موازنة السعودية 2017: إنفاق أكبر وعجز أقل

موازنة السعودية 2017: إنفاق أكبر وعجز أقل

22 ديسمبر 2016
إقرار موازنة السعودية لعام 2017 (العربي الجديد)
+ الخط -
أعلنت السعودية في جلسة استثنائية لمجلس الوزراء برئاسة، الملك سلمان بن عبدالعزيز، عن موازنتها لعام 2017 بإنفاق متوقع بنحو 890 مليار ريال (نحو 236 مليار دولار أميركي) بزيادة 6% عن موازنة 2016، وتتضمن إيرادات متوقعة بـ692 مليار ريال (184 مليار دولار) وعجز متوقع بنحو 198 مليار ريال (نحو 53 مليار دولار) وهو أقل من موازنة 2016، ليصل الدين العام للدولة إلى نحو 316.5 مليار ريـال (نحو 84 مليار دولار).
وبلغت المصروفات الفعلية في عام 2016 نحو 825 مليار ريال (نحو 219 مليار دولار)، فيما بلغت الإيرادات الفعلية نحو 528 مليار ريال (نحو 140 مليار دولار)، وبلغ العجز الفعلي العام الجاري مبلغ 297 مليار ريال (نحو 79 مليار دولار) بأقل 9% من العجز المتوقع، وهو ما شكل 10% من الناتج المحلي الإجمالي.
وأكد بيان مجلس الوزراء على أنه سيتم تغطية العجز المتوقع من خلال السحب من الاحتياطي النقدي والفائض المالي من السنوات الماضية، وأيضاً من خلال إصدار سندات دين داخلياً وخارجياً.
وأكد الملك سلمان، قُبيل توقيعه على الميزانية، حرصه على تعزيز مقومات الاقتصاد المحلي انطلاقاً من تبني "رؤية المملكة 2030"، وبرامجها التنفيذية وفق خطط إصلاحية شاملة من شأنها الانتقال بالبلاد إلى آفاق أوسع وأشمل لتكون قادرة على مواجهة التحديات.
وأضاف: "رؤيتنا ليست فقط مجموعة من الطموحات، بل هي برامج تنفيذية لنتمكن من تحقيق أولوياتنا الوطنية وإتاحة الفرص للجميع من خلال تقوية وتطوير الشراكة مع القطاع الخاص، وبناء منظومة قادرة على الإنجاز، ورفع وتيرة التنسيق والتكامل بين الأجهزة الحكومية كافة، ومواصلة الانضباط المالي، وتعزيز الشفافية والنزاهة".
وشدّد على أن المملكة حرصت في الميزانية على رفع كفاءة الإنفاق الرأسمالي والتشغيلي في الدولة، وتقوية وضع المالية العامة وتعزيز استدامتها، وإعطاء الأولوية للمشاريع والبرامج التنموية والخدمية التي تخدم المواطن بشكل مباشر"، وتابع: "ستسهم الميزانية في تفعيل دور القطاع الخاص وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي".
ومن المرجح أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي لعام 2016 وفقاً لتقديرات الهيئة العامة للإحصاء بنسبة 1.4%، وأن ينمو القطاع النفطي بنسبة 3.37%، والقطاع الحكومي بنسبة 0.51 % والقطاع الخاص بنسبة 0.11 %، وحقق نشاط تكرير الزيت نمواً قدره 14.78% كأعلى معدل نمو ضمن الأنشطة الاقتصادية المكونة للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي.


خطط مستقبلية.. ولا ضرائب جديدة
وأكد وزير المالية السعودي محمد الجدعان، في مؤتمر صحافي، على أنه لن يكون هناك فرض لأي ضرائب جديدة على المواطن والمقيم والشركات السعودية، خلال السنوات الخميس المقبلة عدا تلك التي أُعلن عنها فعلا، مشددا على أن الوزارة لن تفاجئ المواطنين والقطاع الخاص من الآن حتى 2020 بأي نوع من الالتزامات المالية بخلاف ما نصت عليه الميزانية.
واشتملت موازنة 2017 على برامج طموحة للسنوات الخمس المقبلة، تعتمد على رفع الدخل غير النفطي، من خلال فرض العديد من الرسوم التي سيتم تطبيقها على الوافدين، وهي تستهدف تحقيق دخل بنحو 65 مليار ريال (الدولار = 3.75 ريالات) في عام 2020، وهي تعتمد على فرض رسوم جديدة.

