المصالح الأميركية تتحكم في أسواق النفط

المصالح الأميركية تتحكم في أسواق النفط

18 يوليو 2016
أميركا تتحكم في أسعار النفط (Getty)
+ الخط -

لا يزال النفط هو الوقود الاقتصادي الأول من بين مصادر الطاقة الأخرى، من حيث قدرته على إمداد المجتمع الدولي باحتياجاته من الطاقة، بتكلفة مناسبة، بعد أزمة انهيار أسعار النفط منذ منتصف عام 2014.
وحسب محللين، تعد قضية أسعار النفط من القضايا المهمة التي تحكم علاقات المنتجين والمستهلكين، وهي ليست علاقة تنافسية تحكمها آليات وقواعد العرض والطلب فقط كما يشاع، ولكنها محكومة بمصالح الدول الكبرى، وبخاصة أميركا والدول الأوروبية، واستخدم النفط بشكل واضح في الصراعات السياسية حديثًا، وفي الحروب العسكرية إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية، ومؤخرًا في الصراع الأميركي الأوروبي مع إيران وروسيا.

وساعد على سيطرة أميركا والغرب بالتحكم في معادلة النفط عالميًا، تفكك الدول المنتجة وعدم نجاحها منذ منتصف السبعينيات في تفعيل منظمة "الأوبك" التي تنتج نحو 30% من الإنتاج النفطي العالمي البالغ 90 مليون برميل يوميا.
وكذلك فإن الدول النفطية من خارج أوبك، لم تفلح جهودها في إيجاد كيان يحافظ على مصالحها، ولعل اجتماع الدوحة الأخير والذي عقد في أبريل/نيسان 2016، دليل على فشل الدول المنتجة في الوصول لموقف موحد من أجل تحقيق مصالحها في سوق النفط.

وتعاني الدول المنتجة وشركات النفط العالمية من أضرار صاحبت أزمة انهيار النفط، حيث يعبر تصريح وزير النفط السعودي خالد الفالح، مؤخرًا، بأن سعر النفط دون الـ 50 دولارا يعوق الاستثمارات النفطية، عن واقع الأزمة التي تعيشها الدول النفطية وكذلك شركات النفط.
وعلى الجانب الآخر تستفيد الدول المستهلكة للنفط من أزمة انخفاض أسعاره، لتبريد معدلات التضخم، واستمرار استفادتها من انخفاض تكلفة منتجاتها، سواء المنتجة محليًا أو التي تستهدف التصدير.
لكن تبقى معادلة تحديد أسعار النفط غامضة، وإن كانت يد أميركا والدول الغربية تديرها في إطار مبدأ "اليد الخفية"، ولكن اليد الخفية هنا لا تعمل وفق الأيديولوجية الرأسمالية كونها تسعى لتحقيق مصالح الجميع وتساعد على استعادة التوازن بالأسواق، فـ "اليد الخفية" التي تدير بها أميركا سوق النفط تحقق مصالحها فقط ارتفاعًا وانخفاضًا، فهي تدير من خلالها شؤونًا اقتصادية وسياسية، عبر العديد من الوسائل.
وحسب محللين، هناك مجموعة من الأسباب العامة التي يمكن من خلالها قراءة اتجاهات أسعار النفط، على رأسها معدلات النمو الاقتصادي العالمي، سواء كان ذلك اتجاهًا عامًا، أو يخص بعض الأقاليم، فترتفع الأسعار مع زيادة أو انخفاض معدلات النمو الاقتصادي، وكذلك الإعلان عن اكتشافات جديدة ودخولها حيز الإنتاج، أو نضوب آبار منتجة، أو تراجع معدلات إنتاجها، وهكذا.

ولا زالت أميركا تسيطر بشكل كبير على الشركات متعدية الجنسية العاملة في مجال استكشاف وإنتاج النفط، ويمكنهما التحكم في حجم الاستثمارات وتوزيعها الجغرافي، ولعل حالة الترقب التي تعيشها إيران لاستقبال هذه الاستثمارات، تبين حجم تأثير هذه الشركات في إنتاج النفط، وباقي مراحل التعامل عليه، توزيعًا واستهلاكًا.
كما أن للصراعات العسكرية وحالات عدم الاستقرار السياسي بالدول المنتجة والمصدرة دورا في ارتفاع وانخفاض أسعار النفط، ولا يخفى على أحد الدور الأميركي في إدارة هذه النزاعات والخلافات.


