تحت خط الاكتفاء: الأردنيون يواجهون التضخم برواتب زهيدة

تحت خط الاكتفاء: الأردنيون يواجهون التضخم برواتب زهيدة

08 نوفمبر 2016
خلال تحرك سابق في الأردن (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
+ الخط -
باتت الرواتب هماً يرافق الأردنيين من شهر إلى آخر، إذ تتبدد فرحة الانتظار ثلاثين يوماً، مع استحقاق دفع الرواتب الذي يتزامن مع توزيعه على الفواتير الشهرية والرعاية الصحية والتعليم والنفقات اليومية والإيجارات، ليختفي أثر الأجر قبل سداد كافة المصاريف الأساسية. عندها، يبدأ الموظف بالبحث عن مصادر استدانة وتجديد القروض، ليدخل دوامة القلق من جديد. 

رواتب لا تكفي حتى منتصف الشهر

المواطن عماد طه (50 عاماً) يعمل في القطاع الحكومي منذ 20 عاماً وراتبه الشهري حالياً لا يتجاوز 700 دولار ويذهب 300 دولار منه قسطاً للشقة السكنية التي اضطر لشرائها قبل عدة سنوات.

يقول طه لـ "العربي الجديد" إن الجزء المتبقي يتوزع ما بين دفع فواتير الكهرباء والمياه ومتطلبات تعليم الأبناء وتغطية التزامات أخرى "وما هي إلا أيام ونجد أنفسنا في ضائقة مالية فنلجأ للاقتراض من أشخاص نعرفهم أو من المحلات التجارية".

وفي ذات السياق يقول المواطن إسلام العمري، وهو موظف في القطاع الخاص، إنه مثقل 
بالديون وكثرة القروض من المصارف ومؤسسات التمويل المحلية لدرجة أن راتبه بأكمله يذهب لسداد أقساط الديون.

ويشرح أن "صعوبة الظروف المعيشية وارتفاع نفقات الأسرة لا سيما مع زيادة أسعار الكهرباء والمياه والنقل وغيرها قد اضطرتني للبحث عن مجالات عمل أخرى إلى جانب عملي، حتى أوفر متطلبات أسرتي وكل ذلك على حساب صحتي ووقتي".

ولا يذكر المواطن حسني فياض أن راتبه الشهري الذي يبلغ حوالى 550 دولاراً صمد لنصف الشهر كونه ينفد بعد عدة أيام من تقاضيه، عبر سداد ديون الشهر الماضي، إضافة إلى دفع الالتزامات الاعتيادية.

ويقول إن الموظف سواء في الحكومة أو القطاع الخاص يعطي الأولوية في عملية الإنفاق إلى سداد فواتير الكهرباء والمياه والهاتف لتفادي فصل هذه الخدمات عنه في حال عدم السداد.

رفع أسعار السلع والخدمات

وقد ارتفعت الأسعار في الأردن بشكل عام خلال السنوات القليلة الماضية بسبب الإجراءات الحكومية التي هدفت إلى زيادة الإيرادات المحلية وتغطية عجز الموازنة من جهة، وكذلك انعكاسات أزمة اللاجئين السوريين من جهة أخرى.

ورفعت الحكومة أسعار المياه والكهرباء وسلع وخدمات أخرى فيما شهدت إيجارات المنازل والشقق السكنية ارتفاعاً عدة أضعاف.

ونظراً لعدم كفاية الرواتب لتغطية نفقات الأسر، استحدثت مصارف محلية أدوات تمويل جديدة للموظفين تقوم بموجبها بتغطية مشتريات الموظف بحدود سقف معين لا يتجاوز إجمالي الراتب على أن يخصم مرة واحدة الشهر اللاحق أو عبر تقسيط المبلغ على دفعات مقابل فائدة معينة.
ولم تشهد الرواتب في الأردن ارتفاعاً منذ عدة سنوات وما زال الحد الأدنى للأجور عند 266 دولاراً بالنسبة للأردنيين، ويقل عن ذلك للعمال الوافدين.

وكشف استطلاع للرأي العام عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأردنيين، أجراه مركز الفنيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية أن 85.6% من الأردنيين يتقاضون رواتب تقل عن 700 دولار.

