مهربو الوقود يوسعون نفوذهم في تونس

مهربو الوقود يوسعون نفوذهم في تونس

21 ابريل 2016
تونس تعاني من تفاقم تهريب الوقود (فرانس برس)
+ الخط -
تشهد المناطق الحدودية الجنوبية في تونس، إصرار مهربي الوقود على توسيع نفوذهم، رغم تشديد الحكومة الإجراءات الأمنية والجمركية على تجارتهم في المعابر مع ليبيا. ونفذ أمس الأول، عدد من مهربي الوقود وقفة احتجاجية في إحدى الساحات العامة بمنطقة بن قردان من محافظة مدنين مطالبين الحكومة بمنحهم بطاقات مرور كحل وقتي عند جلب البنزين المدعوم والرخيص من ليبيا.
وهدد المهربون بتصعيد احتجاجهم بغلق الطريق الرابطة بين منطقة بن قردان والمعبر الحدودي رأس الجدير، إذا تواصل منعهم من التهريب عبر المسالك الصحراوية والتصدي لهم من قبل الوحدات العسكرية على طول الشريط الحدودي.
ويؤكد العديد من الخبراء أن توسع نشاط التهريب في المنطقة الحدودية الجنوبية حوّل مدينة بن قردان التي تعد نقطة ارتكاز مهمة في التجارة الموازية إلى ما يشبه الدولة داخل الدولة، ما أدى إلى احتجاج تجار الوقود المهرب على أنهم أصحاب حق مطالبين الدولة بتسهيل عملهم "غير الشرعي".
وفي هذا السياق، يقول رئيس غرفة محطات توزيع الوقود محمد الصادق البديوي، لـ"العربي الجديد"، إن أغلب محطات الخدمات في محافظات الجنوب قد أغلقت أبوابها ما عدا عدداً قليلاً من الشركات الحكومية التي تكتفي بتزويد السيارات الإدارية وأسطول النقل الحكومي لافتا إلى أن الدولة لن تستطيع السيطرة على مهربي الوقود. وأضاف أن تهريب الوقود يتم عبر شبكات محكمة التنظيم حيث تسيطر كل مجموعة على منفذ وتتواصل مع أجهزة الدولة من أمن وجمارك.
وأبرز أن الساتر الترابي الذي أقامته الحكومة على الحدود الجنوبية قلص من تحركات المهربين، ما جعلهم يحتجون علنيا رغم نشاطهم غير القانوني، متوقعاً تسبب غضب المهربين في انفلات أمني في حالة استمرار احتجاجاتهم.
ويعد المساس بمصالح مهربي البنزين بمثابة الخط الأحمر بالنسبة إلى أهالي بن قردان الذين قايضوا تعطل مشاريع التنمية في منطقتهم مقابل النشاط في التجارة الموازية.


وحسب بيانات رسمية نشرها البنك الدولي في تقرير حديث، يشتغل نحو أربعة آلاف شخص من أبناء المنطقة ممن تتراوح أعمارهم ما بين 20 و35 عاما في السوق السوداء والتهريب.
وقال البنك الدولي إن "هذا النوع من التجارة له دور اقتصادي واجتماعي مهم في المناطق الحدودية حيث التجارة غير الرسمية من الأنشطة الاقتصادية المهمة".
وارتفعت وتيرة عمليات التهريب بين ليبيا وتونس بعد الإطاحة بنظامي الحكم في البلدين عام 2011، ومع دخول ليبيا في حالة فوضى أضعفت الدولة ما جعل التجارة الموازية في المحروقات وغيرها من أهم مصادر الكسب لأهالي منطقة بن قردان وغيرها من المدن المجاورة للمعابر الحدودية.

وأكد تقرير للبنك الدولي في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن الاقتصاد التونسي يتكبد سنوياً خسائر بقيمة 1.2 مليار دينار أي نحو 600 مليون دولار بسبب التجارة الموازية مع الجارة ليبيا.
وذكر البنك أن التهريب والتجارة غير الرسمية يمثلان أكثر من نصف المبادلات التجارية مع ليبيا، وأن 328 ألف طن من السلع المهربة تمر سنويا عبر راس الجدير في بن قردان. ويعتبر التهريب صمام أمان في تونس التي تعاني من ارتفاع نسب البطالة والفقر.
ومن جانبه، أكد الخبير الاقتصادي، عبد الجليل البدوي، لـ"العربي الجديد"، أن توسع الضغوط إلى درجة الاحتجاج العلني على الحكومة من أجل السماح للمهربين بممارسة أعمالهم دليل على تجاوز هذه المجموعات لأي ضوابط قانونية، لافتا إلى أن المهربين يستمدون قوتهم من ضعف الدولة.
وأضاف البدوي أن الحكومة فشلت في وضع حد لنشاط المهربين بسبب صعوبات الاستثمار، مؤكدا على أن تجارة الوقود المهرب وغيرها تكتسي غطاء اجتماعيا حيث توفر هذه التجارة فرص عمل لآلاف العاطلين عن العمل، ما يضع الحكومة بين سندان المطالبين بالتنمية ومطرقة مقاومة التهريب.
واعتبر الخبير الاقتصادي أن توسع نشاط المهربين الذي بات يستأثر بنصف الاقتصاد وليد تراكمات سياسات حكومية خاطئة على امتداد أكثر من عقدين. وشدّد على أن السكوت عن مقاومة تلك الظاهرة شجع المهربين على توسيع نشاطهم بعد الثورة، إذ تبين أنهم يدفعون الأموال للجماعات الإرهابية لتأمين الطرق والمسالك وحمايتهم من الدوريات الأمنية.
وتكشف الدوريات المشتركة بين الأمن والجمارك على فترات متقاربة عن شبكات منظمة للتهريب الحدودي حيث تقوم بحجز كميات كبيرة من الوقود المهرب كما نجحت الدوريات منذ العام الماضي في الإطاحة بأشهر شبكات التهريب في الجنوب ومصادرة سلعها على غرار عائلة "وشواشة "، والمهرب "حسن معيز" الملقب بأمير الحدود الذي فضّل إنهاء حياته برصاصة أطلقها على نفسه عندما قامت قوات الأمن بمداهمة منزله.

المساهمون