مصر في الوعي التركي المواجه للانقلاب

مصر في الوعي التركي المواجه للانقلاب

21 يوليو 2016
مظاهرات في تركيا رفضا لمحاولة الانقلاب (الأناضول)
+ الخط -
كثيراً ما رفع رجب طيب أردوغان شارة رابعة في مؤتمراته الجماهيرية، وكذلك فعل الأتراك، حتى شكّل هذا السلوك ارتباطاً شَرطياً في الوعي الجمعي التركي بين الردة عن الديمقراطية والانتكاسة الاقتصادية في مصر، وبين الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي في مثل هذا الشهر قبل ثلاث سنوات.

ورفع الأتراك "رابعة" عندما نزلوا إلى الشوارع، لمواجهة الانقلاب الأخير في ساعات الزلزلة الأولى، تلهمهم المقاومة وتذكرهم بجرائم العسكر في مصر ومصير يشبه انقلاب الثمانينيات يلوح في الأفق إذا نجح هذا الانقلاب.

فرغم تأييد الشعب التركي انقلاب سبتمبر/أيلول 1980، بقيادة كنعان ايفرين رجاء الأمن والاستقرار المفقودين منذ الستينيات، جاءت فاتورة الانقلاب باهظة على المستوى الاقتصادي، ودموية على مستوى الحريات طوال الثمانينيات والتسعينيات.

على مستوى الحريات، تذكّر الأتراك اعتقال 650 ألف شخص، وقتل 299، والآلاف في عداد المفقودين، وحكم قضاة العسكر بإعدام 517، نفذوا الحكم في 50 بينهم طفل في السابعة عشرة، قال عنهم ايفرين في خطاب في 1984 "هل كان علينا أن نطعمهم في السجن لسنوات بدلاً من أن نشنقهم؟!".

على الرغم من أن البيان العسكري الأول الذي تلاه ايفرين نفسه منتصف يوم الانقلاب كان قد اختتمه بقوله "أيها المواطنون الأعزاء، اضطرت القوات المسلحة إلى انتزاع السلطة بهدف حماية وحدة البلد والأمة وحقوق الشعب وحرياته، وضمان أمن الناس وحياتهم وممتلكاتهم وسعادتهم ورخائهم!".

فيما قال قائد سلاح الجو، تحسين شاهينكايا، شريك ايفرين ونديمه في الانقلاب عند محاكمته في 2014 "إن القوات المسلحة التركية قامت في الثاني عشر من أيلول 1980 بواجبها حيال الشعب، لقد فعلنا أفضل شيء!"، وكأن العسكر جميعا يأكلون في وعاء واحد!!

لقد فصل العسكر 30 ألفاً من المعارضين، وجرّدوا 14 ألفاً من الجنسية التركية، وحبسوا عشرات الصحافيين، وقيدوا 1.5 مليون مواطنٍ في سجلات الأمن كمطلوبين وخطرين على الأمن القومي.

وعلى المستوى الاقتصادي، ارتفع التضخم ووصل إلى معدلات مخيفة وسريعة، ووصل إلى 137% عام 1980، وارتفعت البطالة إلى 3.6 ملايين عاطل عام 1980، جلهم من الشباب، وفقدت الليرة 60% من قيمتها.

وفي المقابل، حقق حزب العدالة والتنمية رصيداً من الإنجازات على مستوى الحريات والعدالة الاجتماعية والرفاهية والكرامة الإنسانية تنادَى بها أردوغان شعبه فنهض يفتديها حتى لا يدوسها العسكر بأحذيتهم الغليظة مرة أخرى.

على مستوى الحريات وحقوق الإنسان، تسلم العدالة والتنمية الحكم في 2002، فألغى الطوارئ بعد 21 يوماً من تشكيل الحكومة، وألغى محاكم أمن الدولة سيئة السمعة بعد عامين.


على مستوى العدالة والرفاهية، ارتفع الناتج القومي في عهد الحزب من 230 مليار دولار في العام 2002، إلى 820 مليار دولار خلال العام 2013، وارتفع مستوى الدخل السنوي للفرد التركي إلى 10500 دولار، بعد أن كان 3500 دولار.

وزاد حجم التجارة من 250 مليار دولار، إلى 840 مليار دولار، وزادت قيمة الصّادرات التركية من 36 مليار دولار إلى 158 مليار دولار، وتحولت تركيا من دولة مدينة لصندوق النقد الدولي تطبق سياساته التقشفية المهينة إلى دولة دائنة له تملي عليه شروطها. ووصل الاقتصاد التركي في عهد أردوغان إلى المرتبة 17 بين أكبر اقتصاديات العالم، تخدمه استثمارات في البنية التحتية هي الأكبر في العالم بقيمة 44 مليار دولار.

