حكومة تيريزا ماي أمام اختبار شكل العلاقات التجارية

حكومة تيريزا ماي أمام اختبار شكل العلاقات التجارية

18 اغسطس 2016
ماي في أولى زياراتها لاختبار الرأي الأوروبي (Getty)
+ الخط -

دعت دراسة، صدرت في لندن، هذا الأسبوع، بريطانيا إلى التركيز في علاقاتها التجارية على الاقتصادات الكبرى في العالم مثل الولايات المتحدة والصين عقب استفتاء "بريكست"، والذي أقر خروج بريطانيا من كتلة الاتحاد الأوروبي. وقالت الدراسة الصادرة عن مؤسسة "غلوبال كاونسل" للاستشارات الاقتصادية، إن بناء علاقات تجارية متينة مع كل من أميركا والصين وروسيا واليابان ستكون مفيدة للاقتصاد البريطاني أكثر من تبديد الجهود في علاقات مع دول هامشية. وقال رئيس مؤسسة "غلوبال كاونسال"، غريغر أيروين، في تعليقه على التقرير الذي صدر، يوم الثلاثاء، إن كلاً من الهند وكندا التي يجري التركيز عليهما في المحادثات البريطانية، حتى الآن، لا يعدان من الاقتصادات العشرة الكبرى في العالم.
ولا ترغب الحكومة البريطانية الجديدة بقيادة تيريزا ماي، البدء في تفعيل خروج بريطانيا عبر التوقيع على الفقرة 50 من اتفاقية لشبونة قبل سبتمبر/أيلول المقبل. وهذا يعني، وحسب قول خبراء، أن رئيسة الوزراء البريطانية تنتظر نتائج الانتخابات في كل من ألمانيا التي ستظهر في مايو/أيار وفرنسا في سبتمبر/أيلول قبل تفعيل الخروج القانوني لبريطانيا من دول الاتحاد الأوروبي. وبالتالي فسيكون من السهل التفاوض مع حكومات جديدة أو حكومات بدأت دورة جديدة كاملة بدلاً من التفاوض مع حكومات شبه منتهية مدتها.
وحتى الآن، ينحصر الخلاف الرئيسي بين الحكومة البريطانية والقيادات الأوروبية في نقطة جوهرية، وهي أن بريطانيا تريد أن تبدأ مفاوضات جانبية حول نوعية العلاقة التجارية الجديدة مع الاتحاد الأوروبي، قبل البدء فعلياً في إجراءات الانفصال، فيما تصر دول الاتحاد الأوروبي على عدم إجراء أيّ مفاوضات مع الحكومة البريطانية، قبل تفعيل الانفصال قانونياً، بتوقيع بريطانيا على الفقرة 50 من اتفاقية لشبونة.
وترى دراسة صدرت عن جامعة "لندن سكول أوف ايكونومكس ـ LSE"، وهي من الجامعات المشهورة في الدراسات الاقتصادية والمالية عالمياً، أن هنالك ثلاثة سيناريوهات أمام بريطانيا. وهذه السيناريوهات هي:
السيناريو الأول: تقديم حكومة تيريزا ماي بعض التنازلات في مجال الهجرة في سبيل الحصول على اتفاقية تجارة حرة مع دول الاتحاد الأوروبي شبيهة باتفاقية النرويج مع السماح لبنوك "حي المال البريطاني"، بالمتاجرة مع أوروبا دون قيود. وهذا يعني أن بريطانيا ستفتح حدودها للهجرة الأوروبية وستمنح الأوروبيين الذين يعيشون في بريطانيا والبالغ عددهم ثلاثة ملايين مواطن العمل والحصول على كل الحقوق دون قيود. ويذكر أن هنالك حوالى مليوني بريطاني يعيشون في دول الاتحاد الأوروبي.
وحسب الدراسة التي أصدرها البروفسور جون فان رينين في جامعة لندن سكول أوف ايكونومكس، فإن هذا السيناريو سيعني أن بريطانيا ستدفع 83% من نصيبها الحالي في تمويل ميزانية الاتحاد الأوروبي، ولكنه سيقلل الخسارة البريطانية من نتيجة استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي. وسيفرض على بريطانيا التقيد بقوانين الاتحاد الأوروبي دون أن يكون لها تمثيل في الهيئات الأوروبية.
أما السيناريو الثاني، فهو أن تعتمد بريطانيا النموذج السويسري، لدى سويسرا اتفاق تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي وعدة اتفاقيات أخرى أتاحت السوق الموحدة أمام معظم قطاعاتها. لكن السوق الموحدة ليست متاحة بالكامل لقطاعها المصرفي وبعض أجزاء قطاع الخدمات السويسري. ويشكل القطاعان ما يقرب من 80% من الاقتصاد البريطاني. وبالتالي، فإن هذا النموذج لا يناسب بريطانيا، إلا إذا قدمت الكتلة الأوروبية تنازلات بخصوص "جواز المرور التجاري" للمصارف والخدمات المالية. وينص الاتفاق مع سويسرا أيضاً على حرية حركة المواطنين.
وتعد الكتلة الأوروبية أكبر شريك تجاري لسويسرا، حيث تصدر لها أكثر من 50% من إجمالي صادراتها.
من صادراتها داخل الاتحاد الأوروبي، على أكثر من 120 اتفاقية ثنائية مع بروكسل تتيح لها التعامل مع الأسواق الأوروبية. كما تساهم سويسرا في تمويل ميزانية الاتحاد الأوروبي دون أن يكون لها مقعد في المجلس الأوروبي.
ولكن من مخاطر مثل هذه الاتفاقية الثنائية، أنها تواجه خطر الانهيار بسبب مسألة حرية تنقل الأفراد، إذا واصلت الحكومة البريطانية سياسة الحد من العمالة الوافدة من الاتحاد الأوروبي.
أما السيناريو الثالث، فهو أن تجري بريطانيا مفاوضات للحصول على عضوية منظمة التجارة العالمية وتبدأ في ترتيب علاقات تجارية ثنائية وفقاً لنظم منظمة التجارة الدولية وتتعامل مع أوروبا ككتلة تجارية مثل الكتل الأخرى. ولكن مثل هذا السيناريو سيكون مكلفاً لبريطانيا، لأن اقتصادها ليس كبيراً بالحجم الذي يمكنها من فرض شروطها على الكتل الكبرى مثل أميركا والصين وودول منطقة اليورو.
وحتى الآن، لم تخسر بريطانيا كثيراً من استفتاء "البريكست"، ولكن من المتوقع أن يتضح حجم الخسائر مع اختفاء الضبابية حول شكل العلاقة التجارية بين بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي.
ومن المؤشرات الإيجابية في البيانات التي ظهرت، حتى الآن، تراجع نسبة البطالة البريطانية في الشهر الماضي، كما ارتفع عدد السياح إلى بريطانيا بنسبة 18%. وعلى الصعيد السلبي فقد ارتفعت كلف الإنتاج الصناعي وهو ما ينذر بارتفاع نسبة التضخم. ولكن المخاوف الرئيسية من تداعيات البريكست تنصب في احتمالات هجرة رؤوس الموال من بريطانيا مع تململ البنوك الاستثمارية الكبرى من بطء حكومة تيريزا ماي في تحديد خياراتها.