أزمة فصل عمالة سعودية في القطاع الخاص

أزمة فصل عمالة سعودية في القطاع الخاص

14 يناير 2017
توقعات بزيادة البطالة إلى 12.5% (العربي الجديد)
+ الخط -
فتحت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية تحقيقاً لمعرفة ملابسات فصل شركة محلية أكثر من 1200 موظف سعودي نهاية الأسبوع، من دون سابق إنذار. وأكد المتحدث الرسمي للوزارة، خالد أبا الخيل، أول من أمس، أنهم "يتابعون الموضوع باهتمام، ومستمرون في التحقق من ذلك"، الأمر الذي أثار مخاوف محللي اقتصاد من تزايد الظاهرة خلال الفترة المقبلة في ظل استغلال ثغرات قانونية تتيح للشركات فصل المواطنين بدون سابق إنذار.

وكانت شركة عبد اللطيف جميل، والتي تعدّ أكبر شركة سيارات في السعودية ومنطقة الخليج، قد قررت فصل أكثر من 1200 موظف سعودي الخميس الماضي، بحجة تقليص النفقات، لتنضم بذلك إلى عشرات الشركات التي قررت فصل موظفين سعوديين خلال الأشهر الستة الماضية، حسب محللين اقتصاديين.

ولا توجد بيانات رسمية حول عدد الموظفين الذين جرى تسريحهم في الأشهر التسعة الماضية، غير أن مصدراً في التأمينات الاجتماعية، رفض ذكر اسمه، أكد لـ"العربي الجديد" أن ما لا يقل عن 130 ألف موظف سعودي باتوا بلا عمل في علم 2016 بسبب تسريحات العمالة من القطاع الخاص، كثير منهم من ذوي الرواتب الكبيرة، والشهادات العليا.

ثغرات قانونية

استغلت الشركات التعديلات الجديدة في نظام العمل التي تعطيها حق فصل الموظف دون سابق إنذار أو سبب مشروع، والاكتفاء بدفع تعويض يمثل راتب نصف شهر عن كل سنة عمل فيها الموظف في الشركة، من دون أية التزامات أخرى، حسب المحللين.

وعلى الرغم من أن وزير العمل السابق، مفرج الحقباني، أكد، بعد إصدار النظام الجديد، أنهم لن يسمحوا للمنشآت الخاصة باستغلال المادة 77 من نظام العمل الجديد لفصل الموظف السعودي وإبقاء العامل الوافد، مشدّداً آنذاك على أن "وزارة العمل ستتابع بشكل أسبوعي ما تقوم به المنشآت في إطار هذه المادة التي نحرص على ألا تلغي حقاً قائماً"، إلا أنه منذ شهر يوليو/تموز الماضي تسارعت وتيرة تسريح الموظفين السعوديين بشكل ملحوظ، حسب المحللين.

وفي هذا السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي محمد الحمود لـ "العربي الجديد" أن "الأزمة المالية التي تمر بها البلاد انعكست بشكل سلبي على الاقتصاد المحلي والعمالة السعودية، ولكن تحويلات الوافدين لم تتأثر كثيراً بل إنها وصلت إلى أكثر من 157 مليار دولار في عام 2016، ومرشحة للارتفاع أكثر".

ويستدل الحمود بأن حالات الفصل الأخيرة في شركة عبد اللطيف جميل طاولت السعوديون فقط، في وقت يعمل في الشركة أكثر من 70 ألف عامل وافد. ويضيف: "علينا ألا نخدع أنفسنا، فوزارة العمل هي من أعطى الشركات الحق في فصل الموظفين السعوديون، من خلال تعديلات نظام العمل التي لم توفر الحماية الكافية للمواطنين".

علاج الخلل

من جهته، طالب المحلل المالي عبد الحميد العمري وزارة العمل بسرعة التدخل لعلاج الخلل وإيقاف العمل بشكل عاجل بالمواد 64 و75 و77 المثيرة للجدل، والتي استغلتها الشركات لإبعاد الموظفين السعوديون تحديداً، بحجة الأوضاع الاقتصادية.

ويقول العمري لـ"العربي الجديد": "قيام منشآت القطاع الخاص بالاستغناء عن العمالة الوطنية، استنادا لتلك المواد بداعي تقليص التكاليف، تكيفا مع انخفاض الإيرادات له مخاطر كارثية على الاقتصاد والمجتمع بكل ما تعني الكلمة، وسنرى الآن أن هناك خيارات أخرى أفضل، لتجاوز التحديات التي يمر بها القطاع الخاص".

