سوق سوداء للقمح المهرّب تشمل نافذين في الأردن

سوق سوداء للقمح المهرّب تشمل نافذين في الأردن

22 اغسطس 2016
يستهلك الأردن نحو مليون طن قمح سنوياً (Getty)
+ الخط -
كشفت مصادر مسؤولة في الأردن لـ "العربي الجديد" عن أن ثمة عمليات فساد كبيرة تشوب نظام الدعم الذي تخصصه الحكومة لمنظومة الخبز، يستفيد منها نافذون في الحكومة والمخابز والمطاحن، ما يكلف المملكة التي تشكو عجزاً طائلاً في الميزانية العامة، خسائر بالغة.
وقال مسؤول في وزارة التجارة: "إن الفارق الكبير بين تكلفة طن الدقيق وسعر بيعه للمخابز، أوجد بؤراً وحلقات فساد متعددة تعمل على استغلال الطحين المدعوم والمتاجرة به لتحقيق مكاسب غير مشروعة"، لافتاً إلى وجود سوق سوداء توظف مئات العمالة في المتاجرة بهذه المادة الأساسية.
وأضاف المسؤول أن تكلفة طن الدقيق تبلغ حوالى 344 دولاراً في المتوسط، ويباع للمخابز بـ 93 دولاراً، وذلك بهدف بيع الخبز بأسعار منخفضة تبلغ 16 قرشاً للكيلو، علماً بأن تكلفة إنتاجه تبلغ 35-40 قرشاً.
ووفقا للمسؤول، فإن تحقيق الأرباح ينتج عن بيع كميات كبيرة من الطحين المدعوم لمصلحة بعض المصنّعين الذين يستخدمون الدقيق كأحد مدخلات الإنتاج الرئيسية، مثل الحلويات والمخبوزات والبسكويت وغيرها، وهي صناعات لا تحصل على الطحين المدعم، إذ تحصر الحكومة استخدام الطحين المدعوم في إنتاج الخبز فقط.
واعترف مصدر مسؤول آخر في وزارة التجارة بهذه الأزمة، وقال لمراسل "العربي الجديد"، إن نافذين في المملكة يتحكمون في هذا السوق ويجنون من ورائه أرباحا طائلة. وأضاف المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه، أن هناك ضغوطاً كبيرة على وزارة الصناعة والتجارة للحصول على تراخيص جديدة لإنشاء مخابز؛ بفضل الأرباح الكبيرة التي تحققها من وراء الاستخدامات غير المشروعة لمادة الطحين المدعوم.
وقال: "الأمر وصل إلى درجة أن متنفذين ونوابا في البرلمان يمارسون تلك الضغوطات على وزارة التجارة لمصلحتهم. يريدون تراخيص مخابز للحصول على حصص من الدقيق المدعوم حكومياً لبيعها في السوق السوداء بالأسعار الحرة".
ويبلغ عدد المخابز المرخصة في الأردن حوالى ألفي مخبز، تتراوح بين المخابز الحجرية والآلية، فيما يوجد لدى وزارة الصناعة أكثر من ألفي طلب لترخيص مخابز جديدة، وفق المسؤول في وزارة التجارة.

