المصريون في الخارج..حصان الرهان يُمسك عن تحويل الدولار

المصريون في الخارج..حصان الرهان يُمسك عن تحويل الدولار

27 يوليو 2016
تتجاوز تحويلات المصريين في الخارج 20 مليار دولار سنوياً(Getty)
+ الخط -
لم يكن محمد والي، المصري الذي يعمل في شركة مقاولات بقطر، مهتما في السابق بمعرفة أسعار الدولار قبل أن يحوّل راتبه الشهري لأسرته في مصر، إلا أن الأنباء بشأن خفض جديد لقيمة الجنيه المصري جعلته كغيره، يعيد النظر في تحويلاته أملا في تحقيق فارق في سعر الدولار.
"سأحتفظ بما لدي من دولارات حتى يصل سعره إلى 20 جنيها، وخصوصا أن معظم تحليلات المختصين في هذا الشأن تشير إلى ذلك". هكذا يقول والي لمراسل "العربي الجديد"، بلهجة تملؤها الثقة.
وأوضح أنه لم يعد منذ فترة يحول أمولاً لأسرته إلا بقدر احتياجاتها فقط، قائلا: "حولت دولارات منذ أيام لمصر فقط لأن أسرتي كانت بحاجة إليهم، ولكن أسرتي أجلت صرفها بالجنيه المصري، حتى تحصل على أعلى سعر بالسوق السوداء، ولولا احتياجهم، لاحتفظوا بها أملا في ارتفاع سعر صرف الدولار".
وحقق سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري قفزات تاريخية، خلال الأسبوع الجاري، وتجاوز سعر الدولار حاجز الـ13 جنيها مصرياً، فيما قفزت الفجوة بين سعر صرف الدولار في السوقين الرسمي والموازي حاجز الأربعة جنيهات، بما يعادل أكثر من 42% من سعر الجنيه في السوق الرسمي.
وتعاني مصر من ندرة المعروض الدولاري، وسط تزايد كبير في الطلب على الدولار، ولم تفلح إجراءات البنك المركزي المصري في القضاء على السوق السوداء، أو حتى تخفيف حدة هبوط الجنيه من خلال الإجراءات التي اتخذها خلال الفترة الماضية، سواء بخفض سعر العملة، أو العطاءات الاستثنائية أو سحب تراخيص نحو 21 شركة صرافة في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي.
وأظهر استطلاع رأي أجرته "العربي الجديد" مع عدد من المصريين العاملين في أكثر من دولة عربية وأجنبية، أن تحويل مدخراتهم الحالية يقتصر فقط على الاحتياجات الضرورية لأسرهم بالداخل، وأنهم يفضلون التحويل عن طريق الاتصال الشخصي وليس البنوك، بسبب تخوفهم من أية إجراءات أو قرارات تعوق استلام ذويهم التحويلات.

وأكد محمد فتحي، مصري مقيم في ماليزيا، أنه لن يحول دولارا واحدا إلى مصر إلا إذا كان مضطرا، واستطرد قائلا: "الجنيه يتجه للهبوط. أي تحويل النهاردة (اليوم) حتى لو بمكسب، بكرة (غدا) هيكون خسارة".
أما وهدان المصري، ويعمل في مجال الاستثمار العقاري بقطر، فأكد أنه يحول إلى مصر أولا بأول، ليس لدعم الاقتصاد، ولكن لسداد أقساط ومتأخرات والتزامات أسرية، مضيفا: "لو امتلكت وفرة من الدولار سأحتفظ بالتأكيد بالجزء الأكبر منها حتى أحصل على أعلى سعر".
وقال نزار السعداوي، مقيم في السودان: "بلدي تشحت (تتسول)، وتضيف علينا ديونا وترفع الضرائب، وفي نفس الوقت تزوّد معاشات العسكريين وتدّي امتيازات اقتصادية للجيش، طبيعي أن تنهار قيمة العملة". وأضاف أنه ممسك عن تحويل دولارات إلى مصر لحين استقرار الوضع السياسي والاقتصادي.
وتعد تحويلات المصريين بالخارج في الوقت الراهن، أكبر مورد للنقد الأجنبي، بعد تراجع إيرادات قناة السويس والسياحة والاستثمارات الأجنبية والصادرات.
وفشلت محاولات الحكومة في إقناع المصريين بالخارج بتحويل مدخراتهم بالطرق الرسمية عبر البنوك، وكانت آخر تلك المحاولات في 29 فبراير/ شباط الماضي، حيث أعلنت الحكومة عن طرح شهادات ادخار دولارية جديدة تحت اسم "بلادي"، لدعم الاقتصاد المحلي، والسيطرة على صعود سعر صرف الدولار مقابل الجنيه.

