الليرة التركية تواصل الهبوط وشكوك حول تعافيها في 2017

الليرة التركية تواصل الهبوط وشكوك حول تعافيها في 2017

11 يناير 2017
دعوات لرفع أسعار الفائدة لمواجهة انخفاض الليرة(Getty)
+ الخط -

هبطت الليرة التركية 2.5% مقابل الدولار، اليوم الأربعاء، والتي فقدت 9% من قيمتها منذ بداية العام. وسجل سعر الليرة، اليوم، 3.8950 ليرات للدولار، قبل أن تنتعش قليلا إلى 3.8691 ليرات، بحلول الساعة 05.33 بتوقيت غرينتش.

وجاءت الانخفاضات المتتالية التي سجلتها الليرة، خلال الأيام القليلة الماضية، بالتزامن مع أحداث سياسية، حيث ناقش البرلمان التركي تعديلات دستورية تزيد من صلاحيات الرئيس وتتجه بالنظام التركي نحو النظام الرئاسي.

يضاف إلى ذلك الأحداث الأمنية التي مرت بها البلاد، ومنها العملية الإرهابية التي استهدفت ملهى ليليا في إسطنبول، ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة، والهجوم الذي استهدف إحدى المحاكم بولاية أزمير.

تحركات المركزي

تتحرك البنوك المركزية في العالم لمواجهة انخفاض عملتها في اتجاهين: إما أن ترفع سعر الفائدة على الودائع والإقراض بالعملة المحلية، أو تطرح في السوق جزءا من احتياطيها من النقد الأجنبي لزيادة عرض العملة الأجنبية، ومن ثم إعادة التوازن للعملة المحلية.

البنك المركزي التركي قام مؤخرا بتحرير ما يصل إلى 1.5 مليار دولار من السيولة النقدية من العملة الأجنبية للبنوك، من خلال السماح لتلك البنوك بتقليل حجم العملات الأجنبية التي ينبغي أن تحتفظ بها في الاحتياطي.

أما بيع جزء من الاحتياطي النقدي الأجنبي، فإن وكالة (رويترز) ترى، في تقرير لها، اليوم، أن تركيا لا تملك رفاهية الاغتراف من احتياطياتها لتثبيت الليرة، خاصة مع هبوط الليرة إلى مستوى قياسي جديد، لتصبح أسوأ العملات أداء في الأسواق الناشئة الكبرى أمام الدولار. ومن ثم، فإن المحللين يرون أن الحل المثالي هو رفع أسعار الفائدة، والذي يمثل الخيار الوحيد أمام البنك المركزي، لكن الحكومة تعارض بشدة اتخاذ أي خطوة من شأنها الإضرار بالنمو الاقتصادي.

ووفقا للوكالة، فإن الاحتياطيات التركية من العملة الصعبة تبدو في مستوى صحي، إذ تظهر بيانات البنك المركزي أن إجمالي الاحتياطيات بلغ نحو 106 مليارات دولار في نهاية 2016. غير أن الذهب يمثل 14 مليارا من هذا المبلغ، كما أن البيانات التفصيلية للرقم الإجمالي تكشف عن صورة أقل وردية من ذلك، لاسيما عند مقارنة الأرقام بحجم المبلغ الذي يتعيّن على تركيا سداده من ديونها الخارجية، في الأشهر المقبلة.




وتقدّر حسابات أجراها بنك يو.بي.إس وبنوك أخرى في لندن وإسطنبول بناء على بيانات البنك المركزي، أن المستوى الحقيقي للاحتياطيات القابلة للاستخدام أقرب إلى 35 مليار دولار.


وقال مانيك نارين، خبير الاستراتيجية في بنك يو.بي.إس، "حرفيا جانب كبير من هذا المال لا يمكن للبنك المركزي استخدامه... جانب كبير منه احتياطيات للبنوك التجارية مودَعة لدى البنك المركزي".

