مافيا فساد القمح..مصر تفرّط في أمنها الغذائي

مافيا فساد القمح..مصر تفرّط في أمنها الغذائي

04 اغسطس 2016
مخاوف من عزوف الفلاحين المصريين عن زراعة القمح(فرانس برس)
+ الخط -
لاقى قرار إنهاء عمل لجنة تقصي الحقائق حول شبهات فساد في عمليات توريد القمح في مصر التي شكلها مجلس النواب المصري، انتقادات حادة من الأوساط الاقتصادية التي أكدت أن الحكومة تفرط في أمنها الغذائي بهذا القرار، الذي سيمنح مافيا القمح مساحات أخرى لارتكاب مخالفات جديدة.
وكان مصدر برلماني كشف، لـ"العربي الجديد"، منتصف الأسبوع الجاري، عن أن الرئاسة المصرية تدخلت لدى مجلس النواب لغلق ملف فساد توريدات القمح، على خلفية الأرقام التي أعلنتها لجنة تقصي الحقائق البرلمانية عبر وسائل الإعلام بشأن وقائع الاختلاس الضخمة في صوامع التخزين، والمتعلقة بالتوريدات الوهمية، وخلط الأقماح المستوردة بالمحلية.
ورصدت اللجنة اختلاسات بقيمة 557 مليون جنيه، ما يعادل نحو 65 مليون دولار، خلال زياراتها الميدانية لعشرة مواقع لتخزين القمح، بما يعادل نسبة 42% من حجم المخزون بها، والعينة التي رصدتها اللجنة من أصل 517 موقعا لتخزين القمح في كافة أرجاء البلاد.
وحسب خبراء اقتصاد ومتخصصون زراعيون، لـ"العربي الجديد"، سيؤدي قرار وقف اللجنة إلى فتح الباب أمام إهدار المال العام، في وقت تعاني فيه الدولة من وضع اقتصادي متأزم، كما يعني مواصلة التفريط في الأمن الغذائي المصري في سلعة تعد مصر أكبر مستورد لها في العالم، حيث تشتري من الخارج نحو 10 ملايين طن من القمح سنوياً، تستخدم معظمها في صناعة الخبز، وفقاً لإحصائيات رسمية.
وفي هذا السياق، أكد مدير مكتب وزير التموين السابق، مصطفي عبد الرازق، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة المصرية الحالية، تستهدف القضاء على أمل الاكتفاء الذاتي من القمح، بإفشال منظومة زراعة القمح في مصر، والاعتماد بشكل كلي على الاستيراد من الخارج تحت شعار "المستورد أسهل وأرخص". وأشار إلى أن تصاعد حجم الفساد في منظومة القمح، نتيجة طبيعة للتواطؤ الحكومي مع أباطرة القمح وتسهيل عمليات الفساد مقابل رشاوي ونسب يتم الاتفاق عليها مسبقا.
واعتبر عبد الرازق بيان شركة بولمبرغ الأميركية حول هذا الملف، مجرد بيان استباقي مع تصاعد الحديث عن عمليات الفساد لتأمين نفسها، وضمان أموالها، وتجنب فرض غرامات عليها من قبل الحكومة التي تبحث عن كبش فداء لتهدئة الرأي العام.

وكانت شركة "بلومبرغ غرين" الأميركية، المسؤولة عن تطوير الشون التقليدية لتخزين محصول القمح المصري، قد أصدرت بيانا الخميس الماضي، هددت فيه بالانسحاب من تنفيذ مشروع تطوير الشون والصوامع، وحملت فيه الحكومة المصرية المسؤولية عن فساد عملية توريد القمح من المزارعين.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة، ديفيد بلومبرغ، إنه على الرغم من البيروقراطية التي عانت منها الشركة خلال تنفيذ المرحلة الأولى من تطوير الشون (الصوامع) الترابية والتي كانت تستهدف 105 صوامع، تمكنت الشركة من تطوير 93 صومعة خلال 157 يوما، مشيراً إلى تعرض عملية تشغيل أنظمة "بلومبرغ غرين" لعائق كبير خلال موسم حصاد القمح بسبب النقص الدائم للتيار الكهربائي لعدد كبير من الشون.
وقالت الشركة، في بيان لها، "للأسف تعطل تشغيل الأنظمة خلال موسم حصاد القمح بسبب عدم وجود إمدادات كهرباء دائمة"، مشيرة إلى أن الشركة المصرية القابضة للصوامع والتخزين المملوكة للدولة والمسؤولة عن تركيب التوصيلات الكهربائية بمواقع التخزين لم تفعل ذلك، وأن الكثير من المواقع لم تصل إليها الكهرباء بعد، ولا يوجد أي موقع مزود بمثبتات للتيار لحماية المعدات من الصدمات الكهربائية.
وأشار البيان إلى أن صوامع الشركة مصممة بحيث تمنع حدوث أي تلاعب، وأن إحدى المزايا الرئيسية لنظام "بلومبرج جرين" أنه يكافح الفساد من خلال استخدام الموازين الإلكترونية لضمان أوزان عادلة ودقيقة، واستخدام أكواد تحول المخزونات إلى أرقام، وتنفيذ مراجعات رقمية متواصلة للنظام، تظهر أي تناقضات، واستخدام نظام تأمين يمكنه أيضا التحقيق في أي تجاوزات، وتحديد الجناة.
وأكد الخبير الزراعي، مستشار وزير التموين السابق، عبد التواب بركات، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة، تعاقدت مع الشركة الأميركية "بلومبرغ غرين" بنظام الأمر المباشر، بالتعاون مع وزارة الدفاع المصرية، موضحاً أن دخول الشركة للسوق المصري تم بوسائل غير مشروعة لأهداف كثيرة، منها إرضاء الأميركان مقابل أن يكونوا على علم تام برصد مخزون القمح في مصر (المحلي والمستورد) من خلال غرفة التحكم الإلكتروني للشون الحديثة التي تنفذها الشركة.