الاتجار في الدولار

ومع كثرة الإشارات التي تخرج عن مسؤولين في الحكومة، ولا سيما البنك المركزي، فضلا عن توقعات المراقبين التي تكاد تُجمع على هبوط جديد في أسعار الجنيه المصري خلال الفترة المقبلة، بدأ مصريون في الخارج نشاطا جديدا للمضاربة بالدولار سواء لصالح مستوردين في مصر أو لتحقيق أرباح شخصية.
ويقول (أ. ف)، مصري يعمل مديرا بإحدى شركات توزيع الإلكترونيات في الكويت: "منذ أن وصل سعر الدولار في مصر إلى 10 جنيهات قبل شهر، وأنا أقوم بتجميعه هنا (في الكويت) بغرض تحويله إلى مصر عندما يزيد سعره".
وتتوقع تقارير محلية وصول الدولار إلى 15 جنيها قبل نهاية العام الجاري.
ويضيف، خلال حديثه لـ"العربي الجديد": "اقترضت نحو 5 آلاف دينار كويتي وحولتها إلى دولارات حتى أتمكن من تحقيق ربح من ارتفاع الدولار خلال الفترة المقبلة".

ويتفادى المصريون في الخارج تحويل أموالهم بعملات الدول التي يعملون فيها، إذ يرون أن التحويل بالدولار الأميركي يضيف ميزة كبيرة لأموالهم عند بيعها في السوق الموازية، كون الدولار هو العملة الأكثر طلبا من جانب المستوردين والمشترين وشركات الصرافة.
وبالتوازي مع ذلك، يقول أحمد الهواري، نائب مدير عام شركة الصناعات الوطنية في الكويت: "الدولار أصبح سلعة تتداول داخل مصر. أكثر العاملين في الكويت مشغولون حاليا بالدولار. هذا لا يُنقص من وطنيتهم، فالموضوع بنهاية الأمر سلعة يتم التربّح منها مثل أي تاجر".
ويرى الهواري، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الدولة المصرية هي من ساعدت على ظهور هذه السلعة وتداولها وتركها للمصريين للتربح منها دون اتخاذ أي إجراء يكافح هكذا ظاهرة.
ويشير إلى أنه نصح عددا من أقاربه في مصر بتجميع ما يستطيعون من الدولار من شركات الصرافة أو محلات الذهب التي أصبحت تساهم أيضاً في هذه التجارة، تمهيدا لبيعه عندما تخفض الحكومة قيمة الجنيه.
أما محمد صابر، رئيس وحدة العمليات في شركة الاتصالات الكويتية، فقال إن تداول الدولار في مصر خرج عن السيطرة حاليا، فالجميع يسعى للاستفادة من هذه الأزمة لتحقيق أكبر ربح ممكن، مشيرا إلى خطأ السياسة النقدية والمالية في مصر، والتي كان من انعكاساتها تراجع المواطنين عن الإيداع في المصارف المحلية، في ظل معدلات التضخم المرتفعة.

تخوفات مشروعة

وطالبت النائبة نانسي نصير، عضو مجلس النواب عن المصريين في الخارج، بعدم التعويل على تحويلات المغتربين لحل أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه، معللة ذلك بأن ارتفاع سعر الدولار هو أزمة عالمية وليست محلية، فحتى إن عادت التحويلات كما كانت في السنوات السابقة، فلن تعود إلا بعدد من الإجراءات المحلية.
وقالت في تصريحات صحافية: "على الدولة معالجة التخوفات من طرق تحويل الأموال أو تأخير وصولها، مع مراعاة أن السوق الموازية تقدم سعرا أعلى".
وشددت على ضرورة تسهيل إجراءات السحب والإيداع للمدخرات الدولارية، لافتة إلى ضرورة استحداث مشروعات استثمارية لصالح المصريين في الخارج تشجعهم على تحويل أموالهم للمساهمة فيها.

المساهمون