تركيا.. اقتصاد صامد رغم الانقلاب ولكن!

تركيا.. اقتصاد صامد رغم الانقلاب ولكن!

18 يوليو 2016
الأسواق الدولية تجاهلت ما يحدث في تركيا (Getty)
+ الخط -
لو أن ما وقع من محاولة انقلاب واسعة حدثت في دولة متردية اقتصادياً وضعيفة مالياً لانهارت عملتها الوطنية وتهاوت بورصتها وأسواقها المالية، خاصة مع استمرار تخوف كبار المسؤولين من حدوث موجة جديدة من الانقلاب.

ولو أن انقلاباً شارك فيه نحو 30% من أفراد الجيش في بلد ما وتورط فيه 30 جنرالاً وآلاف العسكريين، لاهتز اقتصاد هذه الدولة وربما انهار خلال فترة قصيرة.

أما وأن ما حدث وقع في تركيا القوية اقتصادياً والتي أحبط شعبها الانقلاب الفاشل، فإننا نجد صورة مغايرة حيث شهدت الأسواق بها استقراراً وتماسكاً ملحوظين في أول يوم عمل لها، وهذا التماسك كان لافتاً للمستثمرين الدوليين خاصة المؤسسات المالية والاستثمارية التي لديها استثمارات في تركيا، أو تخطط للتواجد بها مستقبلاً.

ولو أن تركيا سارعت وفرضت مثلاً حالة الطوارئ وحظر التجوال وكانت غير قادرة على مواجهة فلول الانقلاب وأفزعت الأسواق بقرارات استثنائية، ما تمكنت من افتتاح القطاع المصرفي وبورصة الأوراق المالية في إسطنبول وأنقرة في مواعيدها المحددة اليوم، ولأغلقت جميع المؤسسات المالية الحساسة، مثل البنك المركزي ووزارة المالية حتى انتهاء الأزمة.

اليوم الإثنين، كان أول يوم عمل للبنوك والبورصة عقب محاولة الانقلاب، حيث تحصل هذه المؤسسات على يومي السبت والأحد إجازة أسبوعية، وكانت التوقعات تصب تجاه تعطيل الحكومة عمل هذه المؤسسات خوفاً من حدوث هروب جماعي للمستثمرين الأجانب من البورصة، وحدوث عمليات سحب واسعة للودائع، خاصة الدولارية، من البنوك، وضغط شديد على سوق الصرف الأجنبي.

إلا أن الحكومة فتحت أبواب هذه المؤسسات أمام العملاء، وكأن شيئاً لم يحدث، وكانت النتيجة ثقة إضافية في الأسواق التركية من المستثمرين، حيث ارتفعت الليرة التركية اليوم بنسبة 3% أمام الدولار، لتعوض خسائرها التي تكبدتها ليلة الانقلاب حيث فقدت 5% من قيمتها.

ولم تحدث، أيضاً، عمليات سحب للودائع، ولم يشهد القطاع المصرفي تطورات لافتة وغير معتادة، ولم تشهد البنوك زيادة ملحوظة في تكلفة الاقتراض الخارجي وهي الزيادة التي تحدث في أوقات الأزمات وزيادة المخاطر، ولعب إعلان البنك المركزي التركي توفير سيولة غير محدودة للبنوك في طمأنة المودعين والمستثمرين معاً بشأن سلامة القطاع.


وأعيد فتح مضيق البوسفور بإسطنبول، والذي يتم من خلاله عبور نحو 3% من شحنات النفط العالمية القادمة بشكل رئيسي من موانئ البحر الأسود ومنطقة بحر قزوين بعدما أغلق لساعات بعد الانقلاب.

بل إن الأسواق الدولية تجاهلت ما يحدث في تركيا وتعاملت معه على أنه شيء عادي أو بات من الماضي ولا يشكل خطراً على الأسواق، ولذا تراجعت أسعار الذهب والعملات وهي القطاعات التي استفادت عقب الإعلان عن محاولة الانقلاب.

تركيا لم تستفد فقط من إحباط شعبها لانقلاب فاشل، لكنها استفادت هذه الأيام، أيضاً، من قوة مركزها المالي الذي صنعته على مدى السنوات العشر الماضية، لذا استقرت أسواقها المالية بقوة.

ولمن لا يعرف تركيا فهي تصنف على أنها واحدة من أقوى الاقتصاديات العالمية وأسرعها نمواً، وهي عضو بمجموعة العشرين التي تضم مجموعة الثماني الصناعية الكبرى مثل أميركا وبريطانيا واليابان وألمانيا، وهي من الدول القلائل التي تصدت للأزمة المالية، وحققت معدلات نمو عالية في الوقت الذي كانت فيه دول الغرب والشرق تحقق معدلات نمو سلبية.

بالطبع مستقبل الاقتصاد التركي ليس بهذه الوردية، فهناك فاتورة كبيرة سيتحملها هذا الاقتصاد جراء الانقلاب الفاشل، منها تكلفة الضبابية وعدم اليقين خاصة على المستوى القصير، وتكلفة مواجهة هذا الانقلاب من أجهزة الدولة، وتعطل آلاف المتظاهرين في الشوارع عن الإنتاج، ووقف الإجازات السنوية لأكثر من ثلاثة ملايين موظف حكومي، وهروب مستثمرين أجانب من البورصة في حال استمرار حالة التوتر السياسي الناجمة عن اعتقال آلاف المشاركين في انقلاب الجمعة.

 لكن على المدى المتوسط سيتم لملمة هذه الخسائر بشرط تحقق عدة أمور، منها إغلاق حكومة أردوغان هذا الملف بسرعة، وإيقاف حركة الاعتقالات الجماعية، وعدم اصطدام الحكومة بالقوى التي ساندتها في مواجهة الانقلاب وفي مقدمتها الأحزاب السياسية، وطمأنة المستثمرين الأجانب، وإعطاء حوافر إضافية لهم.

والأهم من ذلك ألّا تمتد عقوبات الحكومة ضد المشاركين في الانقلاب للمؤسسات المالية والمصرفية، وبالتالي تعطل الخدمات المصرفية المقدمة لرجل الشارع، أو تزعج مستثمري ومساهمي هذه المؤسسات الذين لا تربطهم علاقة بقادة الانقلاب.