انتفض الشباب التركي يدافع عن مكتسباته التي تحققت في ظل العدالة والتنمية. فلا توجد دولة في المنطقة، وكلها دول نفطية، تقرض شبابها 50 ألف ليرة لعمل مشروع خاص، أو 100 ألف ليرة لمشروعات الشباب الجماعية، وقروضا أخرى للزواج، حتى في سن الدراسة، وتوفر الإنترنت مجاناً لهم، وترفع ميزانية التعليم والصحة فوق ميزانية الدفاع، وتبني 25 جامعة حكومية، وتوفر العلاج المجاني طالما كانت أعمارهم دون 18 سنة، وتُقدم إعانة للعروس بمقدار راتب 24 شهراً لابنة المزارع والحرفي المتوفى، إلا تركيا العدالة والتنمية.

ولا توجد دولة من دول المنطقة تخصص للأسر محدودة الدخل مكافآت لكل طالب ترسله للمدرسة، وتأميناً صحياً يغطي 98% من مواطنيها، في سابقة ليس لها مثيل في العالم، وتقوم الدولة بسداد أقساط التأمين لمن يبلغ دخل الأسرة لديهم أقل من ثلث الحد الأدنى للأجور، وتقدم مساعدات منتظمة في الوقود لأكثر من مليوني منزل، وفي سابقة غير موجودة في العالم، إلا في تركيا العدالة والتنمية!!

الشباب التركي الذي ينعم بهذه المكتسبات يتابع الإعلام التركي القريب من العدالة والتنمية الذي يفصل في الشأن المصري ويهتم بإنجازات العسكر في مصر خاصة التي تعالج بطالة الشباب، بألف من عربات الخضار والفاكهة الخاصة بالمبادرة الرئاسية لتشغيل الشباب، والمسماة "شباب مصر خير مصر" والممولة من هيئة المساعدات الخارجية، رغم أن نسبة البطالة بين شباب مصر تجاوزت 35% من زملائهم في القوى العاملة!!

صنعت تركيا العدالة والتنمية أول دبابة تركية وأول طائرة بدون طيار، وخفضت نسبة البطالة من 38% إلى 2% فقط، وأصبحت تركيا العدالة والتنمية السابعة عالمياً في تصدير المنتجات الزراعية، بكافة أنواعها الطازجة منها والمعلبة والمصنّعة، وقروض تربية المواشي بلا فائدة.

الرئيس أردوغان لفت اهتمام شعبه وذكّرهم بخطايا الانقلابات وهو يهاجم الجنرال السيسي في الأمم المتحدة قبل عامين ورفع يده بشارة رابعة كعادته وشاهدوه يطالب أعضاءها بعدم الاعتراف بمن جاء بعد قتل الآلاف، في إشارة إلى الجنرال السيسي، وأدان المنظمة فقال "اكتفت الأمم المتحدة والدول الديمقراطية بالمشاهدة، والشخص الذي قام بالانقلاب يُشرعن له، وإذا كنا ننادي بالديمقراطية فيجب أن نحترم الصندوق.

أما إذا كنا سندافع عن الانقلاب وليس عن الديمقراطية، فإنني سأتساءل، هذه الأمم المتحدة لم هي موجودة"، وأدان كلَّ من لم يدافع عن القتلى في مصر، فقال "كل من صمتوا واكتفوا بمشاهدة قتل الأطفال، وإسقاط النظم المنتخبة بالسلاح والدبابات، هم شركاء صريحون في هذه الجريمة ضد الإنسانية".

الانقلاب في مصر كان ملهماً لأردوغان، وظل يذاكر مع شعبه ويذكرهم طوال العام الحالي بالكلفة الاقتصادية لمحاولة الانقلاب الفاشلة في 2013 التي كلفت الدولة 120 مليار دولار، على أقل تقدير، وقال ذات مرة "فكونوا على ثقة أنَّ خسائر تركيا المالية كانت ستبلغ أضعاف ذلك"، فظل الأتراك يقظين للحرية والرفاهية حتى جاء اليوم الموعود!!

من إسطنبول التي اختارها ميداناً يخوض فيه المعركة، حيث معقل العدالة والتنمية ومسقط رأسه وعمدتها ورائد نهضتها ومؤسس بنيتها التحتية حتى أصبحت أهم معلم سياحي، بعد أن كانت بلديتها مدينة بملياري دولار تعاني البطالة والعشوائيات، نادى أردوغان "أدعو أبناء شعبي للاحتشاد في الميادين والمطارات" ولبى الترك النداء.