب الهبر لانضمام لبنان إلى "منظمة التجارة الدولية".
ومع ضخامة الآمال المعقودة على الحكومة الحالية، يبقى عمرها الدستوري القصير، والذي ينتهي مع الموعد المُحدد لإجراء الانتخابات النيابية في مايو/أيار المُقبل، عاملاً أساسيا في تحديد قدرتها على تحريك الجمود الاقتصادي في لبنان.