الجيوش للأسوار وليست للأسعار

الجيوش للأسوار وليست للأسعار

30 ابريل 2016
لا يوجد جيش في العالم يتدرب على ضبط الأسعار(Getty)
+ الخط -


تكررت موجات الغلاء في مصر مرات عديدة خلال السنتين الماضيتين، وفي كل مرة يكلف "السيسي" الجيش للتدخل بضبط الأسعار ولكن دون جدوى، وكان الملاحظ في هذه الفترة أن موجات الغلاء تأتي تابعة لقرارات اقتصادية عشوائية للحكومة.

فارتفعت الأسعار مرة بعد قرار النظام إلغاء منظومة الدعم العيني للسلع التموينية بالتزامن مع تنصيب "السيسي" رئيساً فعلياً للبلاد، وتحرير أسعارها، ما سبب تضخم أسعار السلع الأساسية، ونقص إمداداتها وتكريس الاحتكار والفساد.

ثم ارتفعت مرة ثانية بعد قرار "السيسي" برفع أسعار المحروقات منتصف 2014، بعد شهر واحد من توليه رئاسة الجمهورية في 8 يونيو 2014، بغرض تخفيض عجز الموازنة والإذعان لشروط البنك الدولي، فرفع أسعار البنزين والسولار بنسب وصلت إلى 78 في المائة ورفع سعر الغاز الطبيعي للسيارات إلى 1.10 جنيه للمتر المكعب من 0.40 جنيه، أي بزيادة 175 في المائة، ما رفع نفقات النقل وتكاليف الإنتاج الزراعي فزادت مباشرة أسعار جميع السلع.

بعد يومين من هذه الزيادة الضخمة استعان السيسي بالجيش لضبط الأسعار الملتهبة وامتصاص غضب الفقراء، فأمر وزير الدفاع، جميع منافذ الجيش ببيع السلع الغذائية بأسعار مخفضة، اعتباراً من يوم 7 يوليو 2014، فهل انخفضت الأسعار بعد كل هذه الإجراءات، أو حتى ثبتت عند مستوياتها السابقة؟!

لكن بعد شهر من هذه الإجراءات، كشف تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي عن زيادة هائلة سجلتها أسعار السلع، خلال شهر يوليو 2014، مؤكداً أن هذه الزيادة هي أكبر معدل تغير شهري، منذ مايو 2008، بسبب ارتفاع أسعار معظم السلع الاستراتيجية في هذه الفترة، ما يعد دليلاً رسمياً على فشل الجيش في المهمة الجديدة الغريبة الموكلة إليه والتي لم يتدرب عليها، فضلاً عن أن تكون من مهام الجيوش المتعارف عليها في الدول المتحضرة أو حتى المتخلفة.

ثم ارتفعت الأسعار للمرة الثالثة بعد قرار الحكومة المتهور برفع أسعار الأسمدة الكيماوية أواخر سنة 2014، وما تبعه من انخفاض الإنتاجية الزراعية وارتفاع تكاليف الإنتاج، في الوقت الذي تنخفض فيه أسعار الأسمدة مدعومة بانخفاض أسعار الغاز!!

وكالعادة عمد السيسي إلى توريط الجيش في معركة الأسعار الملتهبة من مسرح الجيش بالجلاء، وكسابقاتها يفشل الجيش في كسب معركة الأسعار للمرة الثالثة!!


وها هي الأسعار تشتعل في موجتها الرابعة بعد قرار البنك المركزي رفع أسعار صرف الدولار الأميركي ليفقد الجنيه المصري 14.5% من قيمته الشرائية، وها هو "السيسي" يكلف الجيش مجدداً، وقائده ورئيس أركانه، بضبط الأسعار وتعهد بأنه "لن يحدث تصعيداً في الأسعار للسلع الأساسية مهما حصل للدولار، الجيش مسؤول والدولة مسؤولة معاي"، على حد تعبيراته الغريبة.

ولم يفاجئ المواطن باستمرار الأسعار في الارتفاع بعد شهر من التكليف الأخير، ويخرج الدولار لسانه للنظام والجيش، ويكشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن ارتفاع معدل التضخم الشهري في مارس بنسبة 1.4% عن فبراير، ما يزيد من معاناة الفقراء في بلد يعتمد على الدولار في شراء 70% من قوته اليومي.

الواقع أن الدولة فشلت في خفض الأسعار المستعرة وهي التي تملك 25 ألف منفذ تمويني، وخمسة آلاف مجمع استهلاكي على مستوى الجمهورية، فكيف للجيش، الذي فشل على مدى سنتين، أن ينجح هذه المرة في خفض الأسعار أو تثبيتها ومنافذه لا تتجاوز الـ 468 بالقاهرة والمحافظات.

لم أر، في ما يبدو لي، زعيماً يكلف جيش بلاده مهمة ضبط الأسعار، مثل ما يفعل السيسي وصدقي صبحي، ولا يوجد كذلك جيش في العالم يتدرب على ضبط الأسعار مثل ما يتدرب على ضرب النار، والجيوش قوامها الضباط والجنود ومهمتهم تأمين الحدود وحراسة الأسوار، كما لا يوجد جيش في العالم قواته من التجار والبائعين مدربين على محارب الغلاء وضبط الأسعار.

فهل يحاسب المواطن رأس النظام أم جيشه، أم كليهما، وهل يقر قادة الجيش بهذا الفشل ويتحملون المسؤولية ويخضعون للمحاسبة أم يتبرأون منه ويحملونه لرأس النظام أم يحملونه جميعاً لوزراء المجموعة الاقتصادية؟!