ولن يكون هناك أي رسوم جديدة في عام 2017 ولكن بدءاً من عام 2018 سيتم فرض رسوم كانت مقررة من قبل على كل عامل في الشركات التي تزيد فيها العمالة الوافدة عن الموظفين السعوديين بمقدار 400 ريال شهرياً عن كل عامل، وترتفع في عام 2019 لنحو 600 ريال، وتصل في عام 2020 لنحو 800 ريال، فيما سيتم دفع رسوم على العمالة الوافدة الأقل من الموظفين السعوديين في كل منشأة بنحو 300 ريال في عام 2018 ترتفع لنحو 500 ريال في عام 2019 وتصل لنحو 700 ريال في عام 2020، فيما سيتم فرض رسم بمقدار 100 ريال عن كل موافق للعامل الوافد شهرياً بدءاً من العام المقبل، وترتفع لنحو 200 ريال في عالم 2018 وترتفع إلى 300 ريال في عام 2019 وتصل لنحو 400 ريال في عام 2020، وتهدف هذه الرسوم لتحسين مستوى الدعم.

مخصصات كبيرة للتعليم
حظي التعليم بالإنفاق الأكبر للميزانية الجديدة بنحو 200 مليار ريال، فيما تم تخصيص مبلغ 191 مليار ريال على الإنفاق العسكري. ومبلغ 121.8 ملياراً للمؤسسات العامة، ومبلغ 51.16 ملياراً للأمانات والبلديات.
وفي هذا الإطار، أكد محللون اقتصاديون أن السعودية وضعت موازنتها بسعر 55 ريالاً لبرميل النفط، الأمر الذي يعني أن وصول النفط لمستويات 60 دولاراً وأكثر للبرميل ستعني مزيداً من تراجع العجز.
ويؤكد المحلل المالي، ربيع سندي، لـ "العربي الجديد" أن الميزانية الجديدة تعكس قوة الاقتصاد السعودي، بعد أن رفعت من مستويات الإنفاق وبعجز أقل من الذي توقعته كبرى الدور المالية، ويقول: "كان السبب الرئيس في خفض العجز هو تراجع الصرف والإجراءات التصحيحية التي اتخذتها الحكومة، خلال العام الجاري، بهدف ضبط الإنفاق ومراجعة المشاريع، لهذا وجدنا أن الإنفاق كان أقل بكثير مما كان عليه في موازنة 2015 والتي بلغت 930 مليار ريال".
وأضاف: "التفاصيل التي ظهرت تؤكد أن السعودية عازمة على أن يكون القطاع الخاص محركاً حقيقياً للاقتصاد السعودي، من خلال زيادة الإنفاق على المشاريع التنموية، كما أن السعودية نجحت من خلال ترشيد الإنفاق بشكل ذكي في تقليص العجز المتوقع".
ويؤكد سندي، أن الإيرادات غير النفطية ارتفعت بنسبة 10% عما كان متوقعاً، والأهم هو أن الإنفاق العالي سيوجه لقطاعات متخصصة، فالتعليم حصل على 22% من الميزانية، فيما حصلت الصحة على 14%، فيما ستواصل الحكومة عملية رفع الدعم المجدولة، مع إطلاق برنامج (حساب المواطن) الذي يسعى لتوجيه الدعم بشكل مباشر للمواطن".

ويشدّد الدكتور سندي على أنه كان من المتوقع أن يكون العجز أكبر من المتوقع، ولكن ما ظهر هو أن السعودية بدأت تتأقلم مع أسعار النفط المتدنية، ويضيف: "السعودية وضعت موازنتها على أساس أسعار نفط متدنية، وهي تتوقع أن تتعايش مع أسعار دون 60 دولاراً لبرميل النفط، وهي وفق ذلك تتوقع أن تصل في عام 2019 لمعادلة المصروفات بالإنفاق، فيما ستحقق في عام 2020 فائضاً بنحو 40 مليار ريال، والأهم في تصوري هو أن التوجه الإيجابي لضبط الميزانية قاد لعدم تجاوز الإنفاق المتوقع، وهو أمر كانت المالية السعودية تعاني منه في السنوات الماضية، والتي كانت تتجاوز فيها الإنفاق بنسب تصل لـ14%، كما أن ميزانية هذا العام هي الأكثر شفافية".