ويشدّد العمري على أن أهم الخيارات هو أن يُقر مجلس الوزراء بتعليق العمل نهائيا بتلك المواد، وبأي مواد مشابهة، تمهيداً لمراجعتها وتعديلها في أقرب وقت. ويتابع متسائلا: "لدينا عمالة وافدة تتجاوز عشرة ملايين عامل، فلماذا بدأ القطاع الخاص بالتضحية بالسعوديين الذين لا يشكلون سوى 17% فقط من الموظفين، وفي المقابل نراه يُفرط في الاستقدام من الخارج بملايين الوافدين".

وكانت الحكومة قد أقرّت، أخيراً، رسوماً على العمالة بدءاً من عام 2018، إذ سيتم فرض
رسوم على كل عامل في الشركات التي تزيد فيها العمالة الوافدة عن الموظفين السعوديين بمقدار 400 ريال شهرياً عن كل عامل، وترتفع سنوياً لتصل في عام 2020 إلى 800 ريال.

كذلك قررت الحكومة فرض رسوم على المرافقين للوافدين بمقدار 100 ريال عن كل مرافق شهرياً، ومن المقرر أن تزيد رسوم المرافقين بشكل سنوي إلى أن تصل إلى 300 ريال عن كل مرافق في عام 2019، وسيكون تحصيل هذه الرسوم عن طريق الجوازات، عند تجديد الإقامة السنوية للعامل.

ويؤكد العمري أن قضية فصل السعوديين لا تقف عن عبد اللطيف جميل فقط، بل تشمل جميع منشآت القطاع الخاص دون استثناء، مضيفاً: "القضية مرتبطة باستقرار اقتصاد ومجتمع بأكمله، ومن المؤسف والمخجل جداً من يقوم بترتيب واتخاذ وصناعة قرارات الاستغناء عن العمالة الوطنية استناداً لتلك المواد".

ويحذر الخبير المالي من أن زيادة معدل البطالة بين السعوديين ستمثل صدعاً خطيراً لقاعدة الاقتصاد والمجتمع، ويتابع: "سنواجه مخاطر لا قدرة للتعامل معها أهمها زيادة العاطلين والأُسَر الفقيرة بسبب ارتفاع معدلي الفقر والبطالة، وتفاقم معدلات الجريمة بكافة أنواعها، وانكشاف القطاع المالي في ظل تعثر المقترضين الأفراد عن السداد بعد فقدهم أعمالهم، وتعريضه لأزمات خطيرة تزعزع الاستقرار المالي والاقتصادي".
و"كل هذا مجرد بعض المخاطر وليس كلها، وعلينا الإسراع بالتدخل لإيقاف مقدمات هذه الكوارث الاقتصادية والاجتماعية قبل فوات الأوان"، حسب كلامه.

خطورة كبيرة

يعتقد محللون اقتصاديون أن خطورة هذه التسريحات تكمن في استهدافها السعوديين فقط، بحجة أن رواتبهم عالية، وأن العامل الوافد أقل تكلفة، وهو ما سيقود لتبعات سلبية على الاقتصاد بشكل أوسع.

وفي هذا الشأن، يقول رئيس شركة تيم ون للاستشارات، عبد الله باعشن، لـ"العربي الجديد": "المثير للقلق أن غالبية التسريحات طاولت السعوديون تحديدا، لأن رواتبهم تعتبر كبيرة مقارنة بالوافدين، وبالتالي تفضل الشركة الاستغناء عنهم، مستغلة بعض الثغرات القانونية".

ويضيف: "لا أحد يستطيع أن يعاقب الشركات التي تفصل السعوديين لأن النظام يسمح لهم بذلك، خاصة أن غالبية الشركات لم توظف السعوديين إلا للحصول على تأشيرات لاستقدام عمالة وافدة، بناء على برنامج نطاقات الذي شوه قطاع العمل في البلاد، وحتى لو حاولت وزارة العمل التدخل، فلن تستطيع لأنها هي من سن القانون على الرغم من كثرة التحذيرات التي أطلقها الاقتصاديون قبل إقراره، ولكنها أصرت عليه بعناد".

ويتابع: "كانت النتيجة أن غالبية المسرحين هم من السعوديين تحديداً، بينما يتم منح الوافد فرصة لنقل عملة لشركة أخرى ترحب به، على عكس السعودي الذي لا يجد من يقوم بتوظيفه بسهولة".

