تونس: عمال "الملابس" يواجهون خطر التسريح

تونس: عمال "الملابس" يواجهون خطر التسريح

12 ابريل 2016
مصنع ملابس في تونس (Getty)
+ الخط -
دق مصنعو النسيج في تونس، أجراس الخطر، مهددين بموجة تسريح كبرى للعمال، بعد أن خسر القطاع أكثر من 300 مؤسسة في السنوات الخمس الأخيرة، مطالبين الحكومة بالتدخل لوقف إسناد الرخص للعلامات الأجنبية التي اكتسحت السوق التونسية مؤخرا.
وأصدرت الجامعة العامة للنسيج التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل (منظمة العمال)، بيانا أعلنت فيه عن إطلاق حملة وطنية تحت عنوان "البس تونسي"، للدفاع عن المنتج المحلي، في دعوة تهدف إلى حماية آلاف الوظائف في صناعة الملابس.
وأكدت جامعة النسيج، أن هذه الحملة تأتي في ظل تنامي عدد الشركات المستوردة للملابس الجاهزة، مشيرة إلى أن ذلك يمثل خطرا حقيقيا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، ويهدد فرص عمل.
ويعد قطاع النسيج من أعمدة الصناعات المعملية في تونس، سواء من حيث عدد العاملين أو مساهمته في التصدير منذ السبعينات، حيث تقوم محافظات بأكملها في الساحل التونسي على هذه الصناعة التي تستقطب اليد العاملة من متوسطي المستوى الدراسي، تلك فئة ترضى، غالبا، بالأجور الزهيدة.
وشهد القطاع منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011، أزمة متعددة الجوانب أدت إلى إغلاق العديد من المؤسسات، سواء المحلية أو المصدرة بصفة كلية، بسبب منح الحكومة للعديد من التراخيص لعلامات فرنسية وإسبانية وإنجليزية، لفتح محلاتها في تونس، وهو ما جعل هذه الأخيرة تستأثر بحصة كبيرة من السوق.
كما تسببت انتفاضة العاملين في قطاع النسيج عقب الثورة على المصنعين والمطالبة بالرفع من أجورهم إلى وقف التصنيع في عدد من الوحدات الكبرى التي قررت إما الإغلاق النهائي أو خفض عدد العمال.
وتقول الجامعة الوطنية التابعة للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة (منظمة رجال الأعمال)، إن قطاع النسيج فقد أكثر من 40 ألف فرصة عمل خلال السنوات الخمسة الماضية منذ 2011.
وقال رئيس الجامعة، بلحسن غراب، في تصريح صحافي الأسبوع الماضي: "بعد أربع سنوات من الثورة، فإن قطاع النسيج في تونس يعاني حالة من التدهور، وتم فقدان حوالى 40 ألف فرصة عمل في هذا القطاع، إضافة إلى أن أغلب العلامات التجارية التونسية، تراجعت أمام نظيرتها الأجنبية، التي دخلت البلاد بعد الثورة".


وأشار رئيس الجامعة، أنّ قطاع النسيج تحوّل من أول قطاع مشغل، وأول قطاع مصدّر، إلى قطاع يعيش صعوبات كبرى، "من خلال إغلاق أكثر من 300 مؤسسة عاملة في هذا المجال، منذ 2011".
ويبلغ عدد شركات النسيج في تونس 1769 وحدة، منها 1484 مؤسسة تصدر إنتاجها كلياً، وتشغل هذه المؤسسات أكثر من 175 ألف شخص، بحسب الجامعة الوطنية للنسيج.
ويعترف المدير العام لوكالة النهوض بالصناعة والتجديد، سمير البشوال، بالصعوبات الكبرى التي يتعرض لها القطاع الصناعي في تونس، لا سيما صناعة النسيج، لافتا إلى أن 3493 مؤسسة صناعية أغلقت أبوابها بين 2007 و2015، منها 1868 أغلقت في الفترة المتراوحة بين 2011 و2015، أي بمعدل 374 عملية إغلاق في السنة.
ويعتبر البشوال، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن قطاع النسيج تأثر أكثر من غيره بموجة الغلق، نتيجة تراجع القدرة الشرائية في السوق المحلية، وهو ما أثر على مستوى الطلب، فضلا عن الاحتجاجات الاجتماعية التي أجبرت عددا مهما من أصحاب المؤسسات إلى غلق مصانعهم والبحث عن أسواق أكثر استقرارا.

ولفت البشوال، إلى أن دخول اتفاقية الألياف المتعددة لتجارة المنسوجات والملابس الجاهزة، والتي خولت للصين ترويج منتجاتها من النسيج من دون رسوم جمركية، أثر يشكل كبير على المصانع المحلية التي تفتقد للقدرة التنافسية التي تمكنها من الصمود أمام غزو السلع الصينية.
وتقر وزارة الصناعة والطاقة والمناجم، أن القطاع يواجه صعوبات نتيجة التداعيات السلبية للأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، فضلا عن منافسة المنسوجات الآسيوية، خاصة في الأسواق الأوروبية.
وتشير البيانات الرسمية لوزارة الصناعة أن 1750 مؤسسة في القطاع تمثل 32% من العدد الإجمالي للمؤسسات الصناعية حافظت على نسق نشاطها خلال السنوات الخمس الماضية. ودعت الوزارة، المهنيين إلى التنسيق معها من لمجابهة التحديات المستقبلية للرفع من القيمة المضافة لقطاع النسيج والملابس.
ويشير الخبير الاقتصادي عبد الجليل البدوي إلى أن دولا عديدة مرت بنفس الأزمة التي يمر بها قطاع النسيج في تونس، لافتا إلى إنّ البلدان التي لن تكون قادرة على الصمود في وجه المنافسة الصينية هي أساسا تلك التي ركّزت اقتصاداتها على قطاع النسيج والملابس، وبصورة أدقّ، تلك التي تخصصت في المناولة في مجال خياطة الملابس بهدف التصدير، على غرار تونس والمغرب وبلدان أوروبا الوسطى.
ولفت البدوي في تصريح لـ "العربي الجديد" إلى أن قطاع النسيج، ومنذ نشأته، لم يتطور كثيرا، حيث ظل أقرب إلى القطاع الخدماتي منه إلى قطاع صناعي، معتبرا أن الدولة التونسية لم تحم هذا القطاع بسبب الامتيازات الجمركية الكبيرة التي منحتها للمستثمرين إلى جانب منح التراخيص للعلامات الأجنبية لدخول السوق المحلية دون دراسة مسبقة على انعكاساتها على الاقتصاد المحلي.
ويعتقد الخبير الاقتصادي أن العوامل التي صنعت، في فترة ما، "ربيع النسيج التونسي"، تلاشت. مشيرا إلى أن قدرة قطاع الملابس في تونس على المنافسة كانت نابعة أساسا من التسهيلات الكبيرة والإعفاءات المقدمة للاستثمار الخارجي ومن الضغط على الأجور، علاوة على عامل القرب الجغرافي من الأسواق الأوروبية، وهي عوامل لم تعد كافية، حسب تقديره، للمحافظة على نحو 180 ألف فرصة عمل.


المساهمون