وتحتفظ أميركا لنفسها بمجموعة من الأسباب المؤثرة بالفعل في اتجاه أسعار النفط، وهذا ما تم ملاحظته على مدار الشهور الماضية بوضوح، فكلما ارتفع سعر النفط ليتجاوز سقف الـ 50 دولارا، وترتفع معه آمال الدول النفطية لاستعادة مواردها النفطية المفقودة، يتم الاعلان عن زيادة المخزون الاستراتيجي من احتياطي النفط الأميركي لتهبط الأسعار بشكل مألوف، ومع انخفاض هذا المخزون يحدث العكس.
وبالتالي فإن أميركا تمتلك من خلال إعلانها عن بيانات حجم المخزون أن تتحكم في زيادة أو خفض أسعار النفط في كثير من الأحيان.

والجدير بالذكر أن أميركا وغيرها من الدول الأوروبية، تبنت سياسة تكوين المخزون الاستراتيجي النفطي بشكل كبير بعد أزمة النفط في عام 1973، وكان واضحًا أن هذه الآلية سيتم توظيفها بشكل قوي لإحداث توازن في سوق النفط، ثم تحول إلى إحدى الأوراق التي تدير بها أميركا بشكل رئيس ومعها الدول الغربية لسوق النفط، بكل مكوناتها.
فأسعار النفط في السوق الدولية تترقب أداء المخزون الاستراتيجي من النفط، وبخاصة في أميركا، وأصبحت بيانات هذا المخزون عاملًا مستقلًا في تحديد أسعار النفط.

أما الآلية الثانية التي تمتلكها أميركا فهي البيانات الخاصة بأدائها الاقتصادي، وبخاصة البيانات المتعلقة بالتضخم والبطالة، فمع تحسن هذه البيانات ترتفع أسعار النفط، ومع تراجعها تتراجع أسعار النفط، وبالتالي كل من يهمه مستقبل أسعار النفط، عليه أن يراقب أداء المؤشرات الاقتصادية الأميركية، حيث تمتلك أميركا وحدها نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي، أي نحو خمس الناتج المحلي، وإن كانت في بداية التسعينيات حصتها أكبر من ذلك، حيث كانت أميركا تحقق نسبة نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

والآلية الثالثة هي سعر الدولار، حيث تذهب قواعد تحليل العلاقة بين النفط والدولار إلى أنها علاقة عكسية، فكلما ارتفع الدولار انخفضت أسعار النفط، وكلما انخفض سعر الدولار ارتفعت أسعار النفط، حيث يعتمد هذا التحليل على أن السوق تحكمه المضاربة، ومع ارتفاع سعر العملة الأميركية يتجه المضاربون للاستحواذ عليه والاتجار فيها بسوق النقد ويهملون المضاربة على السلع وعلى رأسها النفط، والعكس صحيح، عندما ينخفض سعر الدولار تتوجه أموال المضاربين بالسوق الدولية للمضاربة والاتجار في النفط.

وتتحكم السياسة النقدية لأميركا بشكل واضح في اتجاهات سعر الدولار، وحسب مراقبين للسياسة النقدية الأميركية منذ بداية الألفية الثالثة، يجدون أن أدواتها لم تترك لقواعد العرض والطلب وحرية السوق، ولكنها اتجهت للتخلي عن الدولار القوي، وكذلك خفضت قيمة سعر الفائدة بشكل كبير، من أجل زيادة الإنتاج وفرص العمل بالسوق الأميركي.
وعلى الرغم من تصريحات بعض مسؤولي الدول النفطية، وتحديداً المسؤولين السعوديين بأن النفط أصبح سلعة اقتصادية ولا يوظف سياسًا، وأن سعره يخضع لقواعد العرض والطلب، إلا أن الواقع عكس ذلك، سواء من قبل السعودية وإيران، أو من قبل أميركا والغرب. وقد حاولت روسيا توظيف الغاز الطبيعي ومواردها النفطية في صراعها مع أميركا والغرب، ولكنها لم تنجح في ذلك لصغر حصتها مقارنة بالسوق الدولية.

وحرص أميركا على أن تُلم بأوراق لعبة النفط، سواء من خلال إداراتها للأسباب المتعلقة بالنواحي السياسية أو الاقتصادية، يأتي في إطار حرصها على بقائها قوى عظمى، واستعادة سيطرتها على مقدرات اقتصاد عالمي أحادي القطبية، وقد تزاحمها بعض الدول الصاعدة، ولكن لعبة النفط تجمع مصالح الدول الصاعدة مع أميركا والغرب، من حيث الاستفادة من بقاء أسعار النفط عند هذه المعدلات المنخفضة، فضلًا أن الدول الصاعدة رغم تحقيقها لبعض النجاحات الاقتصادية، إلا أنها لا زالت أسيرة آليات وقواعد اللعبة الاقتصادية الرأسمالية.


المساهمون