مؤشر الديمقراطية: عشوائية الحكومة المصرية تفاقم الاحتجاجات العمالية

مؤشر الديمقراطية: عشوائية الحكومة المصرية تفاقم الاحتجاجات العمالية

01 مايو 2016
المظاهرات شملت جميع فئات المجتمع (العربي الجديد)
+ الخط -



شهدت مصر 493 احتجاجاً عمالياً منذ الأول من يناير/كانون الثاني وحتى نهاية أبريل/نيسان 2016، بواقع 4 احتجاجات يومية، وبمتوسط احتجاج عمالي كل 6 ساعات، وفق آخر التقارير الصادرة عن مؤشر الديمقراطية، مساء أمس.

وتصدر فبراير/شباط المشهد الاحتجاجي العمالي بـ 164 احتجاجا تلاه مارس/آذار بـ 134 احتجاجا، ثم يناير/كانون الثاني وأبريل/نيسان بـ 98، 97 احتجاجا ليتضح التأثير العكسي للأحداث السياسية على انخفاض عدد الاحتجاجات العمالية خلال الأشهر التي تشهد أحداثا سياسية.

ولاحظ التقرير، الذي صدر اليوم، ارتفاع وتيرة الاحتجاجات العمالية بنسبة 25% عن العام الماضي (2015) الذي شهد 1117 احتجاجا عماليا بمتوسط 93 احتجاجا شهريا و372 احتجاجاً خلال 4 أشهر.

وتصدر عمال المصانع والشركات الفئات المنظمة للحراك الاحتجاجي العمالي بعدما نفذوا 107 احتجاجات بنسبة 21.7%، وجاء العاملون بقطاع الصحة كثاني الفئات المحتجة بعدما نظموا 91 احتجاجا بنسبة 18.4%، تلاهم العاملون والموظفون في الهيئات والوزارات الحكومية الذين نظموا 88 احتجاجا بنسبة 17.8%، في حين نظم أصحاب الأعمال الحرة 58 احتجاجا بمتوسط 11.8% من الاحتجاجات العمالية.

 قطاعات الاحتجاج

وفيما ارتفعت المعدلات الاحتجاجية للعاملين بقطاع النقل، الذين وصلت احتجاجاتهم إلى  49 احتجاجا خلال فترة التقرير، بنسبة 10% من الاحتجاجات العمالية، وانعكست الأزمات المستمرة لقطاع التعليم على احتجاجات العاملين في هذا القطاع، والتي وصلت إلى 41 احتجاجا مثلت 8.3% من إجمالي الاحتجاجات.

وأشار التقرير إلى الانتهاكات، التي تعرض لها المحامون بشكل انعكس في 27 احتجاجا خلال فترة الرصد، بينما شهدت نفس الفترة عصفا متعمدا بحقوق الصحافيين والإعلاميين بشكل عكسه 19 احتجاجا نظمها الصحافيون والإعلاميون، وانخفضت معدلات الاحتجاجات التي نظمها العاملون في القطاع الأمني بشكل يعكس مزيدا من رضى هذا القطاع، الذي تقلصت احتجاجاته لتصل إلى 6 احتجاجات فقط، بينما لم تعكس 7 احتجاجات للعاملين في قطاع السياحة مدى التدهور الجذري الذي شهده هذا القطاع .

