خطر التشاؤم وحروب الجيل الرابع الاقتصادية

خطر التشاؤم وحروب الجيل الرابع الاقتصادية

26 سبتمبر 2016
الشماعات الجاهزة مع وقوع الأزمات باتت بالية(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -



أفهم أن تشنّ دولة ما حرباً نفسية ضد دولة معادية بهدف إلحاق الإضرار الاقتصادية والمالية بها، وهز ثقة المستثمرين بأسواقها المالية، وإثارة الاضطرابات في أسواق العملات والصرف والبورصات والسلع بها، لكن ما لا أفهمه أن يشن أفراد لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين مثل هذا النوع من الحروب النفسية الاقتصادية، لأنه لا يوجد لدى هؤلاء الأفراد إمكانيات مالية وبشرية تذكر، وإن قاموا بهذا العمل فحجم تأثيرهم سيكون ضعيفاً جداً.

ما مناسبة هذه المقدمة؟

المناسبة ما حدث في مصر قبل أيام، حيث صكّت السلطات مصطلحاً جديداً في عالم الاقتصاد والمال والاستثمار لم تصكه حكومة، قبلها وربما بعدها، حينما اتهمت مجموعة من المنتمين لجماعة الإخوان بتهمة غريبة سمتها "نشر المناخ التشاؤمي" والهدف كما قالت "الإضرار بخطط التنمية الاقتصادية في البلاد".

لا تكمن الغرابة في إطلاق المصطلح وإدراجه ضمن بيان رسمي صادر عن الأجهزة الأمنية ومحاولة تسويقه على نطاق واسع واقناع الرأي العام والإعلام به، لكنه يكمن، أيضاً، في توجيه اتهام لمصريين محدودي العدد والعدة بإثارة روح التشاؤم واليأس والإحباط بين جموع الناس، مع أن هذه الروح المحبطة موجودة أصلاً وسط قطاع كبير من المصريين بسبب الظروف الاقتصادية والمعيشية التي يمرون بها وليست بحاجة إلى من يخلقها أو يغذيها.

ولم تفلح 64 مليار جنيه تم ضخها في مشروع تفريعة قناة السويس في رفع الروح المعنوية للمصريين، كما لم توجه التهمة هذه المرة لدول خارجية كما جرت العادة.

وعندما نعود إلى كتب الاقتصاد لا تجد ذكراً لمصطلح المناخ التشاؤمي الذي ذكره بيان الداخلية المصرية، بل توجد مصطلحات أخرى إذا كنا نتحدث عن الحالة النفسية والمزاجية للمواطنين والمستثمرين وتأثيرها على الاقتصاد.

مثلاً نجد مصطلحات مثل زيادة المخاطر وحالة عدم اليقين والضبابية السياسية والغموض، وهي كلمات تعني شيئاً واحداً هو زيادة المخاطر السياسية والاقتصادية، وربما الاجتماعية داخل دولة ما، وهو ما يؤثر سلباً على مناخ الاستثمار ويقلل من جاذبية الدولة للاستثمارات الخارجية، بل ويدفع المستثمرين المحليين إما نحو تهريب أموالهم للخارج أو تجميد نشاطهم لحين انقشاع الأزمة.

سأضرب هنا مثلاً بحالة مصر، قبل ثورة 25 يناير 2011، فالبلد كان في حالة قلق بسبب غموض الوضع السياسي، وعدم حسم ملف المرشح الرئاسي المقبل، وهل مبارك سيرشح نفسه لولاية جديدة، أم سيتم تمرير خطة توريث نجله جمال؟ وفي حال تمرير التوريث، ما هو موقف المؤسسة العسكرية؟ هل ستقبل أم سترفض؟ وما هو الموقف في حال الرفض؟

هنا أثرت حالة الغموض السياسي على الوضع الاقتصادي والاستثماري للبلاد.

وإضافة لحالة الغموض هناك أيضأ الحروب النفسية التي تقودها دولة ضد دولة لإجهاض اقتصادها القومي والتأثير على عملتها الوطنية بهدف دفعها للانهيار أمام الدولار وهو ما يترتب عليه ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم وتراجع معدلات النمو الاقتصادي.

في هذه الحالة تقوم الدولة المعادية بنشر شائعات وأكاذيب حول اقتصاد الدولة المستهدفة والإساءة لسمعة منتجاتها وصادراتها في الخارج وإظهار فشل الحكومة في إدارة الملف الاقتصادي وكبح جماح الأسعار ووقف تهاوي سعر العملة الوطنية، وهذه الحرب تحتاج لإمكانيات مالية ضخمة قد تتجاوز عشرات الملايين من الدولارات، ولذا تقوم بها دول لا أفراد.

وهنا سؤال يطرح نفسه هو: من هي الدولة المعادية لمصر التي يمكنها شن حرب نفسية لضرب إمكانياتها الاقتصادية والمالية؟

وهل يمكن أن تلعب إسرائيل هذا الدور حاليا ضد مصر؟

لا أظن، لأن العلاقات دافئة ومتميزة بين حكومة البلدين.

ولا أظن أن هناك دولة بمنطقة الشرق الأوسط مستعدة للقيام بهذا الدور وشن حرب نفسية ضد الاقتصاد المصري لأسباب عدة منها انكفاء كل دولة على نفسها، والإضطرابات العنيفة في المنطقة والتي أثرت سلباً على اقتصاديات كل دول المنطقة، وزيادة مخاطر الإرهاب، وتهاوي أسعار النفط.

ولا أظن ثالثاً أن الإخوان لديهم القدرة المالية على ذلك، ولذا فإن على الحكومة أن تبحث عن شماعة أخري بدلاً من شماعات الإخوان والمؤامرة الكونية وحروب الجيل الرابع، فهذه الشماعات الجاهزة والتي يتم تصديرها للرأي العام مع وقوع أي أزمة باتت بالية وغير مقنعة حتى لطفل صغير.

ووقانا الله ووقاكم شر "الهبل".


المساهمون