ووفقا لتقديرات الهيئة العامة للإحصاء فإن إجمالي الأجانب المقيمين في المملكة بلغ نحو 11.6 مليون مقيم، العاملون منهم نحو 7.4 ملايين شخص والمرافقون 4.2 ملايين.
وأكد باعشن أن الآثار لن تقتصر على الموظفين وعائلاتهم فقط، بل ستطاول حتى النظام المصرفي في البلاد، لأنهم سيتوقفون عن دفع أقساط قروضهم البنكية.

وحسب بيانات مؤسسة النقد السعودية، فإن 93% من الموظفين السعوديين مدانون للبنوك، فيما تؤكد بيانات رسمية للشركة السعودية لمعلومات الائتمان (سمة) أن 92% من الموظفين السعوديين مقترضون من البنوك، وبلغت نسبة القروض الاستهلاكية مع نهاية 2016 نحو 102 مليار دولار، فيما بلغت القروض العقارية 29.5 مليار دولار ومن بطاقات الائتمان 3.9 مليارات دولار، ومع إضافة قروض للسيارات وبنك التسليف والصندوق العقاري ستصل إلى أكثر من 120 مليار دولار.

وهناك مخاوف كبيرة من ارتفاع مستوى الديون المعدومة والتي وصلت في العام الماضي إلى نحو 1.7 مليار دولار، حسب مراقبين.

أزمة ركود

وشهد الاقتصاد السعودي في عام 2016 إحدى أصعب الفترات منذ عقود مع تباطؤ النمو ومحاولة الحكومة خفض عجز الموازنة الذي بلغ مستوى مرتفعا عند 279 مليار ريال (نحو 79 مليار دولار)، ومع توقعات أن يستمر العجز في عام 2017 إلى نحو 84 مليار دولار. ويتوقع أن تُعلن السعودية عن العديد من القرارات الجديدة أهمها رفع جديد لأسعار الطاقة والوقود، وتطبيق الرسوم الجديدة على العمالة الأجنبية، سيكون القطاع الخاص على موعد مع المزيد من الضغوط.

ومنذ منتصف 2016 عانت معظم الشركات السعودية وحتى العملاقة منها، من ركود وتراجع كبير في مبيعاتها، خاصة في التجزيئية والسيارات، والعقارات، بسب ضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين، نتيجة لسلسة من القرارات الاقتصادية الصعبة، ولجأت معظم الشركات الكبيرة لتقليص نفقاتها، فكانت الحصيلة موجات متسارعة من تسريح الموظفين، طاولت سعوديين ووافدين.
وفي هذا الإطار، يؤكد المحلل المالي ربيع سندي أن الأزمة ما زالت في بدايتها، متوقعا أن نشهد المزيد من حالات التسريحات.

ويقول سندي لـ"العربي الجديد": "مع قرار فرض رسوم على العمالة الأجنبية وارتفاعاها سنواجه إغلاقاً لأكثر المشاريع الصغيرة والمتوسطة لأنها لن تستطيع الإيفاء بالمتطلبات المالية الجديدة، ولهذا سيحمل عام 2017 كثيراً من المفاجآت السلبية لموظفي القطاع الخاص، السعوديين تحديداً، ما لم تتدارك وزارة العمل أخطاء اللائحة الجديدة وموادها المجحفة، وتلغي المثير للجدل منها، والتي تعطي صاحب العمل الحق في فصل الموظف السعودي وإلغاء عقده دون سبب، فقط لتوفير راتبه الزهيد أصلا". ويضيف: "ما زلنا في شهر يناير/كانون الثاني لكن استمرار عمليات تسريح سعوديين في بعض المنشآت يوحي أن العام الحالي مخيب. إن الوعود بتقليص البطالة لن تتحقق بل ستزيد أكثر، خاصة أن وزير العمل السابق أرجع وصول رقم البطالة لـ12.1% إلى بدء الشركات في تسريح الموظفين السعوديين".

وتوقع سندي أن ترتفع البطالة في ظل تأزم الأوضاع الاقتصادية إلى أكثر من 12.5% قبل منتصف العام".

ويشدّد سندي على أن ما حدث من فصل سعوديين من شركة بالقطاع الخاص الأسبوع الماضي ليس مجرد حالة فردية فقط، فهناك حالات شهدتها عدة قطاعات، خاصة المقاولات والبنوك، وكانت حصيلتها النهائية تكريس التفريط بالمواطن مع الاحتفاظ بسواه، دون أن تتحرك الوزارة".

ويضيف: "طالبنا مراراً وتكراراً بإعادة النظر في القانون لأنه جعل فصل العمال بثمن بخس، فالهدف ليس تقليص النفقات، بل زيادة أعباء المواطن".




المساهمون