وقدّر، بناء على حساباته، أن 42 مليار دولار تتمثل في ودائع احتياطية إلزامية بالعملة الصعبة أودعتها البنوك التركية لدى البنك المركزي، مقابل ما تقدمه من قروض بالدولار داخل البلاد.

وقدّر أيضا أن 16 مليار دولار أخرى تتمثل في "آلية خيارات الاحتياطيات" التي تسمح للبنوك بالاحتفاظ بجزء من احتياطياتها من الليرة بالنقد الأجنبي.

وقال نارين إنه "عندما تزداد سخونة الأوضاع، عليهم أن يلجؤوا إلى الدفاع التقليدي من خلال أسعار الفائدة، لأن لديهم- بأي مقياس- واحدا من أدنى مستويات ملاءة الاحتياطيات في الأسواق الناشئة... سيتسببون في قدر كبير من القلق في الأسواق إذا أفرطوا في السحب من الاحتياطيات".

ومن الممكن قياس مدى كفاية الاحتياطيات بعدة وسائل. إحدى هذه الوسائل تتمثل في عدد الشهور التي تكفي فيها الاحتياطيات لتغطية الواردات، حيث يقدر أن الحد الأدنى الآمن هو ثلاثة شهور.



وتبين حسابات بنك أوف أميركا ميريل لينش، أن تركيا يمكنها أن تمول واردات تكفي 5.6 أشهر، بافتراض أن مستوى الاحتياطيات يقارب 100 مليار دولار.

وتستلزم الوسيلة الثانية، المبنية على قاعدة تسمى جيدوتي- جرينسبان، ألا تقل الاحتياطيات عن مدفوعات الدين الخارجي في السنة المقبلة.

والمنطق وراء هذه القاعدة أن تمتلك الدول حماية كافية تتيح لها مقاومة أي توقف مفاجئ في التمويل الخارجي.

وقدّر بنك أوف أميركا ميريل لينش، أن إجمالي الدين الخارجي التركي يبلغ 421 مليار دولار، منها 107.3 مليارات دولار يحل أجلها في العام المقبل.

ويتساوى هذا المبلغ الأخير تقريبا مع الرقم العام للاحتياطيات، لكنه يزيد ثلاث مرات عن مستوى الاحتياطيات القابلة للاستخدام.

وبهذا المعيار، تصبح ملاءة الاحتياطيات لدى تركيا أقل منها في دول مثل مصر وأوكرانيا.

ويشير محللون آخرون إلى أن تركيا دأبت على طرح دولارات في السوق، رغم أنها قد لا تتدخل في أسواق النقد.

وقال مراد توبراك، خبير الاستراتيجية في بنك اتش.إس.بي.سي، إن الهبوط المطرد في الاحتياطيات - والذي قدّر بمبلغ ستة مليارات دولار في شهري نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول، يجب النظر إليه في ضوء تخفيضات في متطلبات الاحتياطيات بالعملة الصعبة لدى البنوك.

وخفض البنك المركزي التركي مستوى هذه المتطلبات مرة أخرى هذا الأسبوع، وقدّر أن ذلك سيؤدي إلى ضخ 1.5 مليار دولار في الأسواق.

وقال توبراك "لذا، فإن البنك المركزي يستخدم احتياطياته لضخ سيولة دولارية في النظام".

وأضاف "ليس بوسعنا أن نؤكد أنهم لن يتدخلوا في أسواق الصرف الأجنبي بسبب المستويات الحالية للاحتياطيات، لكن من الواضح أن الذخيرة لديهم محدودة".

وعلى أي حال، فإن آثار التدخل في أسواق العملة عادة ما تكون قصيرة العمر، فعلى الرغم من ضخامة ما طرحته المكسيك مؤخرا للبيع من الدولارات، فقد انخفض البيزو إلى مستويات قياسية، يوم الجمعة، فيما يشير إلى أن من الأفضل لتركيا أن تلجأ إلى زيادة كبيرة في أسعار الفائدة.