تراجع في العجز
من جانبه يؤكد مدير الاستثمار في شركة رؤية الاستثمارية، ماجد الثميري، لـ "العربي الجديد" أن هناك تغيراً واضحاً في طريقة التعامل مع الميزانية السعودية، بعد أن وضعت برامجها بمعزل عن أسعار النفط المتأرجحة، ويقول: "شكّل الدخل غير النفطي 37% من الموازنة، وهذا أمر إيجابي بشكل كبير، لأنه يعني بدء السعودية التخلص من تشوهات الاقتصاد، فالميزانية لم تعد تعتمد بدرجة كبيرة على النفط".
ويضيف: "ارتفع الإنفاق لمستوى 890 مليار ريال، على الرغم من تراجع أسعار النفط، وتوقعات أن يستمر ذلك الانخفاض في العام المقبل، وهذا سيقود الاقتصاد لمزيد من التحسن، لأن القطاع الخاص سيكون محركاً مهماً في الاقتصاد بدلاً من الاستمرار في أن يكون معتمداً على الدولة".
وتابع: "سيكون 2017 عام تحقيق رؤية التحول الوطني، والتي ستشهد إنجاز البرامج، وأهمها التخصيص والدعم الذكي، فما تحقق في عام 2016 كان تطبيق برامج سريعة مثل رفع أسعار الطاقة والوقود، والرسوم على الأراضي، ولكن في العام المقبل ستكون البرامج أكثر فاعلية".
وأوضح الثميري أن الميزانية وضعت سعر نفط متدنٍ، وهذا يجعلنا نتفاءل أن يكون العجز المتوقع أقل بكثير مما تم اعتماده، فالاقتصاد السعودي برهن على أنه قوي، وأعتقد أن المالية السعودية تعلمت درس تراجع النمو الاقتصادي ولذا نتج عن تراجع الإنفاق، فزادت من إنفاقها في العام المقبل، وهو أمر قد يرفع معدل النمو لمستويات تصل لنحو 3 في المائة على الأقل، حسب الثميري.

قطاعات خدمية
ويشدد أستاذ الاقتصاد والمحلل المالي، محمد الشمري، على أن استمرار حصول التعليم والصحة على النسبة الأكبر من الموازنة بنحو 34%، يؤكد أن المشاكل المالية التي تسبب بها النفط كانت بعيداً عن القطاعات المهمة.
ويقول الشمري لـ "العربي الجديد": "اتضح أن السعودية مستمرة في الاستثمار في الإنسان، من خلال زيادة الإنفاق على التعليم بشكل أكبر بنحو 20% من الذي كانت عليه ميزانية العام الماضي وهذا في تصوري أمر مهم"، مضيفاً: "الملاحظ أن الميزانية كانت توضح السياسة المالية للسعودية، خلال الخمس سنوات المقبلة، وليس العام المقبل فقط".
وكانت أبرز بشائر ميزانية 2017 إعلان وزارة الإسكان، أنها بصدد إبرام اتفاقية تلزم البنوك بتوفير القروض لذوي الدخول المنخفضة.
وكانت البنوك لا تسمح بتحويل الأشخاص الذين تقل دخولهم عن خمسة آلاف ريال شهرياً، وستتيح هذه الخطوة الوصول إلى شريحة عريضة من المواطنين للاستفادة من التمويل العقاري.
وحسب بيان وزارة المالية، تأثرت إيرادات المملكة (كغيرها من الدول المصدرة للنفط) بتقلبات أسعار النفط التي وصلت إلى ما دون 30 دولاراً أميركياً، لذا تهدف توجهات المالية العامة على المدى المتوسط إلى تحقيق ميزانية متوازنة بحلول عام 2020 من خلال تعزيز الإيرادات ورفع كفاءة الإنفاق والعمل على تحقيق الانضباط المالي.
وقال البيان إن "الركيزة الأساسية لإدارة المالية العامة في توفير مزيد من الشفافية حول توجهات المالية العامة متوسطة الأجل لتحديد الاستراتيجية ومسار التعديلات على مدى السنوات الخمس المقبلة بهدف دعم النمو الاقتصادي وتحقيق الاستقرار المالي والحد من أثر تقلبات أسعار النفط في الميزانية العامة للدولة".
وأكد البيان، أنه سيتم العمل على عدة محاور منها تحقيق توازن المالية العامة إذ تهدف رؤية 2030 إلى ضبط الإنفاق الحكومي ورفع كفاءته وتنمية إيرادات غير نفطية جديدة لتحقيق الاستقرار المالي وتنويع مصادر الدخل وتبني سياسات حازمة في ذلك مع التركيز على المشاريع النوعية ذات العائد المجدي وترتيبها بحسب الأولويات الاستراتيجية، ووضع آليات فاعلة للمتابعة ومراقبة الأداء.