مخيم الزعتري.. سوريون من لاجئين إلى تجّار وحرفيين بالأردن

مخيم الزعتري.. سوريون من لاجئين إلى تجّار وحرفيين بالأردن

21 يناير 2017
التجارة مصدر رزق الكثير من اللاجئين (Getty)
+ الخط -
يدرك اللاجئون السوريون في الأردن أن العودة إلى موطنهم ستستغرق وقتاً فتأهبوا لسنوات أخرى من اللجوء وهم على بعد كيلومترات معدودة من بلدهم سورية التي تنزف دما منذ أكثر من 6 سنوات.

ولم يعد أمام اللاجئين السوريين إلا تحويل التحديات والصعوبات إلى فرص لتجاوز ضائقة العيش وانتظار مساعدات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ومنظمات الإغاثة الدولية التي لا تغطي سوى القليل من احتياجاتهم الأساسية وهي معرضة للانقطاع في أية لحظة أو تخفيضها كما حدث في آخر عامين.

ونجح السوريون في الانتقال إلى مرحلة أفادت الدولة المستضيفة، إذ أضافوا أبعادا اقتصادية واجتماعية وثقافية بدأت تظهر في ملامح الحياة، حسب أقوال أردنيين لـ "العربي الجديد".

وعلى بعد 80 كيلومترا إلى الشمال الشرقي من العاصمة الأردنية عمّان حيث تقع محافظة المفرق تتجسد حكاية اللجوء السوري التي ظهرت مع بداية نزوح السوريين عن بلدهم باتجاه الأردن والفرص التي نتجت عن استضافة هذه المحافظة للعدد الأكبر من هؤلاء اللاجئين.

قامت "العربي الجديد" بجولة ميدانية في مدينة المفرق التي يتجاوز عدد اللاجئين السوريين فيها 203 آلاف لاجئ يقيم معظمهم داخل مخيم الزعتري أكبر مخيم لجوء في الأردن والذي أُعدّ خصيصا ليكون شاهداً على التطور الذي شهدته المدينة منذ بدء تدفق السوريين.

لاجئون منتجون

وبدا اللاجئ السوري وعضو لجنة المفرق المجتمعية، زياد الصمادي، مرتاحاً لتحول النظرة السلبية تجاه اللاجئين باعتبارهم عبئا وحملا ثقيلا في البداية إلى مساهمين فاعلين في تطور المجتمعات المستضيفة لهم.

وقال في حديثه لـ"العربي الجديد" إن "اللاجئين السوريين باتوا اليوم طاقات إنتاجية تساهم في دعم الاقتصاد الأردني وزيادة أعداد المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتشجع الأردنيين على الانخراط في سوق العمل من خلال المشاركة بتلك المشاريع.

وأضاف أن "كثيرا من اللاجئين باتوا يمتلكون مشاريع صغيرة في عدة قطاعات حسب حاجة السوق لإعانتهم على العيش وعدم الاعتماد على المساعدات" .
وأوضح الصمادي أن تلك المشاريع تتمثل في المخابز والأفران الخاصة بإنتاج أصناف معينة من الخبز والمطاعم وإنتاج الألبان بالإضافة إلى زراعة خضروات في المساحات الصغيرة أمام منازلهم، وبيع الفائض عن الحاجة في الأسواق.

وقال الصمادي إن "المفوضية العليا لشؤون اللاجئين تدعم إقامة المشاريع الإنتاجية للاجئين والأردنيين على حد سواء في مناطق اللجوء وهناك قصص نجاح على هذا الصعيد ومشاريع مشتركة بين لاجئين وأردنيين."

وأكد أن الذي شجع اللاجئين على العمل إجراءات وتسهيلات قدمتها لهم الحكومة الأردنية ومنها الإعفاء من رسوم تصاريح العمل.

وقدّر مسؤول في وزارة العمل الأردنية أعداد السوريين الحاصلين على تصاريح عمل بحوالي 40 ألفا فيما يعمل غالبية اللاجئين بدون تصاريح عمل في قطاعات مختلفة.

واشترط الاتحاد الأوروبي على الأردن تشغيل اللاجئين السوريين مقابل تسهيل دخول صادرات إلى الأسواق الاوروبية ضمن قواعد منشأ هي الأبسط على مستوى العالم.
وقال أردنيون إن "اللاجئين السوريين ساهموا في تحسين العديد من القطاعات بوجود منتجاتها بخاصة المطاعم وصناعة الأثاث."

