طعام العراقيين رهينة المليشيات والجيش

طعام العراقيين رهينة المليشيات والجيش

30 ديسمبر 2016
العراقيون يعانون تردي الاقتصاد والأمن (فرانس برس)
+ الخط -
تشهد أسعار السلع في العراق تباينا كبيراً، فما تجده في العاصمة بغداد بدينار، ستجده في محافظتي الأنبار وصلاح الدين بعشرة أضعاف هذا الرقم، فنقاط وحواجز التفتيش الموجودة عند مداخل المدن الغربية والشمالية من العراق والتي باتت تعرف بالمدن الساخنة تفرض إتاوات على التجار لقاء دخول كل شاحنة إلى هذه المدن، ما يشعل أسعار السلع الواردة إليها. 
وفرضت الإتاوات التي تفرضها عناصر الجيش والمليشيات الداعمة للقوات الحكومية، معادلة اقتصادية تزيد من الأعباء التي أنهكت العوائل، وبات الكثير منها يفكر بالنزوح إلى مناطق أخرى في العراق.
ويقوم التجار وموردو السلع برفع سعر البضائع سواء كانت غذائية أو غيرها، حسب مقدار الإتاوة المفروضة عليهم، ما جعلهم أيضا يدفعون ثمن التقشف الإجباري الناتج عن تراجع القدرة الشرائية للعراقيين في الأنبار (غرب) وصلاح الدين (شمال).
ويقول حسين محمد، عضو غرفة تجارة بغداد لـ"العربي الجديد"، إن عند كل مدخل مدينة ثلاثة حواجز تفتيش واحداً للجيش والثاني للمليشيات والثالث للشرطة، وكل حاجز يفرض إتاوات على التاجر لقاء دخول بضاعته تصل إلى 500 دولار للشاحنة الكبيرة و200 دولار للشاحنات الصغيرة، وهناك بعض البضائع تتطلب دفع مبالغ أكبر تصل إلى 5 آلاف دولار.
ويضيف محمد: "من لا يدفع لا يمكنه الدخول وبيع بضاعته أو تصريفها على أصحاب المحال التجارية"، مشيرا إلى أن الإتاوات لا تقتصر على بضائع بعينها وإنما على كل شيء، لاسيما مواد البناء كالإسمنت والطابوق وحديد التسليح، الذي يشهد طلبا كبيراً في المناطق التي شهدت دماراً واسعاً بسبب الحرب، فضلا عن المواد المنزلية والغذائية وحتى الدوائية.
وبلغت قيمة الطن الواحد من مادة الإسمنت مليوني دينار (1707 دولارات) في المناطق الساخنة بالأنبار وصلاح الدين، فيما يبلغ سعره نحو مليون دينار في باقي المدن.
وسبق لوزارة الداخلية العراقية، أن أعلنت عن تشكيل لجنة تحقيق لمتابعة ظاهرة الإتاوات، إلا أنه لم يتم اتخاذ أي إجراءات، وهو ما دفع بالسكان إلى عدة خيارات بينها الذهاب إلى مدن أخرى والتسوق بشكل فردي أو ترك المدينة بسبب عدم قدرة مرتباتهم على تحمل الأسعار الإضافية على السلع.
ويقول ضابط بالشرطة إن "حواجز ونقاط التفتيش تفرض تلك الأموال منذ نحو ستة أشهر، ويتقاسم ريع كل حاجز أعضاؤه بدءاً من الضابط المسؤول وحتى أصغر جندي فيه".
ويتابع الضابط الذي طلب عدم ذكر اسمه في حديث لـ"العربي الجديد" أن "بعض نقاط وحواجز التفتيش يصل واردها اليومي إلى 30 ألف دولار، لذا تجد بعض الضباط والجنود يتوسطون ويدفعون رشاوى مالية لقاء نقلهم إلى هذا الحاجز أو ذاك بعدما كان العمل في تلك الحواجز غير مرغوب لأفراد الأمن".

