4 تحديات بانتظار رؤية السعودية 2030

4 تحديات بانتظار رؤية السعودية 2030

13 مايو 2016
السعودية هي أكبر مصدر للنفط في العالم (Getty)
+ الخط -
يقولون "ما تأخر من بدأ"، ومنذ أيام أُعلن عن اعتماد النظام السعودي رؤية تخص مستقبل البلاد في عام 2030، هكذا قدمت، قبل ثلاثة عقود، دول في جنوب شرق آسيا، مثل سنغافورا وماليزيا، لمجتمعاتها رؤى لبدايات القرن الواحد والعشرين. 

وعكست رؤية السعودية حالة من التفاؤل بتحقيق نقلة نوعية في العديد من مفاصل اقتصاد المملكة، وبخاصة تلك التي عُدت من تحديات أو مشكلات يعاني منها الاقتصاد السعودي، مثل الاعتماد الكبير على العائدات النفطية، وما يكتنفها من مخاطر خارجية، تتعلق بتذبذبات السوق الدولية للنفط، أو تراجع أداء الصادرات النفطية، أو قصر النشاط السياحي على الجانب الديني المتعلق بالحج والعمرة.

وقد تبنت الرؤية توجهاً جديداً مثل الكشف عن الإمكانات الأثرية بالمملكة والسعي لتسجيلها ضمن التراث العالمي، وكذلك إقامة متاحف عالمية بمساحات وإمكانيات ضخمة، بغية جذب السياحة العالمية.

الاستغناء عن النفط

تصور بعضهم أن رؤية السعودية 2030، سوف تنهي دور النفط الرئيس في أداء الاقتصاد السعودي، ولكن الاطلاع على مكونات هذه الرؤية، يُظهر أنها تسعى لتخفيف هذا الدور فقط، وتقليل مساهمته في الناتج المحلي أو في الصادرات.
فعلى سبيل المثال أشارت الرؤية إلى بعض المستهدفات المتعلقة بالنفط، ومنها أن تصل الزيادة في الإيرادات الحكومية غير النفطية من 163 مليار ريال سنوياً حالياً (الدولار يعادل 3.75 ريالات سعودية) إلى واحد ترليون ريال في 2030، أي أن الزيادة المستهدفة تصل إلى 613%.
وحسب بيانات صندوق النقد الدولي، فإن النفط يمثل 90% من الإيرادات الحكومية النفطية، ونحو 80% من قيمة الصادرات السعودية.
والهدف الثاني للرؤية السعودية في 2030 حول النفط، هو أن تصل نسبة الصادرات غير النفطية إلى 50% على الأقل من الناتج المحلي، مقارنة بنحو 16% حالياً، وهو ما يفرض تحدياً حقيقاً على الحكومة السعودية، خلال خمس عشرة سنة قادمة، وبخاصة أن معظم دول المنطقة تستهدف تحقيق أهداف مماثلة.

ولعل إيران ستكون المنافس الشرس للسعودية في هذه المجالات، خلال المرحلة المقبلة، وبخاصة أنها تمتلك مقومات صناعية وتنوع في الموارد الاقتصادية (البشرية والطبيعية) قد يفوق السعودية.

وحسب بيانات وزارة المالية السعودية في تقديراتها لمشروع موازنة العام المالي 1436/1437، توقعت أن يكون الناتج المحلي بنهاية عام 2015 بنحو 2.4 ترليون ريال، وبلا شك أنه بعد 15 عاماً سيكون الناتج المحلي أعلى بكثير من هذه القيمة.

وإذا ما افترضنا أن الناتج المحلي السعودي في ضوء الرؤية التفاؤلية لعام 2030 سيتضاعف مرة واحدة لما هو عليه في عام 2015، فإن قيمة الناتج وفق هذا الافتراض ستكون بحدود 5 ترليونات ريال، ومعنى أن تمثل الصادرات السلعية غير النفطية 50% على الأقل من هذه القيمة، فإن الحكومة السعودية مطالبة بتحقيق صادرات سلعية غير نفطية تصل إلى 2.5 ترليون ريال، أي بما يزيد عن قيمة الناتج المحلي الإجمالي للسعودية بالكامل في عام 2015.