وأضاف بركات: "هذه الشركة لها أهداف سياسية بدليل أن وفد الكونجرس الأميركي الذي التقي بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مؤخرا في العاصمة القاهرة، قام بزيارة شركة "بلومبرغ غرين" والشون التي تطورها هذه الشركة".
واعتبر مستشار وزير التموين السابق، أن بيان الشركة، ربما يكون مقدمة تمهيدية لإدخال الشركة في منظومة الرقابة على مخزون القمح المصري، باعتباره محصولا استراتيجيا للأمن الغذائي المصري، مؤكدا أن هذا يمثل عبثا بأحد أبرز ملفات الأمن القومي لمصر.

وأشار بركات إلى أن النظام المصري يتعمد الكشف عن عمليات الفساد الضخمة "المزمنة" في ملف القمح لأهداف سياسية تمهد لرفع الدعم عن محصول القمح، وإجبار الفلاح على العزوف عن زراعته، وليس من قبيل محاربة الفساد وكشف الجناة. وقال إن هذا النظام يتساهل في جودة القمح المستورد ويوافق على استيراده من فرنسا بمحتوى به نسبة رطوبة مرتفعة تصل إلى 13.5%، رغم اعتراض غرفة صناعة الحبوب، لأنه يخالف المواصفات القياسية المصرية المعمول بها، لمحاباة الحكومة الفرنسية التي تدعم السيسي. ولنفس السبب، تساهل النظام في استيراد أقماح تحتوي على فطر "الإرجوت" السام، رغم خطورته على الصحة، وذلك لإرضاء حكومتي روسيا وفرنسا الداعمتين للنظام والموردتين لهذه النوعية من الأقماح الموبوءة على حساب صحة المصريين وتفريطا في السيادة الغذائية والأمن القومي، حسب بركات.
ومن جانبه، يرى نقيب فلاحي مصر، نائب رئيس لجنة الزراعة في مجلس الشعب السابق، عبد الرحمن شكري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، "أن هدف النظام من هذه المخططات ألا يربح الفلاح المصري، وبالتالي عدم زراعة القمح مرة أخرى، كما فعلوا في القطن الذي كنا نتصدر العالم في إنتاجه وحالياً نستورد معظم احتياجاتنا منه".
وأصدر النائب العام المصري، المستشار نبيل صادق، قرارات شملت المنع من السفر وتجميد أموال واعتقال عدد ممن يشتبه بهم في الفساد من ملاك الصوامع الخاصة، وقال إن التحقيقات أثبتت حدوث "تلاعب في كميات الأقماح المحلية بإثبات توريد كميات من الأقماح بالدفاتر أزيد من تلك التي تم توريدها فعلا".
وقال النائب العام، في بيان الأسبوع الماضي، إن تحقيقات نيابة الأموال العامة العليا كشفت تورط بعض أعضاء اللجان المشرفة على استلام القمح مع أصحاب الصوامع والشون في التلاعب بكميات الأقماح المحلية. وأضاف أن المخالفات تمثلت في إشراف أصحاب الصوامع، بالاشتراك مع المسؤولين المكلفين، على عملية استلام الأقماح في إثبات توريد كميات القمح المحلي بالدفاتر على غير الحقيقة، واستبدال القمح المستورد الأقل جودة بالمصري؛ بهدف الاستيلاء على فروق الأسعار.