ويقول وحيد غالب، تاجر عراقي يعمل في استيراد الدجاج والأسماك المجمدة لـ"العربي الجديد" إنه يأتي بالبضاعة من الميناء في البصرة جنوب بغداد أو من تركيا عبر منفذ إبراهيم الخليل في محافظة أربيل (شمال) ويمر بنحو 40 حاجز تفتيش، مشيرا إلى أن نحو 20 حاجزا من الحواجز الأربعين، يريد أفرادها المال لقاء السماح له بالعبور.
ويضيف غالب: "في حال الرفض قد أتعرض لعدم الدخول بالبضائع وفي الغالب لا تحتمل التأخير خوفا من فسادها، لذا أضطر للدفع، ومن ثم أقوم بتعويض المبلغ المدفوع لكل حاجز بإضافته على سعر السلع التي بالنهاية يتحملها المواطن، لكننا مضطرون لذلك".
ويقول قاسم المعموري، أحد تجار بغداد لـ" العربي الجديد" إن كل نقطة تفتيش باتت تضع سعر مرور على الشاحنة والكلمة هي " ادفع تمر، ترفض اترك بضاعتك يأكلها الدود". ويضيف المعموري: "المليشيات تمول نفسها من التجار من خلال الرشاوى وهي أكثر من يخفينا فرفض الدفع لهم يعني القتل للسائق والتاجر ومصادرة البضاعة، أما الجيش والشرطة فهو يترك البضاعة متوقفة على جانب حاجز التفتيش لأسبوع أو أكثر".
ويفضل المعموري أن يسمي حواجز التفتيش تلك باسم حواجز الدفع أو نقاط الرشاوى، مشيرا إلى أنها منتشرة على طرق بغداد ـ كركوك، بغداد ـ الأنبار، والبصرة ـ بغداد، وديالى ـ السليمانية، وبغداد ـ صلاح الدين، فضلا عن حواجز بين بلدات ومدن داخل المحافظة نفسها.
ورفضت وزارة الداخلية العراقية التعليق على هذه الظاهرة، رغم اتصالات عدة أجراها مكتب "العربي الجديد" في بغداد مع مسؤولين في الوزارة، إلا أن ضابطا رفيعا قال: "الموضوع حقيقي لكن لا توجد إمكانية لوقفه".
وأضاف في تصريح خاص أن" الرشوة التي تؤخذ من التجار تحولت الى إتاوة بالقوة في بعض الأحيان، وهناك ضباط كبار متورطون في الأمر والمليشيات سلطة لا نملك السيطرة عليها".
ويشاهد المار في الطرقات المختلفة بين المحافظات طوابير طويلة لشاحنات النقل المليئة بالمواد الغذائية والبضائع المختلفة، ممتدة لمسافات طويلة تصل لعشرات الكيلومترات، ويستمر تكدسها لأيام، ما يؤدي إلى تلف السلع، لاسيما الغذائية كالألبان واللحوم والفواكه والخضروات.
ويقول حسين عباس، صاحب شاحنة لنقل المواد الغذائية إن" سائقي الشاحنات ينقلون المواد الغذائية والتجارية من إقليم كردستان إلى بغداد أو من بغداد إلى باقي المحافظات، وعند الوصول إلى حاجز التفتيش تجد طابوراً من الشاحنات المتوقفة وتحتاج إلى أكثر من أسبوع للعبور، أو تدفع مبلغا ماليا يصل في بعض الأحيان إلى ألفي دولار للعبور، وهذه الإجراءات رفعت أسعار جميع المواد الغذائية".
ويضيف عباس: "أحد المسؤولين عن هذه النقاط لديه سماسرة يعملون لصالحه، يسمحون بعبور الشاحنات التي يدفع أصحابها الإتاوات المفروضة عليهم، ويرفضون مرور التي تمتنع عن الدفع، ويتذرع عنصر الأمن والضباط في نقاط التفتيش بأن هذه الإتاوات ضرائب على السلع المارة".
ويقول عبد الستار الجابري، أحد تجار المواد الغذائية في سوق جميلة بالعاصمة العراقية إن سائقي الشاحنات بدأوا يمتنعون عن نقل السلع من هذه المحافظات إلى بغداد وبالعكس، بسبب إجبارهم على دفع الإتاوات.
ويقول محمد علي، صاحب متجر تجزئة في الأنبار إن " الأسعار تشهد ارتفاعاً بشكل كبير مع العراقيل التي توضع من قبل معابر الجيش أو تلك العائدة للمليشيات على الطرق الرئيسية، ولدينا تخوف من استمرار هذا الأمر".
ولا يقتصر وضع حواجز التفتيش الإتاوات على التجار فقط، بل يتعدى إلى المواطنين كل حسب سيارته ووضعه المالي، الذي يبدو عليه بحسب مواطنين التقتهم "العربي الجديد".