تحديات صعبة

نظراً لطبيعة التناول الإعلامي لرؤية السعودية في عام 2030، فإنها عرضت فقط طموحاتها، وكذلك بعض مظاهر الفرص ونقاط القوة، دون أن يتم استعراض نقاط الضعف والتحديات، وبلا شك أن هناك تحديات كثيرة تقف أمام وصول هذه الرؤية إلى أهدافها بنسبة كبيرة، ومن هذه التحديات ما يلي:


1- عدم الاستقرار السياسي والأمني بالمنطقة، حيث مازالت الأجواء السياسية والأمنية تمثل حجر عثرة أمام مشروعات التنمية بالمنطقة، ويزيد من صعوبة الأمر بالنسبة للسعودية أنها أصبحت طرفاً مباشرة في هذه الصراعات، بل في الحروب المباشرة والمفتوحة، كما هو الحال في اليمن، ومن هنا تعويل السعودية على جذب استثمارات أجنبية مباشرة، أو شراكات بين القطاعين العام والخاص بهذه النسب الكبيرة يصبح محل شك.

2- القدرات الاستثمارية التي تتعلق بالموقع الجغرافي والبنية الأساسية، التي أشارت إليها الرؤية، لا تمثل ميزة تنافسية للسعودية بين دول المنطقة، فعلى سبيل المثال، تشير الإمارات إلى هذه المزايا، وتعدها إحدى مفرداتها في خطابها الاقتصادي للسوق العالمية، وكذلك الحال في مصر، بل ستكون إيران أيضاً لديها نفس الخطاب الترويجي لاقتصادها، وبخاصة بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها من أوروبا وأميركا.

3- استهدفت الرؤية أن يكون صندوق الاستثمارات العامة، من أكبر الصناديق السيادية في العالم، ووضعت لذلك هدفاً بخصوص أصول هذا الصندوق، لترتفع من 600 مليار ريال حالياً إلى نحو 7 ترليونات ريال في 2030. وركزت الرؤية على ما تمثله العوائد المنتظرة من عمليات الخصخصة في تكوين الأصول المالية المأمولة لهذا الصندوق.
 

الجدير بالذكر أن السعودية تأتي في مرتبة متقدمة بين الدول ذات الصناديق السيادية في العالم. ومع ذلك تمر البلاد بأزمة مالية حقيقية اضطرتها للجوء إلى الاقتراض المحلي وإصدار سندات محلية، وثمة توقعات بأن تقبل السعودية على الاقتراض الخارجي خلال الفترة المقبلة.
ومن هنا لم تأخذ الرؤية في الحسبان، ما ستمر به الإيرادات العامة للسعودية، وبخاصة في ظل احتمالات بقاء أزمة انهيار الأسعار لنحو خمس سنوات قادمة، وفق تقديرات منظمة الأوبك.

4- في حين تعتبر المشروعات الصغيرة عصب معظم الاقتصاديات التصديرية، وكذلك أهمية دورها في التخفيف من مشكلات البطالة، نجد أن هدف الرؤية متواضع بشأن هذه المشروعات، حيث استهدفت أن تصل نسبة مساهمة تلك المشروعات في الناتج المحلي الإجمالي 35% في 2030، بينما تصل مساهمتها حالياً بحدود نسبة 20%.
وتظهر كثير من الدراسات أن هذه المشروعات تمثل عصب الاقتصاديات المتقدمة، وتشغل نسبة تتراوح ما بين 70% - 95%.

ويمثل التحدي الحقيقي أمام مستهدفات الرؤية السعودية حيال تلك المشروعات، أن تستهدف القيمة المضافة لهذه المشروعات، وليس مجرد التركيز على المشروعات التقليدية، فالمشروعات الصغيرة يمكنها أن تساهم في إنتاج التكنولوجيا وبخاصة فيما يتعلق بإنتاج السلع التصديرية، سواء كانت هذه السلع صناعية أو إلكترونية.

وما لا يمكن التغاضي عنه، هو تفهم طبيعة النظام السياسي في المملكة العربية السعودية، من حيث بعده عن المؤسسية، وارتباطه بنظام ملكي يتعلق بشخص. ويأتي تبني هذه الرؤية من الملك السعودي، من كونها أحد اجتهادات ابنه، محمد بن سلمان، ولي ولي العهد، والذي يعد الشخصية النافذة في السلطة الآن، ولكن ماذا لو آلت السلطة لشخص آخر؟ هل ستظل الرؤية السعودية 2030 مشروع دولة، لا مشروع شخص؟