سوق "الجوالات" في غزة .. رزق مؤقت للعاطلين

سوق "الجوالات" في غزة .. رزق مؤقت للعاطلين

30 سبتمبر 2016
مشهد من سوق الهواتف الجوالة (عبدالحكيم أبورياش،العربي الجديد)
+ الخط -
قَصَد الشاب الفلسطيني، عماد صُبح (28 عاماً)، سوق الهواتف النقالة المستخدمة (الجوالات) في مدينة غزة، لاقتناء جهاز بعد أن كُسِر جهازه القديم، وبدأ بالبحث عن جهاز يحمل المواصفات التي أرادها بسعر زهيد يتناسب مع وضعه، حتى وجد ضالته لدى أحد الباعة المتجولين، وكان يحمل مجموعة أجهزة متنوعة.
واقتنى صبح جهازاً مستخدماً لفترة بسيطة، والمفاصلة بينه وبين البائع الجائل أفضت إلى تبديل الجهاز القديم بالجديد، ودفع فرق 300 شيكل (80 دولاراً أميركيّاً). ويقول صُبح إن الأسعار في سوق الجوالات المستخدمة تختلف إلى حد ما عن أسعار المتاجر الرسمية.
تلك العملية تتكرر عشرات المرات داخل سوق الجوالات المستعملة والجديدة، المكتظ بمئات الباعة والمشترين، والذي يشهد حالات فِصال وشد وجذب، تنجح مرة وتفشل مرة، إذ يقصد ذلك السوق مواطنون بسطاء، يرغبون في شراء، أو بيع، أجهزة.
التناقض هو سيد الموقف في سوق الجوالات، الذي يفتتح أبوابه يومي الجمعة والسبت من ضمن سوق "اليرموك" الشعبي، والذي يحوي أجهزة غالية الثمن، وأخرى بسيطة، كذلك باعة يملكون مجموعة كبيرة من الأجهزة، وآخرين جاؤوا لبيع أجهزة شخصية من أجل التغلب على صعوبات الحياة، ومجموعة "بسطات" تبيع مختلف أنواع الأجهزة، وقطع التصليح، وإكسسوارات الجوالات.
ويقول البائع، أبو محمد أبو قادوس، وهو صاحب بسطة صغيرة بها مجموعة جوالات مستخدمة، إنه بدأ بالبيع داخل السوق منذ 4 سنوات، مضيفاً: "يرتاد هذا السوق أصحاب الدخل البسيط، والعاطلون عن العمل، منهم من يقتني أجهزة، ومنهم من يسترزق من بيعها وشرائها".
ويوضح لـ "العربي الجديد" أن الأوضاع الاقتصادية السيئة، التي يمر بها قطاع غزة نتيجة الحصار الإسرائيلي منذ عشر سنوات، وإغلاق المعابر ومنع دخول مواد البناء التي تشغل مئات آلاف العُمال، دفعت الكثير من الشباب إلى البحث عن فرص رزق مؤقتة، تعينهم على توفير حاجيات أسرهم الأساسية.
ويشير الأربعيني، أبو قادوس، إلى أنه على الرغم من اكتظاظ السوق بالزبائن والباعة، إلا أن الحركة التجارية فيه بسيطة، وذلك نتيجة عدم قدرة الزبون على دفع ثمن الأجهزة، " مع العلم بأن الأسعار هنا زهيدة مقارنة بأسعار المحال التجارية، لكن الأوضاع الصعبة، تشل يد الزبون، وتؤثر على أية عملية تجارية".


جاره الشاب، سامر أبو صفية 25 عاماً، يقول إنه لم يتمكن من بيع أي جهاز منذ أسبوعين، وأنه "يفضل بيع الأجهزة رخيصة الثمن، والمتناسبة مع طلب عدد من الزبائن"، موضحاً أنه في الوقت ذاته، يطلب عدد آخر من الزبائن أجهزة حديثة، مرتفعة السعر، وعالية الجودة.
ويقول إن الأسعار متناقضة في السوق، ويختلف سعر الجهاز الواحد عند كل بائع، نتيجة اختلاف وضع الأجهزة، " إذ يحوي أجهزة مستخدمة لفترات طويلة، وأجهزة تم تصليحها من قبل، وأجهزة مستخدمة لأسابيع قليلة، كذلك أجهزة تم سحبها حديثاً بنظام الأقساط، وبيعها، كذلك أجهزة تالفة، وأخرى قديمة للغاية."
إلى الناحية الشمالية من السوق، يقف الشاب رائف الحلو، ومعه مجموعة شباب يفحصون جهازاً حديثاً، يقدر ثمنه بـ 1300 شيكل (345 دولاراً)، مستخدماً لعدة أسابيع، ويقول إنّ ثمنه الحقيقي 1800 شيكل (480 دولاراً)، لكنه اضطر إلى بيعه من أجل إتمام عملية تخرجه من الجامعة.
ويقول لـ "العربي الجديد" إنه ليس تاجر جوالات، لكنه يحب اقتناء الأجهزة من ذلك السوق: "أكون حذراً عندما أشتري أي جهاز من هنا، وأفحصه جيداً، حيث تعرضت في إحدى المرات لعملية نصب بعد أن اشتريت جهازاً، وتعطل بعد عدة أيام"، موضحاً أن زبون اليوم في السوق، قد يصبح بائع الأسبوع القادم، والعكس.
ويجلس الحاج الستيني، أبو خالد ميمة، أمام مجسم خشبي يحتوى على عدد من الجوالات القديمة، رخيصة الثمن، ويقول لـ"العربي الجديد" إنه تعامل مع مختلف الأجهزة والأسعار، لكنه أراد التخصص ببيع الأجهزة القديمة، والتي يرغب البعض في اقتنائها، خاصة مع توجه الجميع إلى شراء الأجهزة الحديثة.
ويقول إن أحوال السوق متقلبة، حيث يزداد البيع والإقبال بداية الشهر، وعند الأعياد والمناسبات، لافتاً إلى أن تدهور الحالة الاقتصادية، في قطاع غزة، أثر بشكل كبير على عمليات البيع والشراء، التي كانت أفضل في السابق، وأن عملية الشراء الواحدة، تتطلب المزيد من الجهد بسبب المفاصلة الزائدة.
ووجد عدد من الشباب الصغار فرصة أخرى للربح داخل سوق الجوالات، حيث قاموا بتوفير مولد كهربائي صغير، لتجربة شحن أي جوال يتم الاتفاق على بيعه، ويقول الشاب عبد الرزاق حميد: "يأتي الزبون لفحص الجهاز الذي ينوي شراءه، وأحصل بالمقابل على بعض النقود".
وتلعب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية، التي يعيشها نحو مليوني مواطن في القطاع المحاصر منذ عام 2006 من قبل الاحتلال الإسرائيلي، دوراً في التأثير على انخفاض الحركة الشرائية، لا سيما في ظل عدم تلقي آلاف الموظفين رواتبهم كاملة وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
وبحسب تقرير لجهاز الإحصاء الفلسطيني، يبلغ عدد العاطلين في قطاع غزة نحو 201 ألف شخص، حيث تسجل البطالة في القطاع نحو 42.7%.

المساهمون