وتحدث الصمادي عن انخراط اللاجئات السوريات بمشاركة أردنيات في الأعمال الإنتاجية وذلك بتعزيز المطابخ في المنازل.

وقال إن سيدات سوريات وأردنيات يتشاركن في هذه المطابخ لإنتاج مختلف أصناف الأطعمة وبيعها للمحال التجارية، وكذلك تلبية طلبيات الزبائن وهناك المئات من السيدات يعملن بهذا المجال حاليا في محافظة المفرق ومناطق أخرى مستضيفة للاجئين السوريين".

بصمات واضحة

قال رئيس غرفة تجارة المفرق عبد الله الشديفات لـ "العربي الجديد" إن "اللاجئين السوريين لهم بصمات واضحة في التطور الذي شهدته مدينته في السنوات الأخيرة من حيث مهاراتهم العالية في مختلف المجالات، كما أنعشوا الحركة التجارية وحلوا مشكلة بعض القطاعات التي كانت تعاني من نقص الأيدي العاملة والتي لا يُقبل الأردنيون على العمل فيها".

وأشار الشديفات إلى وجود محال تجارية داخل مخيم الزعتري ومتاجر كبرى لتوفير المواد والسلع للاجئين كما يوجد إقبال كبير على المحلات التجارية للسوريين خارج المخيم.

وأضاف أن "بعض الممارسات السلبية انتهت الآن مثل المتاجرة بكوبونات الدعم المقدمة للاجئين حيث كان بعضهم يبيع الكوبون بنصف الثمن مقابل الحصول على النقد ما أوجد فئة استغلت اللاجئين وأصبح داخل المخيم اليوم متاجر كبيرة ترفض مثل هذه التعاملات".

وقال الشديفات إن "اللاجئين السوريين في بداية سنوات اللجوء رتبوا أعباء كبيرة على البلاد بشكل عام ومحافظة المفرق بشكل خاص، إلا أن الأمور بدأت تتحول إلى صالح المحافظة مع مرور الوقت عقب اتجاه السوريين إلى أعمال ذات قيمة مضافة لاقتصاد البلاد.

وأوضح أن الأردن فتح أبوابه للاجئين السوريين رغم التحديات التي يعاني منها وتحمل الكثير في الوقت الذي يجب فيه على المجتمع الدولي القيام بواجباته كما يجب تجاه اللاجئين والوقوف إلى جانب بلدنا.

وأعلن الأردن الخميس الماضي خطة الاستجابة للأزمة السورية للسنوات الثلاث المقبلة بكلفة تمويلية مقدرة بحوالي 7.6 مليارات دولار وذلك لمواجهة التحديات الناتجة عن استضافة أكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري.

وقال رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي إن "أزمة اللاجئين وحسب ما هو متوقع تحتاج إلى 10 سنوات حتى يعودوا إلى بلادهم" والتي تحتاج حسب قوله إلى 10 سنوات أيضا لإعادة الإعمار في سورية.

التحديات والفرص

الناشط السياسي محمد الفاعوري قال لـ "العربي الجديد" إن "اللاجئين السوريين استطاعوا تحويل التحديات بالفعل إلى فرص وساهموا في تطور المناطق التي يتواجدون فيها" .

وأضاف الفاعوري:" في محافظة المفرق تجد إسهامات اللاجئين جلية للعيان كالحركة الاقتصادية النشطة وخاصة في مجالات التجارة والصناعات الصغيرة والمتوسطة والعمران والمطاعم والزراعة وغيرها."

وقال الفاعوري: "بالأمس كنا نعاني من نقص العمالة الماهرة واليوم تزخر المفرق بالإمكانات الكبيرة لدى اللاجئين السوريين وخاصة في المجالات العمرانية حيث أضافوا طابعا خاصة في المدينة".

وأضاف أن "اللاجئين السوريين لم يقتصر عملهم داخل المدينة بل إن المقيمين منهم داخل المخيمات أنشأوا صناعات صغيرة ومتوسطة في مجالات صناعة الأثاث والمواد الغذائية ويتم بيع المنتجات للمجتمع المحلي بمواصفات جودة عالية وأسعار مناسبة" .

وأشار الفاعوري إلى وجود حوالي 400 محل تجاري ومنشأة صناعية صغيرة داخل مخيم الزعتري فقط إذ يقوم أهالي المفرق وسكانها بالشراء منها بموجب تصاريح دخول يحصلون عليها يوميا من الجهات الأمنية المختصة.