وقال مؤشر الديمقراطية "لأول مرة منذ 2011 تشهد الاحتجاجات العمالية غيابا تاما للمطالب السياسية أو المدنية، حيث جاءت 99.2% من الاحتجاجات العمالية متعلقة بمناخ العمل بشكل مباشر تصدرها المطالبة بالمستحقات المالية للقوى العاملة، والتي نظمت 135 احتجاجا لهذا السبب بنسبة 27% من إجمالي المطالب، حيث تفاقمت مشكلة الأجور خلال السنوات الماضية وتوقف أجور العمال بالأعوام، خاصة بعد تعطل صناعات بأكملها مثل صناعة الغزل والنسيج، مما جعل عمال شركة مصر إيران على سبيل المثال والبالغ عددهم 2800 عامل ينتظرون رواتبهم لمدد تقترب من الـ 10 أشهر بشكل أثر على حياتهم بشكل جذري، وأفضى بتفكك أكثر من 40 أسرة حتى الآن، في نفس الوقت الذي لا يزال فيه عمال مصنع سجاد دمنهور التابع للأوقاف المصرية، يناضلون من أجل رفع رواتبهم التي تتراوح بين 370 جنيها لغير المثبت و470 جنيها للمثبت بشكل يثير انتهاكا واضحا لأبسط القواعد المنظمة للأجور العادلة، وهناك آلاف وربما ملايين العمال المتشابهة ظروفهم وأوضاعهم مع المثالين السابقين، في حين طالب 58 احتجاجا عماليا بالتعيين والأمان الوظيفي بشكل مثل 12% من المطالب، وجاءت مطالب العاملين بقطاع النقل لتتصدر 44 احتجاجا بشكل يعكس إشكالية واضحة في إدارة عملية هذا القطاع في مصر.

وقال المؤشر إن أفراد جهاز الشرطة في مصر مثلوا رابع أكبر معوقات العمل، حيث خرج 40 حراكا احتجاجيا ضد اعتداءات العاملين بقطاع الشرطة على القوى العاملة، ومثل المحامون والأطباء والسائقون والصحافيون وعمال اليومية/السريحة أبرز الفئات، التي تعرضت لتلك الاعتداءات التي وصلت إلى القتل في أحيان عدة، بشكل عكس خللا واضحا في إدارة الجهاز وجعله معوقا من المعوقات التي تواجهها القوى العاملة المصرية.




كما رصد المؤشر 26 احتجاجا عماليا خرجت ضد النقل والفصل التعسفي وقطع الأرزاق، حيث تشهد الدولة المصرية منذ 2011 حتى الآن إغلاق حوالى 7000 مصنع وشركة تضم قرابة 2 مليون عامل، ومعاناة سوق العمل المصري من كساد تام في قطاعات مثل الغزل والنسيج والسياحة وغيرها من المجالات، مما يجعل المطالب المتعلقة بالفصل وقطع الأرزاق سوف تتفاقم خلال الفترة القادمة، فضلا عما تحدثه تلك الانتهاكات من خلل كامل في نظام الدخل الفردي والقومي، وما تنتجه عمليات غلق المصانع والشركات ليس فقط كخسارة على مئات الآلاف من العمال وأسرهم، بل أيضا في أحجام رأس المال المستثمر وحجم إنتاجية السوق المصرية، والاقتصاد المصري بشكل عام.

 غياب الحريات

وعلى صعيد الحريات رصد المؤشر 5 احتجاجات للصحافيين للمطالبة بالإفراج عن زملائهم وحملة تقديم بلاغات كشفت ما تعانيه حرية الإعلام في مصر، وخاصة بعدما قبض على أكثر من 53 صحافيا ومراسلا خلال أيام، وتم الاعتداء عليهم وعلى المعدات الخاصة بهم والاطلاع على بياناتهم الخاصة بهواتفهم وأجهزة الحاسبات الشخصية، بالإضافة إلى احتجاجات الصحافيين للمطالبة بتمكينهم من المعلومات ولمزيد من الشفافية، الأمر الذي يدعو إلى اتخاذ تدابير فورية للحد من الانتهاكات، التي تطاول الصحافيين والإعلاميين في مصر كقطاع أساسي من قطاعات القوى العاملة ومؤشر أساسي لحال الحريات في مصر.

ودان المؤشر تعامل السلطات مع الاحتجاجات العمالية، قائلا: "خروج الاحتجاجات العمالية لأسباب قهرية تتعلق بمقاومة الفصل والتشريد وقطع الأرزاق بكافة أشكاله، والوقوف ضد العبث بالأجور التي لا تكفي سوى لتلبية الحد الأدنى، وخروج المحتجين ضد الاعتداءات الأمنية وضد الفساد بمؤسساتهم، جاء الرد عليه بفصل 43 عاملا بسبب الاحتجاج أو الدعوة له في خمس مؤسسات تم رصدهم".