ومع ذلك، دعا الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ومستشاروه، مرارا، إلى خفض أسعار الفائدة لتنشيط النمو الاقتصادي، بل إن البعض ردد أن زيادة كلفة الاقتراض بمثابة التآمر على الدولة.


سيناريو تشاؤمي

وكالة بلومبرغ، من جهتها، وفي تقرير لها اليوم، وضعت سيناريو تشاؤميا لمستقبل الليرة التركية خلال عام 2017، وعزت ذلك إلى تفاقم الوضع السياسي وارتفاع التضخم وتقاعس البنك المركزي.

ووفقا للوكالة، فإن الليرة تراجعت بنسبة 8.6% خلال الأسبوع الأول من العام الجاري، إضافة إلى انخفاض بلغ 17% خلال العام 2016.

وانتقدت الوكالة تعامل البنك المركزي التركي مع انخفاض العملة، فبدلا من رفع الفائدة قرر محافظ البنك، مراد ستينكايا، بضغوط سياسية، خفض معدل الفائدة بما مجموعه 250 نقطة أساس، منذ مارس، قبل رفع سعر الإقراض لليلة واحدة بمقدار 25 نقطة أساس، ولمدة أسبوع بمقدار 50 نقطة.

ووفقا للوكالة، فإن ضعف العملة يغذّي التضخم، ومن ثم تسارع نمو أسعار المستهلكين إلى 8.53%، الشهر الماضي، وهو أكثر من 3.5 نقطة مئوية فوق المستوى المستهدف للبنك المركزي.

وتنقل عن خبراء ائتمان توقعهم أن يرتفع التضخم إلى 12% هذا العام، ومن ثم ينصحون المستثمرين بعدم شراء السندات بالعملة المحلية.



وتقول الوكالة إن الأتراك الذين استجابوا لدعوة أردوغان ببيع الدولار وشراء الليرة فقدوا 6.6 % من قيمة مدخراتهم، لتراجع قيمة العملة المحلية.

وتضيف الوكالة، أن الأزمة الأكبر واجهت الشركات التي اقترضت بالدولار ومطالبة بسداد ديونها به، كما أن هناك فجوة بين موجودات الشركات المقومة بالدولار والأصول المملوكة لها.

وارتفع الفرق بين المطلوبات والموجودات الأجنبية لقطاع الشركات إلى مستوى قياسي 213 مليار دولار، اعتبارا من سبتمبر.

وللسياسة دور أيضا في تراجع قيمة العملة التركية. فوفقا للوكالة، فإن المحاولة الانقلابية الفاشلة في يوليو 2016 وما تبعها من حملات تطهير وفرض للطوارئ والمواجهة مع الانفصاليين الأكراد في الجنوب وتعرّض تركيا لسلسلة من الهجمات الإرهابية في المدن الكبرى من قبل المقاتلين الأكراد وتنظيم الدولة، كلها ساهمت في تراجع العملة، وهي من جهة أخرى أزمات لم تنتهِ بعد.

ويضيف التقرير، أن خفض السيولة قد لا يفيد في مواجهة انخفاض العملة. وبنظرة لتداول العملة، خلال الأسبوع الماضي، يتضح أن حجم التداول كان بسيطا، وظهر خلاله انخفاض قيمة العملة في الأسواق العالمية، من طوكيو حتى لندن.

رئيس هيئة تفتيش وتنظيم المصارف في تركيا، محمد علي آقبان، قلل من مخاوف تراجع قيمة الليرة، مشيرا إلى أنها لم تصل بعد إلى المستوى المقلق أو المؤثر على الشركات، وهو النهج الذي يتخذه السياسيون أيضا في موقفهم مما تتعرض له العملة، حيث يلقون باللوم على المضاربين.

ومما يغذي القلق، وفقا للوكالة، أن يستمر صناع السياسات في البنك المركزي، في اجتماعهم المقبل 24 يناير الجاري، في مقاومة دعوات السوق لرفع أسعار الفائدة.

 
(العربي الجديد)

المساهمون