تشجيع المفوضية

أكد المتحدث باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأردن علي بيبي في تصريحات لـ "العربي الجديد" أن من صلب عمل المفوضية دعم وتشجيع الأعمال الإنتاجية للاجئين لإعانتهم على العيش وتحسين أوضاعهم في مكان اللجوء.

وقال إن "هناك العديد من المشاريع الإنتاجية الصغيرة التي يملكها لاجئون وتساهم في تحسين أحوالهم المعيشية".

وأشار بيبي إلى أن المجتمع الدولي مطالب بزيادة مساعداته للاجئين السوريين وكذلك مساعدة الحكومة الأردنية لإعانتها على تحمل أعباء اللجوء.

وأعلنت المفوضية، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، أن أعداد اللاجئين السوريين المدرجين في سجلاتها داخل المملكة، بلغت 655 ألف لاجئ.

وأوضح بيبي، أن "عدد اللاجئين السوريين المدرجين لدى سجلات المفوضية حتى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بلغ 655 ألفاً و14 لاجئاً".

وأكد أن 513 ألفاً و625 لاجئاً يقيمون داخل المدن الأردنية، في حين يقيم الباقون وعددهم 141 ألفاً و389 لاجئاً داخل المخيمات الخاصة بهم، وسُجل 47 ألفاً و986 لاجئاً خلال العام الجاري".

ويضم الأردن خمسة مخيمات، أكبرها الزعتري، والمخيم الإماراتي المعروف بـ"مريجيب الفهود"، والأزرق، والحديقة في الرمثا، و"سايبر ستي" الذي يؤوي عدداً من فلسطينيي سورية بالإضافة إلى سوريين.

ويعتبر الأردن الذي يزيد طول حدوده مع سورية عن 375 كيلومترا، من أكثر الدول استقبالاً للاجئين السوريين الفارين من الحرب، إذ يوجد فيه نحو مليون و390 ألف سوري، قرابة نصفهم مسجلون بصفة "لاجئ" في سجلات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، في حين أن 750 ألفاً منهم دخلوا قبل الأزمة، بحكم العلاقات التجارية.

وعقد منذ أكثر من 4 شهور، اتفاق تبسيط قواعد المنشأ لتسهيل دخول المنتجات الأردنية إلى الأسواق الأوروبية مقابل تشغيل اللاجئين السوريين، إلا أنه واجه العديد من العقبات أبرزها إحجام السوريين عن الإقبال على العمل في المصانع. ويتضمن الاتفاق، تشغيل المصانع للسوريين مقابل السماح لها بتصدير منتجاتها للأسواق الأوروبية بسهولة ويسر.

وأبدى اللاجئون السوريون في الأردن مخاوف من انقطاع المساعدات الدولية التي تقدمها لهم مفوضية اللاجئين، في حالة العمل في وظائف رسمية بالقطاع الصناعي، خاصة مع ضعف الأجور المقدمة لهم.

وشمل اتفاق تبسيط قواعد المنشأ بين الأردن والاتحاد الأوروبي الذي جاء نتاجا لمؤتمر لندن للمانحين، 18 منطقة ومدينة تنموية وصناعية في كافة أنحاء البلاد، وبإمكان منتجاتها التصدير إلى الأسواق الأوروبية في حالة تحقيق شرط تشغيل اللاجئين. وتشمل التسهيلات ما يعادل تخفيض القيمة المضافة إلى 30% بدلا من 50 إلى 65% كما كان سابقا.

وقال رئيس جمعية المصدرين الأردنيين، عمر أبو وشاح، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، إن تشغيل اللاجئين السوريين في المصانع يحتاج إلى جهد مشترك من قبل القطاع الصناعي والجهات الحكومية المعنية ومفوضية اللاجئين، بحيث يتم إقناع السوريين بالعمل في المصانع مع استمرار حصولهم على المساعدات، ويميل الميزان التجاري بقوة لصالح الاتحاد الأوروبي، حيث بلغ نحو 4.2 مليارات دولار العام الماضي.

وأقر مجلس النواب الأردني، الخميس الماضي، قانون الموازنة العامة للدولة لسنة 2017، والمتضمنة زيادة إيرادات الخزينة بقيمة 450 مليون دينار أردني (637 مليون دولار).

المساهمون