كما رصد المؤشر أشكال ووسائل الاحتجاج العمالي، مشيرا إلى أن القوى العاملة المحتجة شكلت 20 أسلوبا/شكلاً/أداة للاحتجاج، وجاءت 95% من احتجاجاتهم سلمية ومتماشية مع الدستور المصري والتشريعات الدولية المنظمة للحق في التظاهر السلمي والاحتجاج، والتي صادقت عليها الدولة المصرية، وجاء على رأس تلك الأشكال الاحتجاجية 214 وقفة احتجاجية و99 إضرابا عن العمل، و36 تظاهرة، و31 اعتصاما، و28 حالة تقديم مذكرات/ شكاوى، و25 تجمهراً، و16 إضرابا عن الطعام، بينما نظمت القوى المحتجة 7 حملات مقاطعة و6 حملات جمع توقيعات، بالإضافة لمؤتمر احتجاجي وحملة إلكترونية احتجاجية.



 
وعمت احتجاجات القوى العاملة 170 مؤسسة عمل بالإضافة لعشرات الاحتجاجات التي لم تضمها مؤسسات عمل، مثل السائقين وأصحاب المحال التجارية وغيرها، لكن المؤسسات الـ170 التي رصدها التقرير تتمثل في 54 شركة وفرعا لشركة، و52 مستشفى، و26 مؤسسة أو هيئة حكومية، و13 مصنعا، و11 محكمة، و7 مؤسسات تعليمية من مدارس وجامعات، وميناءين بحريين.

وغطت الاحتجاجات العمالية 27 محافظة مصرية، تصدرتها القاهرة، التي شهدت 113 احتجاجا بمتوسط 23% من الحراك العمالي، تلتها محافظة الغربية التي شهدت 40 احتجاجا وتأتي البحيرة كثالث المحافظات احتجاجا عماليا بـ 32 احتجاجا، فيما تصدر إقليم القاهرة الكبرى ( القاهرة - الجيزة - القليوبية) الأقاليم الاحتجاجية بـ 144 احتجاجا، تلاها إقليم الدلتا ( كفر الشيخ - المنوفية - الغربية - الدقهلية - دمياط) والذي شهد 110 احتجاجات، فيما شهد إقليم القناة (الشرقية - السويس - الإسماعيلية - بورسعيد- شمال سيناء - جنوب سيناء) 63 احتجاجا، إقليم الاسكندرية (الإسكندرية - البحيرة - مرسى مطروح) 60 احتجاجا وشهدت أقاليم الصعيد الثلاثة (شمال ووسط وجنوب) 111 احتجاجا عماليا.

وحول سياسات الدولة تجاه القوى العاملة ومشكلاتها، أكد مؤشر الديمقراطية أن وزارة القوى العاملة تعجز عن حل أكثر من 75% من المشكلات الاحتجاجية للعمال، حيث أقرت وزارة القوى العاملة بإسهامها في التسوية الودية لـ 303 شكاوى عمالية جماعية، من إجمالي 1561 تلقتها، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال الباقي منها، فضلا عن تسوية 1392 شكوى فردية من إجمالي 5322 شكوى، وتمت إحالة الباقي منها إلى المحاكم العمالية المختصة بناء على طلب الشاكين بعد تعذر تسويتها وديا، أي أن الوزارة استطاعت وضع حلول وتسويات لـ 19.4% من الشكاوى العمالية الجماعية و26% من الشكاوى الفردية، وأحالت 1258 شكوى جماعية و3930 شكوى فردية للقضاء أو لاتخاذ الإجراءات القانونية، وهو ما يعكس إخفاق الدولة في وضع حلول لأكثر من 77% من مشكلات العمال، وفي الوقت ذاته تنتهج الوزارة والاتحاد العام لنقابات عمال مصر موقفا معاديا من أية منظمات أهلية أو نقابات مستقلة، تحاول المشاركة في وضع حلول، رغم اعتراف الدولة بأنها لا تستطيع سوى إحالة 77.5% من المشاكل العمالية للقضاء، الذي غالبا ما يطول انتظار أحكامه في القضايا العمالية التي تُنظر أحكامها سنوات حتى الإصدار ويبقى العمال طوال تلك السنوات إما مشردين خارج أماكن أعمالهم، أو معلقة حقوقهم في انتظار حكم قضائي عادل.

