المواطن والحكومات.. ومنطق "الاستهبال"

المواطن والحكومات.. ومنطق "الاستهبال"

31 اغسطس 2016
معظم الدول العربية رفعت أسعار الوقود (فرانس برس)
+ الخط -


باتت معظم الحكومات والأنظمة العربية تفضل منطق الاستسهال وربما "الاستهبال" والحلول السهلة السريعة في معالجة الأزمات الاقتصادية والمالية التي تواجهها الموازنات العامة.

وأسهل الحلول هنا هو أن تضع هذه الحكومات يدها في جيب المواطن الفقير محدود الدخل وحتى المتوسط؛ لتغترف منه ما تشاء عنوة وتهديداً وبالقانون، وتعالج على حسابه أزمات تعد هذه الأنظمة السبب الرئيسي فيها.

فعندما تتراجع إيرادات خزانة الدولة لأسباب خارجية أو داخلية، فإن أول ما تفكر فيه الحكومات هو فرض ضرائب جديدة على مواطنيها، واستحداث قائمة طويلة من الضرائب مثل القيمة المضافة وضرائب على السجائر والأفراح والأجهزة الكهربائية والمنزلية وغيرها.

وعندما تتفاقم مشكلة عجز الموازنة العامة تسارع الحكومات نحو فرض مزيد من الرسوم على العاملين بالخارج، وفي المطارات والموانئ وداخل الجهات الحكومية الخدمية وغيرها.

وعندما يزيد عجز الميزان التجاري أو ميزان المدفوعات، فإن الحكومات تسارع إلى زيادة الجمارك على مئات السلع المستوردة، وفرض قيود على الواردات، بما فيها الاستراتيجية والغذائية التي تعد الأكثر استهلاكاً من قبل المواطن.

وعندما يزيد الدين الحكومي، فإن أول ما يطرأ على ذهن الحكومات بيع مزيد من وحدات القطاع العام المملوكة للدولة، سواء بنوكا أو شركات أو أصولا وأراضيَ أو حتى رخص شركات تليفون محمول.

وعندما تواجه الحكومة أزمة سيولة، فإن الحل السهل هنا هو زيادة أسعار البنزين بنسب قد تصل لأكثر من 60% وربما 70%.

والملفت هنا أن دولا خليجية كبرى تمتلك احتياطيات ضخمة من البترول تأتي في مقدمة الذين رفعوا أسعار المشتقات البترولية مثل البنزين والسولار والغاز، رغم امتلاكها أصولاً واستثمارات واحتياطيات بالنقد الأجنبي بمئات المليارات من الدولارات، بل وقد تتجاوز نصف ترليون دولار.

وعندما يزيد إنفاق بعض الأنظمة على الأمن، فإن أول قرار لحكومتها هو التوسع في الاستدانة والاقتراض الخارجي أو المحلي، وطرح مزيد من أذون الخزانة والسندات، ودعوة كبار المستثمرين للاكتتاب بها، والضغط على البنوك لتوجيه سيولتها المالية للحكومة بدلاً من إقراضها للقطاع الخاص والمستثمرين.

والملفت أن ظاهرة الاستسهال في استنزاف ما تبقى من سيولة محدودة في جيب المواطن توجد في كل الأقطار العربية وبلا استثناء.

حدث ذلك في الجزائر وتونس وليبيا والأردن والعراق ودول الخليج ومصر واليمن وسورية والسودان وغيرها.

السؤال هنا: هل بحثت هذه الحكومات عن حلول إبداعية للتغلب على أزماتها الاقتصادية والمالية، هل اتخذت مثلاً خطوات لترشيد الإنفاق العام الحكومي وتقليص الإنفاق على الأمن؟

هل توقفت عن منح مزايا مالية وحوافز لأصحاب الحظوة من القضاة ورجال الجيش والشرطة على حساب المواطن الفقير، هل اتخذت قرارات بخفض نفقات مؤسسات الرئاسة والمقرات الملكية؟

هل سارعت هذه الحكومات ووضعت خطة لتنشيط إيراداتها من النقد الأجنبي، خاصة من قطاعات مهمة مثل السياحة والصادرات والاستثمار الأجنبي؟

بالطبع لا، لم يحدث مثل هذا التحرك، وللأسف فإن الإجابة عن كل الأسئلة السابقة بالنفي، ولذا فإن المواطن الفقير هو من يدفع فاتورة علاج أزمات الاقتصاد الكلي من زيادة الديون وعجز الموازنة وتراجع الإيرادات.

يحدث ذلك سواء في فترة الرخاء التي تعيشها اقتصادات وحكومات عربية في بعض الفترات، خاصة تلك التي تشهد طفرات في أسعار النفط والغاز وتحويلات المغتربين، أو في فترة الكساد والركود كما يحدث حالياً.

المساهمون