التصحر يلتهم ملايين الأفدنة الخصبة في السوادن

التصحر يلتهم ملايين الأفدنة الخصبة في السوادن

26 سبتمبر 2016
التصحر يجعل الأرض غير قابلة للحياة (Getty)
+ الخط -


دون توقف، يزحف شبح التصحر في السودان، التي لطالما وصفها العالم بأنها الضامن الأول لسلة الغذاء العربية، بفضل ما تتوفر عليه من مساحات خصبة تصلح للزراعة.
وتصنّف مؤسسة "غولدمان ساكس" الأميركية، في دراسة حديثة، السودان في المركز الأول في قائمة الدول التي تمتلك أراضي زراعية غير مستغلة، وذلك بمساحات تقترب من 80 مليون فدان، غير أن مخاطر التصحر التي تمحو عشرات آلاف الأفدنة سنويا من الخارطة الزراعية للدولة، تهدد هذه الثروة.

وقال خبير الجغرافيا والاستشاري في مكتب خدمات البيئة والتنمية السوداني، محمد السماني، لـ "العربي الجديد"، إن ثُلثي مساحة السودان الشمالي متأثران بالتصحر بين خطي عرض 10-18 درجة شمال، تلك رقعة تعادل نحو 51% من إجمالي مساحة السودان.
والتصحر هو تعرض الأرض للتدهور في المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة، مما يؤدي إلى فقدان هذه الأرض قدرتها على الإنتاج الزراعي.

ووفقا لدراسة صدرت مؤخراً عن منظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة "فاو"، خسر السودان خلال السنوات الخمس الماضية فقط ما يتراوح بين 250 ألفاً إلى 1.25 مليون هكتار من مساحة غاباته الكلية.
ووضعت الدراسة، ذاتها، السودان ضمن نطاق مناطق العالم التي تناقصت مساحة الغابات فيها بمعدل يتراوح بين 50 ألفاً إلى 250 ألف هكتار سنويا، خلال الفترة الممتدة من 2005-2010. ورغم التجربة والوعي المبكر بازدياد التصحر في السودان، إلا أن هذه الظاهرة لا تزال تتفاقم يوما بعد الآخر.
ويعزو خبير الجغرافيا، السماني، أسباب ازدياد الزحف الصحراوي، إلى سوء التخطيط وعدم وضع السياسات والبرامج الخاصة بالتنمية، فهو يرى أن الدولة تتعامل مع الموارد الطبيعية بطريقة استنزافية، لعدم وجود مخططات علمية تراعي الاستدامة البيئية.

ويشير السماني إلى أن الرعي الجائر يشكل أيضا أكثر أسباب التصحر شيوعاً في كل أنحاء السودان، خاصة حول محطات المياه، حيث يتسبب السحب الزائد في خفض مستوى المياه الجوفية، فضلا عن أسباب أخرى منها إزالة الحشائش والغابات لأسباب مختلفة، كالاستخدام المنزلي والصناعي، وموجات الجفاف التي تضرب البلد من حين لآخر.
وحصر تقرير حديث لوحدة تنسيق الخرائط بإدارة الغابات، التابعة لوزارة الزراعة في السودان، الولايات المتأثرة بظاهرة التصحر في ثلاث مجموعات، تم ترتيبها بدءا من الأكثر تأثرا، الأولى تقع في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية للسودان، والثانية في الولايات الواقعة على السهول الطينية الوسطى والمشاريع المروية الرئيسية بوسط السودان، والثالثة في الولايات الغربية.

ويرى مدير معهد دراسات التصحر (حكومي)، مبارك عبد الرحمن، أن إقامة مشاريع قومية في بعض المناطق المتأثرة بالتصحر يفتقر إلى الخطط المستقبلية، ويظل تأثيرها محدودا، نظرا لاتساع المساحات التي ضربتها الظاهرة.
وقال إن الحكومة وضعت تشريعات وسياسات تهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي والاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية وتخفيف آثار الجفاف ومكافحة التصحر، وتمثلت تلك السياسات في إعداد برنامج التعمير ومكافحة الزحف الصحراوي.

لكن مختصين يقولون إن مكافحة التصحر تحتاج إلى عمل مركزي مدعوم سياسيا، بحيث تشترك جميع الجهات المعنية لتنفيذ خطة المكافحة، وأهمها وزارة الزراعة، إدارة الغابات، وزارة البيئة، الثروة الحيوانية، المجلس الأعلى للبيئة والإدارات الزراعية المختلفة.
إلا أن السماني يؤكد ضرورة إنشاء جهاز لمتابعة الأزمة، يرتبط بكل الجهات المختصة بمكافحة الأزمة.
ويرى أن التعامل مع المشكلة قومياً أحد أهم الحلول، فالبعد القومي للتصحر تحتمه مقتضيات كثيرة، منها الانتشار الجغرافي الواسع له، إذ إن ثلاث عشرة ولاية من ولايات شمال السودان تعاني من التصحر، كما أن معظم موارد البلاد مهددة بعامل أو آخر من عوامل التصدع البيئي.

وتتعاظم مخاطر التصحر على المجالات الإنتاجية والاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية، حيث يرتبط اقتصاد السودان المحلي بما تنتجه الأرض، وتسود في كثير من أجزائه ممارسات تقليدية تعتمد على عطاء الأرض بدون مدخلات أو تقنيات حديثة.
ويقول كامل شوقي، الخبير الزراعي، إن كارثة الجفاف والتصحر التي ضربت البلاد في الثمانينيات زادت الوعي الشعبي بهاتين الظاهرتين، ووفرت ثقافة عامة للمحافظة على الموارد.

لكنه يرى أن الوعي الشعبي لمجابهة المشكلة لا يكفي، فحث الجهات الرسمية على وضع سياسات مناسبة وتبني برامج مطلوبة هو الأساس، الذي لا بد من البناء عليه، داعيا إلى ضرورة استفادة الجهات الرسمية من هذا الوعي المجتمعي.
وعلى الصعيد العالمي، يتعرض حوالى 30% من سطح الأرض لخطر التصحر، أما ثلث الأراضي الجافة في العالم فقد فقدت بالفعل أكثر من 25% من قدرتها الإنتاجية، وفق دراسة عن مشاكل الجفاف وندرة المياه العذبة في دول القرن الأفريقي، أعدتها كلية العلوم الاستراتيجية في جامعة نايف العربية في السعودية.
ويفقد العالم سنوياً نحو 10 ملايين هكتار من الأراضي بسبب التصحر. ويكلف التصحر والجفاف، العالم نحو 42 مليار دولار سنوياً.



المساهمون