وانتهى التقرير إلى أن النظام الحالي نجح في إعادة إنتاج السياسات القديمة وغياب الإبداع سمة الدولة في التعامل مع مشكلات العمل، قائلا: "منذ عصر مبارك ووزيرته للقوى العاملة والوزارة تنتهج نفس الأسلوب، القائم على اعتماد كافة أنشطتها على تقديم مساعدات لا تسمن ولا تغني من جوع للعمال الذين توقفت رواتبهم، حيث تتراوح تلك المساعدات بين 500-750 جنيها للعامل ولمرة واحدة في أغلب الأحوال، وغالبا ما يكون العامل متوقفا عن صرف راتبه لمدد تتجاوز العام، بشكل يجعل تلك الإعانات مجرد مُسكِّن لحظي ولا تقدم أية حلول، ورغم مئات الملايين التي يُعلن عنها إلا أن تلك الملايين لا تستطيع بأي شكل من الأشكال تلبية احتياجات عمال مصنع واحد تم إغلاقه. وعلى سبيل المثال، مصنع الشركة القابضة للغزل والنسيج، التي تصل قوتها إلى  50 ألف عامل وتصارع من أجل تجنب التصفية، فإن صرف رواتب بحد 1000 جنيه للعامل يتطلب 50 مليون جنيه شهريا".

 التوظيف الوهمي

ولفت التقرير إلى السياسة السلبية الممتدة منذ القدم في إعلانات الوزارة عن الوظائف، التي لم تتدخل في خلقها، وحاليا تقوم الوزارة بإعادة الإعلان عن وظائف الشركات والمصانع والمحال التجارية وشركات التوظيف، على أنها وظائف خلقتها أو وفرتها الوزارة بشكل عارٍ تماما عن الصحة، كما تقدم العديد من المتقدمين بشكاوى بخصوص عدم جدية تلك الوظائف التي تعد معظمها وظائف رخيصة أو لا تتضمن وظائف تتناسب مع المؤهلات التعليمية والمهارية للقوى العاملة، في حين تصر الوزارة على الافتخار بـ 51 مركزا للتدريب لم تقدم بشكل موثق أية خدمات حقيقية للمواطن ولم نجد أية خطة استراتيجية لعمل تلك المراكز وربطها بالمؤسسات التعليمية أو العملية. وعلى سبيل المثال فإن بعض تلك المراكز قد منح دورة في برنامج الكتابة على الكمبيوتر word للعاملين على الكمبيوتر في إحدى الهيئات، ما يعكس عشوائية تلك المراكز وافتقارها لما يحتاجه المواطن منها.

وأشار التقرير إلى الخسائر الناجمة عن بعض القرارات الفاشلة أو غير المحسوب نتائجها، في إضراب في أحد موانئ الدولة لمدة 18 يوما، بشكل كلف الدولة قرابة 40 مليون جنيه، ويهدد سير العمل بمنفذ بحري يدر على الدولة 5 مليارات جنيه سنويا.

كما تعاني مصانع السكر في الحامول من تراكم 105 آلاف طن سكر بقيمة 425 مليون جنيه نتيجة عدم القدرة على نقل وتسويق هذا المنتج، لكن وعوضا عن التفكير في حلول لتلك الطاقة المعطلة، تقوم الدولة بتأسيس الشركة الشرقية لصناعة السكر بتكلفة 12 مليار جنيه، وتوقع القوى العاملة بروتوكول تعاون لتوفير العمالة الفنية لتلك الشركة، بشكل يوضح خللا في رؤية الدولة للاستثمار وعشوائية في التنمية الاقتصادية، تخسر الاقتصاد المصري المليارات وتدفعه إلى الهاوية بأقصى سرعة. وهو ما يعد امتدادا لتصريحات تتعلق ببناء 1000 مصنع جديد و15 منطقة صناعية جديدة تستقبل 30 ألف عامل، بتكلفة مليارات الجنيهات، في الوقت الذي يعاني فيه 7000 مصنع وشركة من الإغلاق والإفلاس منذ 2011، منها 2500 مصنع للغزل والنسيج يستطيع مصنع واحد فقط منها احتواء 50 ألف عامل، بحسب مؤشر الديمقراطية.

المساهمون