تآكل القدرة الشرائية

ويقول الخبير الاقتصادي أحمد زكريا صيام إن الرواتب في الأردن تآكلت بشكل واضح في
السنوات الأخيرة بسبب ارتفاع الأسعار وإيجارات المنازل، والزيادة التي طرأت على متطلبات الإنفاق على التعليم والرعاية الصحية. وفي المقابل لم تشهد الرواتب والأجور ارتفاعاً يوازي الأعباء التي لحقت بالعائلات.

ويضيف لـ "العربي الجديد " أن غالبية الأردنيين بالفعل تعيش في دوامة مع الرواتب الشهرية، من حيث انتظار المعاشات لغاية تسديد الالتزامات المالية ودفع بدل الخدمات لتفادي فصلها عنهم كالكهرباء والمياه والهواتف وغيرها.

ويتابع أن الحكومة تعاني من ظروف مالية صعبة تحد من قدرتها على تحسين الرواتب ما يتماشى مع الأعباء المالية الملقاة على كاهل المواطنين، حيث ما زال العجز المالي للموازنة يتجاوز 1.1 مليار دولار، كما ارتفعت المديونية العامة لأكثر من 36 مليار دولار باستثناء مديونية بعض الجهات الحكومية، مثل الجامعات الرسمية والبلديات وغيرها.

ويشرح صيام أن عدداً كبيراً من الأردنيين مدين للمصارف حيث ارتفعت معدلات التسهيلات المصرفية المقدمة للأفراد لغايات تمويل السلع الاستهلاكية وشراء الشقق ونحوها.
وحسب المصرف الأردني فإن مديونية الأفراد في الأردن لا تزال تشهد ارتفاعاً وتشكل نسبة كبيرة من إجمالي التسهيلات الائتمانية التي تمنحها المصارف المحلية لمختلف الأنشطة والمواطنين.

وبيّن أن القروض التي حصل عليها الأفراد في الأردن ارتفعت بنسبة 8.9% خلال الثمانية أشهر من العام الحالي مقارنة بمستواها في نهاية العام الماضي.

وكانت مديونية الأفراد في الأردن قد ارتفعت لدى المصارف والمؤسسات المالية من 12.4 مليار دولار في نهاية عام 2014 إلى 13.67 مليار دولار في نهاية عام 2015 وبنسبة نمو بلغت 10.5%.

ارتفاع نسب البطالة والفقر

من جانبه يقول عضو جمعية حماية المستهلك سهم العبادي إن معظم الأردنيين يعتمدون بشكل كبير على الرواتب، إذ لا مداخيل أخرى لهم باستثناء القلة التي تملك عقارات وأراضيَ زراعية ومحلات تجارية وغيرها. حيث يشاهد مع نهاية كل شهر طوابير المواطنين تصطف أمام المصارف للحصول على الراتب للوفاء بالتزاماتهم وقضاء ما تيسر من حاجات أسرهم.

ويضيف لـ " العربي الجديد " أن الرواتب لم تعد تكفي حاجة الأردنيين قياساً إلى ارتفاع الأسعار والغلاء الذي طال كل شيء مما زاد معاناة المواطنين، وتراجعت مستويات معيشتهم
بشكل كبير.

وقال العبادي إن مواجهة هذه الأوضاع تتطلب من الحكومة تحفيز الموظفين وميسوري الحال على إقامة مشاريع صغيرة بشكل فردي أو جماعي فيما بينهم، بما يحقق لهم مردوداً مادياً يعينهم على الحياة ويخفف الأعباء المالية عنهم.

ويلفت إلى أن ذلك يتطلب توجيه بعض المنح والمساعدات الخارجية لهذا الجانب، إضافة إلى اتخاذ خطوات عملية لتمكين المواطنين من تملك المنازل والشقق السكنية، كدعم أسعار الفوائد المرتفعة لدى المصارف وكذلك توزيع أراض عليهم في مختلف المناطق.

ويشير إلى أن إيجارات المنازل تستنزف أكثر من 60% من الرواتب الشهرية للموظفين، بيد أن أصحاب العقارات يطلبون دفع الإيجار مرة واحدة أو على عدة دفعات مما يزيد ضائقة المواطنين.

وتقدر نسبة الفقر في الأردن بأكثر من 14% وارتفعت البطالة لـ 15.8% للربع الثالث من العام الحالي بحسب بيانات رسمية.

المساهمون