وبحسب دراسة حديثة أجرتها وزارة الصناعة واطلعت عليها "العربي الجديد": "يتم إعادة المتاجرة ببعض كميات الطحين المدعوم المخصصة للمخابز وبيعها كأعلاف لمربي الماشية لانخفاض سعرها قياسا إلى الحبوب الأخرى".
وفي وقت سابق، كان بعض التجار يهربون كميات من الطحين المدعوم إلى دول مجاورة كالعراق لارتفاع أسعاره هناك، لكن إغلاق الحدود بين البلدين والأوضاع الأمنية في العراق حدّت من هذه الممارسات.
ولم ينكر رئيس نقابة أصحاب المخابز عبدالاله الحموي، وجود تجاوزات كبيرة وممارسات غير مشروعة في استخدام الطحين المدعوم من قبل بعض المخابز والمطاحن وآخرين. وقال لـ "العربي الجديد" إن مواجهة هذه الحالات تتطلب من الحكومة تغيير آلية دعم الطحين الحالية، بحيث يتم توجيه الدعم إلى مستحقيه من المواطنين الأردنيين، مؤكدا أهمية اعتماد آلية واضحة وعادلة لتوزيع الدعم. وأضاف أن الدعم يستفيد منه الأردني وغير الأردني، ما يرفع كلف الدعم، فيما تحصر دول غنية الدعم على مواطنيها فقط، بموجب بطاقات ذكية أو أساليب أخرى.
ويرى الحموي أن ارتفاع طلبات ترخيص المخابز المقدمة لوزارة التجارة، يعكس مدى رغبة أغلب المتقدمين في استغلال الدعم الذي تقدمه الحكومة، بطرق غير مشروعة، مشيرا إلى أنه في حال تغيير آلية الدعم، فمن المرجح أن تغلق كثير من المخابز أبوابها ويتراجع الإقبال على الاستثمار في هذا القطاع.
واقترح الحموي أن تقوم الحكومة بدفع دعم نقدي مباشر للمواطنين، ورفع الدعم عن الخبز، شريطة أن يستمر الدعم، وألا يتوقف كما حدث عندما تراجعت الحكومة عن الدعم النقدي لمادة الكاز قبل عدة سنوات.
وقال المسؤول في قطاع التجارة الداخلية بوزارة الصناعة والتجارة، عماد الطراونة لـ "العربي الجديد"، إن الحكومة أوقفت منذ أكثر من عام ترخيص مخابز جديدة إلا في المناطق النائية التي لا يوجد فيها مخابز، وذلك للحد من الاستخدامات غير المشروعة للطحين المدعوم.


وقال إنه تم أيضا تطبيق أنظمة التتبع الإلكتروني للشاحنات المحملة بالطحين المدعوم لضمان تفريغ حمولاتها في المخابز، فقد تبين أن الكميات لا تصل كاملة إليها ويتم بيع بعضها للمطاحن والاستفادة من فرق الدعم.
وبين أن استهلاك الأردن من الطحين المدعوم ارتفع بنسبة 20%إلى 25% بسب استضافة اللاجئين السوريين البالغ عددهم 1.3 مليون لاجئ، حيث يتجاوز استهلاك القمح مليون طن سنويا.
وكانت الحكومة قد أكدت عدة مرات أنها تنوي إعادة النظر في دعم الخبز، بحيث يستفيد منه الأردنيون من الشرائح الفقيرة ومتوسطة الدخل فقط، ضمن مساعي للقضاء على المتاجرة بالطحين المدعوم.
وبحسب دراسة حكومية، فإن الحكومة، وفي حال تغيير آلية الدعم ستحقق وفرا بحوالى 45% سنويا، من إجمالي قيمة دعم الطحين، تتمثل في عمليات سرقة الطحين واستفادة غير الأردنيين من الدعم.

وشددت وزارة الصناعة الرقابة على المطاحن والمخابز في آخر عامين، وذلك لضبط المخالفات وعمليات المتاجرة بالطحين المدعوم، حيث تمت إحالة عدد كبير من المخالفين إلى القضاء. وشددت الحكومة العقوبات بحق المتاجرين بالطحين المدعوم، حيث فرض قانون الصناعة والتجارة الجديد، غرامات مالية تصل إلى 42 ألف دولار.
وأحالت الحكومة عشرات قضايا المتاجرة بالطحين المدعوم إلى القضاء العام الماضي، بعد ضبطها من قبل مراقبي التموين.
وقالت المصادر، إن الحكومة ضبطت عشرات المخابز التي تعمل بشكل وهمي وغير فاعلة على أرض الواقع، لغايات سرقة الطحين وبيعه في السوق التي وصفها البعض بالسوداء.
ويرى رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب السابق يوسف القرنة، لـ "العربي الجديد"، إن رفع الدعم عن الخبز من الملفات الساخنة التي تعامل معها البرلمان عدة مرات وضغط على الحكومة لعدم زيادة أسعار هذه المادة الأساسية.
واستطرد قائلا: "تم الطلب أيضا من صندوق النقد الدولي بالابتعاد عن مطالبة الحكومة برفع الدعم عن الخبز، لعدم التأثير في مستويات المعيشة، لكن مع وجود تجاوزات وفساد كبير بسبب آلية الدعم حاليا، لا بد من تغيير هذه الآلية".
وأوضح أنه لا بد من تهيئة الشارع الأردني بشكل جيد قبل تغيير آلية الدعم، وأن يتم صرف الدعم النقدي مباشرة وبموجب آلية تضمن استمراريته من دون توقف، وذلك لتفادي أي ردّات فعل سلبية كالاحتجاجات وغيرها.

المساهمون